غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

عبيد بن عمير

          629 # عُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ _بضمِّ المهملة، وفتح الميم_ بن قتادة، أبو عاصم اللَّيثيُّ، المكيُّ. قاصُّ [أهلِ] مكَّة. ولد على عهد النَّبيِّ صلعم. قاله مسلم، وعدَّه غيره من كبار التَّابعين.
          مجمع على ثقته.
          (سمع): عائشة، وأبا موسى الأشعريَّ، وعمر بن الخطَّاب.
          روى عنه: عطاء بن أبي رباح، وأبو بكر بن عُبيد الله بن أبي مُليكة.
          نقل عنه البخاريُّ بالواسطة، في التَّهجُّد [خ¦859] وغيره(1) .
          قال عُبيد بنُ عُمير: كان يقال _إذا جاء الشِّتاء_: يا أهل القرآن، قد طال اللَّيل لصلاتكم، وقصر النَّهار لصيامكم، واعلموا إن أعياكم اللَّيل أن تكابدوه، وخفتم العدوَّ أن تجاهدوه، وبخلتم بالمال أن تنفقوه، فعليكم بسبحان الله وبحمده، والذي نفسي بيده (لهما) أحبُّ إلى الله من جبلي ذهب وفضَّة. وقال: آثِروا الحياء من الله على الحياء من النَّاس. وقال في قوله تعالى: { فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا } [الإسراء:25] والأوَّاب الذي يتذكَّر ذنوبه في الخلاء، فيستغفر لها. وقال: من صِدْقِ الإيمان أن لا يخلو الرَّجل بالمرأة الحسناء. وقال: ما المجتهد فيكم إلَّا كاللَّاعب فيمن مضى. وقال في رجل له ثلاثة أصحاب، أحدهم أخصُّ له من الآخرين، فنزلت(2) به نازلة، فلقي الأوَّل، فقال: يا فلان، إنَّه قد نزل بي كذا وكذا، وإنِّي أحبُّ أن تعينني. قال: ما أنا بالذي أفعل. فانطلق إلى الذي يليه في الخاصَّة(3) ، فقال: يا فلان، إنَّه قد نزل بي كذا وكذا، وإنِّي(4) أحبُّ أن تعينني. فقال: أنطلق معك حتَّى تصل إلى المكان الفلانيِّ، ثمَّ أرجع وأتركك. ثمَّ انطلق إلى أخصِّ الثَّلاثة، فقال: يا فلان، إنَّه نزل بي كذا وكذا، وإنِّي أحبُّ أن تعينني عليه. فقال: أنا أذهب معك حيث ذهبت، وأدخل معك حيث دخلت. قال: فالأوَّل: ماله(5) ، ولم يتبعه منه شيء. والثَّاني: أهله، ذهبوا معه إلى قبره، ثمَّ رجعوا وتركوه. والثَّالث: عمله، هو معه حيث ما ذهب، ويدخل معه حيث ما دخل.
          وقال: إنَّ الدُّنيا هيِّنة، يعطيها الله من يحبُّ ومن لا يحبُّ، ولا يعطي الإيمان إلَّا من يحُّب؛ فإذا أحبَّ الله عبداً أعطاه الإيمان.
          وقال: يؤتى بالرَّجل الطَّويل العظيم يوم القيامة، فلا يزن عند الله جناح بعوضة. ثمَّ قرأ: { فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا } [الكهف:105] وقال: العُتُلُّ هو القويُّ الشَّديد الأكول الشَّروب، يوضع في الميزان فلا يزن شعيرة، / يدفع المَلَكُ من أولئك سبعين ألفاً دفعة في النَّار.
          وقال في قصصه (عن الصِّراط): إنَّه جسر مجسور، أعلاه مدحضة ومزلَّة(6) ، فمضى الأوَّل فنجا، والآخر ناج ومصروع، والملائكة على ذنبه(7) تقول: اللهم سلِّم سلِّم. وقال: لا يزال الله في حاجة العبد ما كان العبد إليه حاجة.
          وقال: يُجعل للقبر لسان ينطق به، فيقول: يا ابن آدم، كيف نسيتني؟ أما علمت أنِّي بيت الأكلة، وبيت الدُّود، وبيت الوحشة، وبيت الوحدة.
          وقال: لو كنت آيساً من لقاء من(8) مضى من أهلي لَمُتُّ كمداً. وقال: إنَّ أهل القبور يتلقَّون الأخبار، فيقولون إذا جاءهم الميِّت: ما فعل فلان؟ فيقول: صالح. فيقولون: ما فعل فلان؟ فيقول: أولم يأتكم؟ فيقولون: إنَّا لله، وإنَّا إليه راجعون، سُلك به غير ما سلكنا، [ذُهِب به] إلى أمَّه(9) الهاوية.
