غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

عمران بن حطان

          1015 # عِمْرانُ بنُ حِطَّان _قال الكرمانيُّ(1) : هو بكسر المهملة، وشدَّة الطَّاء المهملة، آخره نون_ السَّدُوسِيُّ، التَّابعيُّ.
          سمع: عائشة، وابن عمر، وابن عبَّاس.
          وروى عنه يحيى بن أبي كثير.
          نقل عنه البخاريُّ بالواسطة، في كتاب اللِّباس [خ¦5835] .
          قال ابن حجر(2) : هو الشَّاعر المشهور، كان يرى رأي الخوارج.
          قال أبو العبَّاس المبرَّد: كان عمران رأسَ القَعَدِيَّةِ من الصُّفْرِيَّةِ وخطيبَهم وشاعرَهم، والقَعَديَّة قوم من الخوارج، يقولون بقولهم، ولا يرون الخروج على الإمام، بل يزيِّنونه.
          وكان عمران داعية إلى مذهبه، [قال في القاموس: القعد _بفتح القاف والمهملة_ الخوارج، ومن يرى رأيهم قعديٌّ، والصّفريَّة _بضمِّ المهملة وكسرها_ قوم من الحروريَّة، نسبوا إلى عبد الله بن صِفَّار، ككتَّان. وابن حطَّان] هو الذي رثى عبد الرَّحمن بن ملجم _أشقى الآخرين، قاتل عليٍّ، كرَّم الله وجهه_ بالأبيات التي ستأتي مع معارضتها، لكن وثَّقه العجليُّ. قال قتادة: كان لا يتَّهم في الحديث. وقال أبو داود: ليس في أهل الأهواء أصحُّ حديثاً من الخوارج [منه] . ثمَّ ذكر عمران هذا، وقال يعقوب بن شيبة: أدرك جماعة من الصَّحابة، وصار في آخر أمره إلى أن رأى رأي الخوارج. وقال العقيليُّ: حدَّث عن عائشة، ولم يتبيَّن سماعه منها.
          قال ابن حجر: لم يخرج له البخاريُّ إلَّا حديثاً واحداً، من رواية يحيى بن (أبي) كثير، عن عائشة، في الحرير [خ¦5835] ، وهذا الحديث إنَّما أخرجه البخاريُّ في المتابعات، وللحديث عنده طرق غير هذه(3) ، من رواية عمر وغيره، وقد رواه مسلم من طريق أخرى(4) ، عن ابن عمر نحوه، ورأيت بعض الأئمَّة يزعم أنَّ ما أخرج البخاريُّ له ما حمل عنه قبل أن يرى رأي الخوارج. قال: وليس ذلك الاعتذار بقويٍّ؛ لأنَّ يحيى بن (أبي) كثير إنَّما سمع منه باليمامة حال هربه من الحجَّاج، وكان يطلبه ليقتله لرأيه، وقصَّته في ذلك مشهورة مبسوطة في الكامل للمبرَّد وغيره، على أنَّ أبا زكريَّا الموصليَّ حكى في تاريخ الموصل عن غيره أنَّ عمران هذا رجع في آخر عمره عن رأي الخوارج، فإن صحَّ ذلك كان عذراً جيِّداً وإلَّا فلا يضرُّ التَّخريج عمَّن هذا سبيله في المتابعات. انتهى كلام ابن حجر، ولكن العجب(5) كيف يجوز النَّقل عن هذا وأمثاله، وقد لعنه أبو الطَّيِّب الطَّبريُّ؟! كما نقل عنه السُّبكيُّ في أوَّل طبقاته الكبرى(6) ، ونقل / أبيات ابن حِطَّان، (وأبيات القاضي أبي الطَّيِّب وغيره، وهذه أبيات ابن حطَّان) _من البحر البسيط_:
يا ضربةً من كَمِيٍّ ما أراد بها                     إلَّا ليبلغَ عند الله رضوانا
إنِّي لأذكرُه يوماً فأحسِبُه                     أوفَى البريَّةِ عند اللهِ ميزانا
لله دَرُّ المُراديِّ الذي سَفَكَتْ                     كفَّاه مهجةَ شرِّ الخلقِ إنسانا
