غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

عويمر بن زيد بن قيس

          1031 # عُوَيْمِرُ بنُ زَيْد بنِ قيس بن أُميَّة، بضمِّ المهملة، وفتح الواو، وبعد المثنَّاة التَّحتيَّة ميم، آخره راء _هكذا نسبه الكلاباذيُّ(1) / وغيره_ وقال ابن الأثير(2) : عويمر بن عامر. قال: ويقال: عويمر بن قيس بن زيد. ويقال: عُويمر بن ثعلبة. ويقال: اسمه عامر، وعويمرٌ لقبٌ، هو أبو الدَّرداء، الأنصاريُّ، الخزرجيُّ، من (بَلْحَارِث بنِ) الخَزِرْجِ، الصَّحابيُّ، المدنيُّ، الشَّاميُّ، نزيل الشَّام ودفينها، وهو والد بلال بن أبي الدَّرداء.
          وهو من أَجِلَّة الصَّحابة، وأوَّل مشاهده أُحد، وكان عابداً، وهو مشهور بكنيته، ومن أفاضل الصَّحابة، وفقهائهم، وحكمائهم، وتأخَّر إسلامه، فلم يشهد بدراً، وشهد المشاهد كلَّها بعدها، وقيل: إنَّه لم يشهد أُحداً، وأوَّل مشاهده الخندق. وآخى رسول الله صلعم بينه وبين سلمان الخير الفارسيِّ.
          قال أبو قِلاَبة: مرَّ أبو الدَّرداء على رجل قد أصاب ذنباً، وكانوا يسبُّونه، فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قليب ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا: بلى. قال: فلا تكونوا تسبُّوا أخاكم، واحمدوا الله على ما عافاكم(3) . قالوا: أفلا تبغضه؟ قال: إنَّما أبغض عمله، فإذا تركه فهو أخي.
          قال جعفر بن زيد(4) العبديُّ: إنَّ أبا الدَّرداء لمَّا نزل به الموت بكى، فقالت له أمُّ الدَّرداء: وأنت تبكي يا صاحب رسول الله! قال: نعم، ومالي لا أبكي، ولا أدري علامَ أهجم من ذنوبي؟
          قال شُمَيْطُ بنُ عَجْلان: لمَّا نزل بأبي الدَّرداء الموت جزع جزعاً شديداً، فقالت له أمُّ الدَّرداء: ألم تك تخبر أنَّك تحبُّ الموت؟ قال: بلى، وعزَّة ربِّي، لكنَّ نفسي لمَّا استيقنت الموت كرهته. ثمَّ بكى، وقال: هذه آخر ساعتي من الدُّنيا، لقِّنوني لا إله إلا الله. فلم يزل [يردِّدها] حتَّى مات، ودعا ابنه بلالاً، فقال: ويحك يا بلال! اعمل لساعتي هذه، اعمل لمثل مصرع(5) أبيك، واذكر به مصرعك وساعتك.
          قال أبو مُسْهِر: لا أعلم أحداً نزل دمشق من أصحاب رسول الله(6) صلعم غير أبي الدَّرداء، وبلال مؤذِّن رسول الله صلعم، وواثلة بن الأسقع، ومعاوية. [قال:] ولو نزلها أحد سواهم لما خفي علينا. [أقول: مراد أبي مسهر من مات بدمشق، وإلَّا فقد دخلها عدد لا(7) يحصون، تجَّاراً وغزاةً] .
          وكان أبو الدَّرداء أَقْنَى، أَشْهَلَ، يخضب بالصُّفرة، عليه قلنسوة وعمامة، قد طرحها بين كتفيه.
          قال ابن الأثير(8) : أمُّه مُحِبَّةُ بنتُ واقدِ بنِ عَمْرو(9) ، وكان أبو الدَّرداء آخر أهل داره إسلاماً، وحسن إسلامه.
          قال صلعم «عُويمر حكيم أمَّتي». قال أبو الدَّرداء: [إنِّي لأدعوا لسبعين من أصحابي وإخواني(10) في سجودي، أسمِّيهم بأسمائهم. وقال:] قال رسول الله صلعم: «أيعجز أحدكم أن يقرأ كلَّ ليلة ثلث القرآن». قالوا: نحن أعجز من ذلك وأضعف. قال: «فإنَّ الله تعالى جزَّأ القرآن ثلاثة أجزاء، فجعل قل هو الله أحد جزءاً من أجزاء القرآن».
          قال عوف بن مالك: رأيت في المنام قُبَّةً من أَدَمٍ في مرج أخضر، وحول القبَّة غنم ربوض، تجترُّ(11) وتبعر العجوة، فقلت: لمن هذه القبَّة؟ قيل: هذه لعبد الرَّحمن بن عوف. فانتظرناه حتَّى خرج، فقلت: يا ابن عوف، من أين هذا؟ قال: هذا الذي أعطى الله بالقرآن، ولو أشرفت / على هذه الثَّنيَّة لرأيت بها ما لم تر عينك(12) ، ولم تسمع أذنك، ولم يخطر على قلبك مثله، أعدَّ الله تعالى لأبي الدَّرداء أنَّه كان يدفع الدُّنيا بالرَّاحتين والصَّدر.
          ولي أبو الدَّرداء قضاء دمشق في خلافة عثمان.
          روى عن رسول الله صلعم مئة وتسعة وتسعين حديثاً. قال ابن حجر(13) : للبخاريِّ منها أربعة أحاديث.
          روى عنه: أبو إدريس، وعلقمة بن قيس، وأمُّ الدَّرداء.
          نقل عنه البخاريُّ بالواسطة، في الصَّلاة [خ¦650] ، وتفسير الأعراف [خ¦4640] .
          مات بالشَّام في أواخر خلافة عثمان بعد الثَّلاثين، سنة إحدى، أو اثنتين(14) ، أو ثلاث، وقيل: توفِّي بعد عثمان، وعاش بعد صِفِّين، ومات سنة ثمان، أو تسع وثلاثين. قال ابن الأثير(15) : والأوَّل أصحُّ وأشهر، ولو بقي لكان له ذكر، إمَّا في الاعتزال أو القتال، ولم يسمع له بذكر في ذلك البتَّة.


