غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

عبد الرحمن بن مالك

          816 # عبد الرَّحمن بن مالك(1) ، ابن أخي سُرَاقَةَ _بضمِّ المهملة، وفتح الرَّاء المخفَّفة_ بن مالك بن جُعْشُم المُدْلِجِيُّ، بضمِّ الميم، وسكون المهملة، وكسر اللَّام، آخرها جيم، هذه النِّسبة(2) إلى بني مُدْلِجٍ، وهم من القَافَةِ الذين ينسبون الأولاد بالآباء.
          وثَّقه النَّسائيُّ، تابعيٌّ.
          روى عنه ابن شهاب الزُّهريِّ.
          نقل عنه البخاريُّ بالواسطة، في هجرة النَّبيِّ صلعم [خ¦3906] .
          توفِّي بعد المئة.
          تتمَّة:
          القول بالقيافة مذهبنا، أي مذهب الشَّافعيِّ، وشيخه الإمام مالك، وتلميذه الإمام أحمد، خلافاً للإمام الأعظم، لنا تقرير النَّبيِّ صلعم مُجَزِّزَ المُدْلِجِيَّ على إلحاقه أسامةَ بزيدِ(3) بن حارثة، وكان أسامة أسود، وزيد أبيض _كما قاله(4) أبو داود_ أو كان أسامة أحمر أشقر، وزيد مثل اللَّيل الأسود _كما قاله ابن سعد_ وقال الرَّافعيُّ: كان زيد بين السَّواد والبياض. وسروره بذلك. قال إمامنا الشَّافعيُّ: لو لم يكن القيافة علماً، ولها اعتبار، وعليها(5) اعتبار لمنعه؛ لأنَّه صلعم (حاشاه أن يُقِرَّ على خطأ أو يُسَرَّ بباطل، قالت عائشة: دخل عليَّ رسول الله صلعم ) أعرفُ السُّرور في وجهه، فقال: «ألم تري أنَّ مُجَزِّزاً المُدْلِجِيَّ نظر إلى أسامة وزيد، عليهما قطيفة، قد غطَّيا رؤوسهما، وبدت أقدامهما، فقال: إنَّ هذه الأقدام بعضها من بعض». قال الرَّافعيُّ في الشَّرح الكبير: لو لم يكن على القيافة اعتماد لمنعه عن المجازفة، وقال له: لا تقل مثل هذا، فإنَّك إن أصبت في شيء أخطأت في غيره، وكان في خطئك قذفُ محصنة، ونفيُ نسبة. قال: وسبب سروره أنَّ المشركين طعنوا في نسب أسامة؛ لأنَّه كان طويلاً، أقنى الأنف، أسود، وكان زيد قصيراً، أخفش الأنف، بين السَّواد والبياض، وقصد بعض المنافقين بالطَّعن مغايظته صلعم ؛ لأنَّهما كانا حبَّيه(6) ، قال: وممَّا يتعجَّب في شأن القيافة ما حكي عن أبي إسحاق قال: كان لي جار ببغداد، له مال ويسار، وكان له ابن يضرب إلى السَّواد، ولون الرَّجل لا يشبهه، وكان يعرَّض أنَّه ليس منه، قال: فأتاني، وقال: قد عزمت على الحجِّ، وأكثر قصدي أنَّني أستصحب ابني، وأريه بعض القافة(7) . فنهيته، وقلت: لعلَّ القافة تقول بعض ما تكره، وليس لك ابن غيره. فلم ينته، وخرج، فلمَّا رجع قال لي: إنِّي استحضرت مُدْلجياً، وأمرت بعَرْضِه عليه في عدَّة رجال، وكان فيهم (الذي يُرمى بأنَّه منه، وكان معنا / في الرِّفقة، وغبت عن المجلس، فنظر القائف) فيهم، فلم يلحقه بأحدهم، فأخبرت بذلك، وقيل لي: احضر لعلَّه يلحقه بك. فأقبلت على ناقة يقودها عبدٌ لنا كبيرٌ أسود، فلمَّا وقع بصره علينا، قال: الله أكبر! ذلك الرَّاكب أبو هذا الغلام، والقائد الأسود أبو الرَّاكب، فغشي عليَّ من صعوبة ما سمعت، فلمَّا رجعت ألححت على والدتي لتخبرني، فأخبرتني أنَّ أبي طلَّقها ثلاثاً، ثمَّ ندم، فأمر هذا الغلام بنكاحها للتَّحليل، ففعل، فعلقت منه، وكان ذا مال كثير، وقد بلغ الكبر، وليس له ولد، فاستلحقك، ونكحني ثانياً. [انتهى]
          وفي عجائب المخلوقات حكاية تشبه هذه، وهي أنَّ بعض التُّجار ورث عن أبيه مملوكاً أسود شيخاً، قال: فكنت في بعض أسفاري راكباً على بعير، والمملوك يقوده، فاجتاز بنا رجل من بني مُدْلِج، فأمعن فينا نظره، ثمَّ قال: ما أشبه الرَّاكب بالقائد؟! قال: فرجعت إلى أمِّي، فأخبرتها بذلك، فقالت: صدق، إنَّ زوجي كان شيخاً كبيراً، ذا مال، ولم يكن له ولد، فزوَّجني بهذا المملوك، فولدتك، ثمَّ نكحني، واستلحقك(8) . انتهى.
          تنبيه:
          قال الرَّافعيُّ: اختلفوا في القائف، هل يجب أن يكون مدلجيًّا، على وجهين: أحدهما نعم؛ لأنَّ الصَّحَّابة رجعوا إلى بني مدلج دون سائر النَّاس، وقد يخصُّ الله تعالى جماعة بنوع من المناصب والفضائل، كما خصَّ قريشاً بالإمامة(9) ، والثَّاني لا، وسائر النَّاس من العرب والعجم يشاركونهم في ذلك؛ لأنَّ القيافة نوع من العلم، فمن تعلَّمه عمل بعلمه، والأوَّل أصحُّ عند الإمام الغزاليِّ(10) ، والثَّاني أصحُّ عند العراقيِّين، وأكثر الأصحاب.


[1] في (ن): (عبد الرحمن بن محمد مالك ابن أبي سراقة) وهو تصحيف وتحريف والمثبت من مصادر الترجمة.
[2] في غير (ن): (نسبة).
[3] في غير (ن): (أسامة بن زيد).
[4] في غير (ن): (قال).
[5] في (ن): (وعلمها).
[6] في غير (ن): (حبيبيه).
[7] في (ن): (القافية).
[8] في (ن): (واستلحقتك).
[9] في غير (ن): (بالإمارة).
[10] في (ن): (عند الإمام والغزالي).