أمسى عشيَّةَ غَشَّاهُ بضربتِه                     ممَّا جَنَاه من الآثام عُريانا
          قلت: فأخزى الله قائل هذه الأبيات، وقبَّحه في الدُّنيا والآخرة ما أجرأه على الله تعالى! ولقد أحسن الإمام العلَّامة القاضي أبو الطَّيِّب في معارضته _من البحر(7) المذكور_:
إنِّي لأبرأُ ممَّا أنتَ ذاكِرُهُ                     عن ابن ملجمٍ الملعونِ بُهتانا
إنِّي لأذكرُه يوماً فألعنُه                     ديناً وألعنُ عِمْرانَ بنَ حِطَّانا
عليكَ ثُم عليه من جماعتنا                     لعائنٌ كَثُرَتْ سِرًّا وإعلانا
فأنتما من كلاب النَّار جاء به                     نصُّ الشَّريعة إسراراً وإعلانا
          واعترض القاضي حسين في تعليقته على القاضي أبي الطَّيِّب؛ حيث لعن عمران، وقال: إنَّه صحابيٌّ. واعترض بعضهم على القاضي حسين؛ (حيث أنكر على أبي الطَّيِّب اللَّعن، وأطال في ذلك النَّفس، لكنَّ إنكار القاضي حسين) ذلك لظنِّه أنَّ عمران صحابيٌّ، وليس كذلك؛ بل هو تابعيٌّ خارجيٌّ، ولله درُّ بكر بن حَمَّاد التَّاهَرْتيِّ في معارضته لابن حطَّان _من البحر(8) المذكور_:
قل لابن ملجم والأقدارُ غالبةٌ                     هَدَّمْتَ ويلك للإسلام أركانا
قتلتَ أفضلَ من يمشي على قدمٍ                     وأوَّل النَّاس إسلاماً وإيمانا
وأعلمَ النَّاس بالقرآن ثُمَّ بِمَا                     سَنَّ الرَّسولُ لنا شرعاً وتِبْيَانا
صِهْر النَّبيِّ ومولاه وناصره                     أضحتْ مناقبُه نُوراً وبُرْهانا
وكان منه على رغم الحسودِ له                     مكانَ هارونَ من موسى بنِ عِمْرانا
وكان في الحربِ سيفاً صارِماً ذَكَراً                     ليثاً إذا لقي الأقرانُ أقْرانا
ذكرتُ قاتلَه والدَّمعُ منحدرٌ                     فقلتُ سبحانَ ربِّ العرشِ سبحانا
إنِّي لأحسبه ما كان من بَشَرٍ                     يخشى المعادَ ولكنْ كان شيطانا
أشقَى مُرادٍ إذا عُدَّتْ قبائلُها                     وأخسرُ النَّاس عند الله ميزانا
كعاقرِ النَّاقةِ الأُولى التي جَلَبَتْ                     على ثمودَ بأرضِ الحِجْرِ خُسْرانا
فلا عفى الله عنه ما تحمَّلَهُ                     ولا سَقَى قبرَ عِمْرانَ بنِ حِطَّانا
لقولِه بيتَ شِعْرٍ ضَلَّ مجترِئاً                     ونالَهُ ما نالَهُ ظلماً وعُدوانا(9)
لضربةٌ من غَوِيٍّ أوردتْه لَظَى                     مخلَّداً قد أَتَى الرَّحمن غضبانا
كأنَّه لم يُرِدْ قصداً بضربته                     إلَّا ليصلَى عذابَ الخُلْدِ نيرانا
          ولقد أجاد بعضهم في معارضة ابن حِطَّان _من البحر(10) المذكور_:
كذبتَ وايم الذي حَجَّ الحجيجُ له                     وقد ركبتَ ضَلاَلاً منك بُهتانا
لتلقينَّ بها ناراً مؤجَّجَةً                      يوم القيامةِ لا زُلْفَى ورِضْوانا