[1] الهداية والإرشاد:2/592.
[2] أسد الغابة:4/306.
[3] في غير (ن): (هداكم) وفي هامش (ف): (نسخة ما عافاكم)، وكذا في أسد الغابة.
[4] في (ن) تصحيفاً: (يزيد).
[5] في (ن) تصحيفاً: (مصرعك).
[6] في غير (ن): (النبي).
[7] في (ن) تصحيفاً: (عدولا) والتصويب يقتضيه السياق.
[8] كذا في الأصول، ولعله (قاله ابن الأثير) إشارة إلى الكلام السابق وهو في أسد الغابة، ولم أجد النقل الثاني في أسد الغابة ولا الكامل في التاريخ، ونسبه المزي في تهذيب الكمال إلى خليفة بن خياط:23/470.
[9] في (ن) تصحيفاً: (نمر).
[10] في (ن) تصحيفاً: (بسبعين) (وأخوات).
[11] في (ن) تصحيفاً: (بحر).
[12] في غير (ن): (عيناك).
[13] مقدمة الفتح: ص475.
[14] في (ن) تصحيفاً: (واثنين).
[15] أسد الغابة:4/307، وفيه: وأختهم الصعبة بنت الحضرمي، وهو الصواب، وما عندنا تصحيف، وفيه أيضاً: عمار، صحف إلى عماد، وضمار، صحف إلى ضمان، والمثبت من الأسد، وجاء في حاشية (ف) ما نصه: قال ابن قتيبة في معارفه: لما طلق أبو سفيان الصعبة بنت الحضرمي، ثم تتبعتها نفسه، فقال:
~إني وصعبة فيما يرى بعيدان والودُّ ودٌّ قريب
~فإلا يكن نسب ثاقب فعند الفتاة جمال وطيب
~فَيَالَ قصيٍّ ألا فاعجبوا لِلوَبْر صار الغزال الربيب
كاتبه ☼، قوله: الوبر: دويبة، يقال: إنها تشبه السنور.