          وقال: يجيء المهاجرون تقطر سيوفهم ورماحهم دماً، فيقال لهم: انتظروا تحاسبوا. فيقولون: هل آتيتمونا من دنيا فتحاسبونا بها؟ قال: فيُنظر فلا يوجد لهم إلَّا كُورهم التي هاجروا عليها، يعني الكارة التي يحملون فيها أزوادهم، فيقول الله تعالى: أنا أحقُّ من أوفى بعهده، ادخلوا الجنة بسلام. قال: فيدخلون قبل الناس بخمسمئة عام.
          وقال: تسبيحة في صحيفة مؤمن يوم القيامة خير له من أن تسير معه جبال الدُّنيا ذهباً. وقال: لا تزال الملائكة تصلِّي على العبد ما دام أثر السجود في وجهه، وليس الإيمان بالتَّمنِّي، ولكنَّ الإيمان قول وعمل.
          وقال: كان عيسى يلبس الشَّعَرَ، ويأكل الشَّجر، ويبيت حيث أمسى، لم يكن له ولد يموت، ولا بيت يخرب، ولا يرفع عَشاء للغَداء، ولا غداء للعَشاء(10) ، ويقول: مع كلِّ يوم رزقه.
          وقال: الدُّنيا أمد، والآخرة أبد، وإنَّ أدنى أهل النَّار عذاباً الذي نعلاه من نار، تخرج أحشاء جنبيه، وأضراسه جمر، ودماغه يغلي، وإنَّ أدنى أهل الجنَّة منزلة الذي داره من لؤلؤة واحدة، وأبوابها وغرفها من لؤلؤة واحدة.
          وقال: إنَّ الله يبغض القارئ إذا كان لبَّاساً ركَّاباً ولَّاجاً خَرَّاجاً. قال: قال رسول الله صلعم: «ما ازداد رجل من السُّلطان قرباً إلَّا ازداد من الله بعداً، ولا كثرت أتباعه إلَّا كثرت شياطينه، وما كثر(11) ماله إلَّا اشتدَّ حسابه».
          قال: وكان إبراهيم يضيف النَّاس، فخرج يوماً يلتمس ضيفاً فلم يجده، فرجع فوجد في داره رجلاً، فقال: من أدخلك داري بغير إذني؟ قال: دخلتها بإذن ربِّها. قال: من أنت؟ قال: ملك الموت، أرسلني ربِّي إلى عبد من عباده أبشِّره بأنَّ الله قد اتَّخذه خليلاً. قال: من؟ فوالله لو أخبرتني به، ثمَّ كان بأقصى البلاد لأتيته، ثمَّ لا أبرح خادماً له حتَّى يفرِّق بيننا الموت. قال: ذاك(12) العبد أنت هو. قال: فبم اتَّخذني(13) خليلاً؟ قال: لأنَّك تعطي النَّاس ولا تسألهم.
          وقال: قال رسول الله صلعم: «بينما(14) رجل في فلاة إذ سمع رعداً، فسمع فيه كلاماً أن اسق حديقة فلان باسمه، فجاء السَّحاب إلى جرَّة، فأفرغ ما فيها من ماء، ثم جاء إلى شراج، فاستوعب (الماء)، ومشى الرَّجل مع السَّحاب، حتَّى انتهى إلى رجل قائم في حديقته، فسقاها، فقال: يا عبد الله، (ما اسمك؟) قال: فلان، قال: ولم؟ قال: إنِّي سمعت السَّحاب يقول: اسق حديقة فلان باسمك، فما تصنع؟ قال: إنِّي إذا قطعتها جعلتها ثلاثة أثلاث، ثلثاً لي، وثلثاً أردُّ فيها، وثلثاً للمساكين، والسَّائلين، وابن السَّبيل» .
          مات عُبيد قبل ابن عمر ☺، ومات ابن عمر سنة ثلاث وسبعين، كما سيجيء إن شاء الله تعالى، وقيل: كنيته أبو عبد الله. وهو من أفاضل أهل مكَّة. تولَّى القضاء لعبد الله بن الزُّبير، ومات سنة ثمان وستِّين، يقارب موت ابن عبَّاس. قال ابن(15) الأثير: هو جُنْدَعِيٌّ. قال: وذكر البخاري أنَّه رأى النَّبيَّ صلعم، وذكر أيضاً كلام مسلم المذكور.


[1] وجاء في الأصول (قاضي) بدل (قاصّ) وهو تصحيف، وما بين حاصرتين مستدرك من أسد الغابة، وفتح الباري.
[2] في (ن) تصحيفاً: (فمنزلته).
[3] في (ن) تصحيفاً: (الحاجة).
[4] في (ن) تصحيفاً: (وإن).
[5] في غير (ن): (ما خلفه).
[6] في (ن) تصحيفاً: (ومنزلة).
[7] أخبار عبيد بن عمير، في حلية الأولياء:2/516- 521، وفيه: والملائكة على متنه. وسماه مرة عبيد الله بن عمير فقال: لقي عبد الله بن الزبير عبيد الله بن عمير، فقال: ما شأنك مصغَّراً يا أبا عاصم؟.
[8] في غير (ن): (ما).
[9] في (ن) تصحيفاً: (أم).
[10] في غير (ن): (لا يرفع غداء لعشاء ولا عشاء لغداء).
[11] في غير (ن): (ولا كثر).
[12] في غير (ن): (ذلك).
[13] في غير (ن): (فلم اتخذ).
[14] في غير (ن): (بينا).
[15] أسد الغابة:3/564.