تَبَّتْ يداه لقد خابتْ وقد خَسِرتْ                     وصار أبخسَ من في الحشر ميزانا
هذا جوابي في ذا النَّذْلِ مُرْتَجِلاً                     أرجو بذاك من الرَّحمنِ غفرانا
          وما أحسنَ ما نقض الحِمْيَرِيُّ على ابن حطَّان _من البحر(11) المذكور_:
لا دَرَّ دَرُّ المراديِّ الذي سَفَكَتْ                     كفَّاهُ مهجةَ خيرِ الخَلْقِ إنسانا
قد باتَ ممَّا تعاطاه بضربتِه                     ممَّا عليه ذوو الإسلامِ عُريانا(12)
أبكَى السَّماءَ لِبَابٍ كان يَعْمُرُه                     منها وحَنَّتْ عليه الأرضُ تَحْنانا(13) /
طَوْرَاً أقولُ ابنُ ملعونين مُلْتَقَطٌ                     من نَسْلِ إِبليسَ لا بل كان شيطانا
ويلُ امِّه إنَّما ذا لعنة ولدتْ                     لا أن كما قال عمرانُ بنُ حِطَّانا(14)
عبد تحمَّل إثماً لو تحمَّلَهُ                     ثَهْلانُ طَرْفَةَ عينٍ هَدَّ ثَهْلانا
          انتهى كلام السُّبكيِّ في طبقاته، وقد ذكرت أبياتاً أخر، في ترجمة عبد الله بن المبارك، على هذا الوزن والقافية، والظَّاهر أنَّه قصد بذلك أيضاً معارضة ابن حطَّان، وقد ظهر لك من هذه المقالات (كلِّها) سوءُ سريرة ابن حطَّان، فإنَّ منهم من لعن، ومنهم من طعن، فتركه أولى، والله تعالى أعلم بالسَّرائر.
          (وذكر الدَّميريُّ في حياة الحيوان(15) ، في مادَّة الإنسان أنَّ عمران بن حطَّان كان شديد السَّواد، وكانت امرأته من أجمل النِّساء، فأطالت نظرها في وجهه يوماً، وقالت: الحمد لله. فقال: ما لك؟ فقالت: حمدت الله على أنِّي وإيَّاك من أهل الجنَّة. قال: كيف ذلك؟ قالت: لأنَّك رزقت مثلي فشكرت، ورزقتُ أنا مثلك فصبرت، وقد وعد الله عباده الصَّابرين والشَّاكرين بالجنَّة).


[1] شرح البخاري:21/81.
[2] مقدمة الفتح: ص432.
[3] في غير (ن): (هذا).
[4] في غير (ن): (آخر).
[5] في غير (ن): (ولكني أتعجب).
[6] 1/288.
[7] الأبيات في الطبقات للسبكي:1/289، وجاء في هامش (ه) عند نهاية هذه الأبيات ما نصه: قال كاتبه: ولقد ضممت إلى أبيات أبي الطيب بيتين، وهي:
~على ابن ملجم لَعْناتٌ مضاعفة كذا عَلَى قبر عمران بنِ حطانا
~إن كنت لا تلْعَنَنَّ خَوْفَ شائبةٍ فالعنْ إلى قبره واملأْه نيرانا
[8] الأبيات في الطبقات للسبكي:1/288، وسقط بيت من القصيدة وهو:
~قد كان يخبرهم أن سوف يخضِبها قبل المنيةِ أزماناً فأزمانا
وجاء في (ه): (ولله در أبي بكر في معارضته) والمثبت من (ن) و(ف).
[9] في (ن) و(ف): (مجترماً).
[10] الطبقات الكبرى للسبكي:1/290، والشعر لأبي المظفر ظاهر بن محمد الإسفراييني.
[11] الطبقات الكبرى للسبكي:1/290، وثهلان: جبل لبني نُمير، بنجد، قرب المدينة، (تاج العروس)، وجاء في هامش الأصل ما نصه: ثهلان: اسم جبل عظيم.
[12] في (ن) و(ف): (أصبح مما تعاطاه).
[13] رواية البيت في (ن): (أبكى السماء الباب كان يعمره منها وحث عليه الارض محتانا).
[14] في (ن): (أيما ذا لعنة).
[15] 1/56.