غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

عدي بن حاتم

          896 # عَدِيُّ بنُ حاتِم بن عبد الله بن سعد، أبو طَريف _بالمهملة آخره فاء، وقيل: أبو وَهْب الطَّائيٌّ_ الصَّحابيُّ، الكوفيُّ.
          وكان ممَّن ثبت في الرِّدَّة، وحضر فتوح العراق، وحروب عليٍّ. وفد على رسول الله صلعم سنة تسع، / وقيل: سنة عشر. [في شعبان] .
          وروى عنه ستَّة(1) وستِّين حديثاً، ذكر البخاريُّ منها ثلاثة، وأبوه حاتم، بالمهملة، وكسر المثنَّاة الفوقيَّة، أحد من يضرب به المثل في الكرم، ويقال لعَدِيٍّ: الكريم ابن الكريم. وكان رسول الله صلعم يكرمه إذا دخل عليه، وقال عديٌّ: ما دخل عليَّ صلاة إلَّا وأنا مشتاق إليها. وكان يفتُّ الخبز للنَّمل، ويقول: إنَّهن جارات لنا، ولهنَّ حقٌّ علينا.
          روى عنه: عمرو بن حُريث، وخيثمة، وهمَّام، والشَّعبيُّ، وعبد الله بن مَعْقِل(2) ، ومُحِلُّ بن خليفة.
          نقل عنه البخاريُّ بالواسطة في مواضع، أوَّلها: في باب الماء الذي يغسل به شعر(3) الإنسان، من كتاب الوضوء [خ¦175] .
          وكان نصرانيًّا فأسلم، وقال أبو عُبيدة بن حُذيفة: كنت أسأل عن حديث عديِّ بن حاتم وهو إلى جنبي، فقلت: ألا آتيه فأسأله؟ فأتيته فسألته، فقال: لمَّا بعث رسول الله صلعم كرهته أشدَّ ما كرهت شيئاً، فانطلقت حتَّى إذا كنت في أقصى الأرض ممَّا يلي الرُّوم، فكرهت مكاني ذلك مثل ما كرهته أو أشدَّ، فقلت: لو أتيت هذا الرَّجل، فإن كان كاذباً لم يَخْفَ عليَّ، وإن كان صادقاً تبعته. فأقبلت، فلمَّا قدمت المدينة استشرفني النَّاس، وقالوا: عديُّ بن حاتم، عديُّ بن حاتم. فأتيته، فقال: «يا عديَّ بن حاتم، أسلم تسلم». فقلت: إنَّ لي ديناً. فقال: «أنا أعلم بدينك [منك] ». فقلت: إنَّك أعلم بديني منِّي؟! فقال: «نعم» مرَّتين أو ثلاثاً، قال: «ألست ترأس قومك»؟ قلت: بلى. قال:«ألست رَكُوسِيَّاً، ألست تأكل المِرْباع»؟ قلت: بلى. قال: «فإنَّ ذلك لا يحلُّ في دينك». قال: فنضنضت(4) لذلك، ثمَّ قال: «يا عديُّ، أسلم تسلم». قال: قد أظنُّ، فقال صلعم: «إنَّه ما يمنعك أن تسلم إلَّا غضاضة تراها ممَّن حولي، وإنَّك ترى النَّاس علينا إلْباً (واحداً)». قال: «هل أتيت الحيرة؟» قلت: لم آتها، وقد علمت مكانها. قال: «يوشك الظَّعينة ترتحل من الحيرة، بغير جوار، حتَّى تطوف بالبيت، ولتفتحنَّ علينا كنوز كسرى بن هرمز». قلت: كنوز كسرى بن هرمز؟! مرَّتين أو ثلاثاً «وليفيض المال حتَّى يُهِمَّ الرَّجل من يقبل صدقته». قال: قد رأيت اثنتين: الظَّعينة ترتحل بغير جِوار، حتَّى تطوف بالبيت، وقد كنت في أوَّل خيل أغار(5) على كنوز كسرى بن هرمز، وأحلف بالله _لتجيئنَّ الثَّالثة_ إنَّه قاله صلعم. وقيل لمَّا بعث النَّبيُّ صلعم سريَّة إلى طيٍّ، أخذ عديٌّ أهله وانتقل (إلى) الجزيرة، وقيل: إلى الشَّام. وترك أخته سَفَّانة بنت حاتم، فأخذها المسلمون، فأسلمت، وعادت إليه فأخبرته، ودعته إلى رسول الله صلعم، فحضر (معها) إليه، وأسلم على يده، وحسن إسلامه، وكانت سفَّانة امرأة نبيلة، وكان حاتم يكنَّى بأبي سفَّانة، قال محمَّد بن إسحاق: أصابت (خيل رسول الله صلعم ) [بنت حاتم] سفَّانة، فقدم بها عليه في سبايا طيٍّ، فجعلت ابنة حاتم في حضيرة(6) بباب المسجد، فمرَّ بها رسول الله صلعم، فقامت إليه، وكانت امرأة جزلة، فقالت: يا رسول الله، هلك الوالد، وغاب الوافد، فامنن عليَّ، مَنَّ الله عليك. فقال: «من وافدك»؟ قالت: عديُّ بن حاتم. قال: «الفارُّ من الله ورسوله؟» ثمَّ مضى صلعم، / قالت: حتَّى مرَّ بي ثلاثاً(7) ، فأشار إليَّ رجل من خلفه أن قومي. فكلَّمته، فقلت: يا رسول الله، هلك الوالد، وغاب الوافد، فامنن عليَّ، مَنَّ الله عليك، قال: «قد فعلت، فلا تعجلي حتى تجدي ثقة تبلِّغك بلادك، ثمَّ آذنيني». قالت: فسألت عن الرَّجل الذي أشار إليَّ؟ فقيل: عليُّ بن أبي طالب. فقدم ركب من بلادي(8) ، فأتيته صلعم، فقلت: قدم رهط من قومي. فكساني رسول الله صلعم وحملني، وأعطاني نفقة، فخرجت حتَّى قدمت الشَّام على أخي عديٍّ، فقال لها: ما ترين في أمر هذا الرَّجل؟ قالت: أرى أن تلحق به. وكانت قد أسلمت، وحسن إسلامها.
          قال ابن الأثير(9) : لمَّا توفِّي رسول الله صلعم قدم على أبي بكر في وقت الرِّدَّة بصدقة قومه، وثبت على الإسلام، وثبت قومه معه، ولم يرتدُّوا، وكان جواداً شريفاً، معظَّماً في قومه وغيرهم، حاضر الجواب.
          قال الشَّعبيُّ: لمَّا كان زمن عمر قدم عديُّ بن حاتم على عمر، فلمَّا دخل عليه، كأنَّه رأى منه شيئاً، يعني جفاء، فقال: يا أمير المؤمنين، أما تعرفني؟ قال: بلى، والله أعرفك _أكرمك الله_ بأحسن المعرفة، أعرفك والله، أسلمت إذ كفروا، وعرفت إذ أنكروا، وأقبلت إذ أدبروا. فقال: حسبي _يا أمير المؤمنين_ حسبي.
          وشهد وقعة القادسيَّة، ومِهْران، ويوم الجسر مع أبي عبيدة(10) ، وغير ذلك، وكان مع خالد بن الوليد لمَّا سار إلى الشَّام، وشهد معه بعض الفتوح، وأرسل معه خالد الأخماس إلى أبي بكر الصِّدِّيق، وسكن الكوفة.
          قال الشَّعبيُّ: أرسل الأشعث بن قيس [إلى عدِّي بن حاتم] يستعير منه قدر حاتم، فملأها وحملها الرِّجال إليه، فأرسل إليه الأشعث: إنَّما أردناها فارغة. فأرسل إليه عديٌّ: إنَّا لا نعيرها فارغة. وكان عديٌّ منحرفاً عن عثمان، فلمَّا قتل عثمان قال عدي: لا تحبق(11) في قتله عناق. فلمَّا كان يوم الجمل كان مع عليٍّ فقئت عينه، وقتل ابنه محمَّد مع عليٍّ، وقتل ابنه الآخر مع الخوارج، فقيل: يا أبا طريف، هل احتبق(12) في قتل عثمان عناق؟ قال: إي والله، والتَّيسُ الأعظم. وشهد صفِّين (أيضاً) مع عليٍّ.
          مات بالكوفة أيَّام المختار، سنة سبع، أو ثمان، أو تسع وستِّين، وقيل: مات بقرقيسياء(13) . والأوَّل أصحُّ.
          واعلم أنَّ النَّضنضة _بنونين مفتوحتين، وبمعجمتين_ تحريك اللِّسان، والغضاضة _بالغين المعجمة، وبالضَّادين المعجمة_ الذِّلة والهوان، وروى بعضهم: الخصاصة _بالخاء المعجمة، وبالمهملتين_ يعني الفقر، [والله أعلم] .


[1] في (ن): (ست).
[2] في (ن) تصحيفاً: (مغفل).
[3] في (ن): (رأس) والمثبت موافق للصحيح.
[4] نضنض بلسانه: حركه.
[5] في غير (ن): (الخيل أغارت).
[6] في (ن) تصحيفاً: (حظيرة) والحضيرة موضع التمر.
[7] في غير (ن): (ثالثاً).
[8] في (ن) تصحيفاً: (بلي).
[9] أسد الغابة:4/9، وترجمته مع أخباره فيه.
[10] في (ن) تصحيفاً: (عبيد).
[11] في (ن) تصحيفاً: (لا يخفق).
[12] في (ن): (أخنق) وجاء في غيرها: (تخنق) و(اختنق) وكله تصحيف، والمثبت من تهذيب الكمال:19/530، وأسد الغابة:4/9، وحَبَقَ: ضرط.
[13] في غير (ن): (قرقسياء): وقرقسياء أو قرقيسياء بإثبات ياء أخرى، بفتح الكاف وسكون الراء وكسر القاف الثانية معرب كركسيا، وهي بلد على نهر الخابور، وعندها مصب الخابور في الفرات. معجم البلدان:4/373.