-
مقدمة المصنف
-
باب الألف
-
باب الباء
-
باب التاء
-
باب الثاء
-
باب الجيم
-
باب الحاء
-
باب الخاء
-
باب الدال
-
باب الذال
-
باب الراء
-
باب الزاي
-
باب السين
-
باب الشين
-
باب الصاد
-
باب الضاد
-
باب الطاء
-
باب الظاء
-
باب العين
-
عابس بن ربيعة النخعي الكوفي
-
عارم بن الفضل
-
عاصمٌ بن أبي النجود
-
عاصم بن سليمان الأحول
-
عاصم بن عمر بن الخطاب
-
عاصم بن عمر
-
عاصم بن علي
-
عاصم بن محمد
-
عامر بن أسامة
-
عامر بن أبي موسى أبو بردة الأشعري
-
عامر بن ربيعة
-
عامر بن سعد بن أبي وقاص
-
عامر بن شراحيل
-
عامر بن عبد عمرو
-
عامر بن عبد الله بن الزبير بن العوام
-
عامر بن مصعب
-
عامر بن واثلة
-
عامر بن عبد الله
-
عامر بن عبد الله بن الجراح أبو عبيدة
-
عائذ بن عمرو
-
عائذ الله بن عبد الله أبو إدريس الخولاني
-
عباد بن راشد
-
عباد بن تميم
-
عباد بن عبد الله
-
عباد بن عباد
-
عباد بن العوام
-
عباد بن موسى الختلي
-
عباد بن يعقوب الرواجني
-
عبادة بن الصامت
-
عبادة بن الوليد
-
عبدة بن سليمان
-
عبدة بن عبد الله
-
عبدة بن أبي لبابة
-
عبيدة بن حميد الكوفي
-
عبيدة بن عمرو السلماني
-
عبيدة بن معتب الضبي
-
عبيد بن إسماعيل الكوفي
-
عبيد بن جريج التيمي
-
عبيد بن حنين
-
عبيد بن السباق
-
عبيد بن عمير
-
عبيد بن أبي مريم
-
عباس بن الحسين
-
عباس بن سهل
-
عباس بن عبد المطلب
-
عباس بن فروخ
-
عباس بن الوليد
-
عبدان عثمان بن جبلة
-
عباية بن رفاعة
-
عبثر بن القاسم
-
عبد الله بن إدريس
-
عبد الله بن أبي أوفى
-
عبد الله بن براد
-
عبد الله بن بريدة
-
عبد الله بن بسر
-
عبد الله بن بكر
-
عبد الله بن أبي بكر
-
عبد الله بن ثعلبة
-
عبد الله بن جعفر بن أبي طالب
-
عبد الله بن جعفر
-
عبد الله بن جحش
-
عبد الله بن الحارث بن نوفل
-
عبد الله بن الحارث أبو الوليد البصري
-
عبد الله بن حبيب
-
عبد الله بن حذافة
-
عبد الله بن الحسين
-
عبد الله بن حفص
-
عبد الله بن حنين
-
عبد الله بن حماد
-
عبد الله بن الحارث
-
عبد الله بن خباب
-
عبد الله بن داود
-
عبد الله بن دينار
-
عبد الله بن ذكوان
-
عبد الله بن رجاء
-
عبد الله بن رواحة
-
عبد الله بن الزبير بن العوام
-
عبد الله بن الزبير
-
عبد الله بن زمعة
-
عبد الله بن زياد
-
عبد الله بن زيد بن عاصِم
-
عبد الله بن زيد بن عمرو
-
عبد الله بن سالم
-
عبد الله بن سخبرة
-
عبد الله بن سعيد بن جبير بن هشام
-
عبد الله بن سعيد بن أبي هند
-
عبد الله بن سعيد بن يحمد
-
عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان
-
عبد الله بن سعيد بن حصين
-
عبد الله بن سلام
-
عبد الله بن سهل
-
عبد الله بن شداد
-
عبد الله بن صالح
-
عبد الله بن الصباح
-
عبد الله بن طاووس
-
عبد الله بن عامر
-
عبد الله بن عباس
-
عبد الله بن عتبة
-
عبد الله بن عبد الله
-
عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتِيك
-
عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل
-
عبد الله بن عبيد الله
-
عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف
-
عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق
-
عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر
-
عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة
-
عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين
-
عبد الله بن عبيدة بن نشيط
-
عبد الله بن عبد الوهاب
-
عبد الله بن عثمان
-
عبد الله بن عثمان أبو بكر الصديق
-
عبد الله بن عروة
-
عبد الله بن العلاء
-
عبد الله بن عمر بن الخطاب
-
عبد الله بن عمر النميري
-
عبد الله بن عمرو
-
عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج
-
عبد الله بن عون
-
عبد الله بن عيسى
-
عبد الله بن علقمة
-
عبد الله بن الفضل
-
عبد الله بن فيروز
-
عبد الله بن قيس
-
عبد الله بن كعب
-
عبد الله بن كثير
-
عبد الله بن كيسان
-
عبد الله بن لهيعة
-
عبد الله بن أبي لبيد
-
عبد الله بن مالك
-
عبد الله بن المبارك
-
عبد الله بن المثنى
-
عبد الله بن أبي المجالد
-
عبد الله بن محمد بن الحنفية
-
عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق
-
عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل
-
عبد الله بن محمد بن أسماء
-
عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن
-
عبد الله بن محمد بن أبي الأسود
-
عبد الله بن محمد بن أبي شيبة
-
عبد الله بن محمد بن عبد الله
-
عبد الله بن محيريز
-
عبد الله بن مرة
-
عبد الله بن مسعود
-
عبد الله بن مسلم
-
عبد الله بن مسلمة
-
عبد الله بن معقل
-
عبد الله بن مغفل
-
عبد الله بن منير
-
عبد الله بن أبي نجيح
-
عبد الله بن نمير
-
عبد الله بن وديعة
-
عبد الله بن وقدان
-
عبد الله بن وهب بن مسلم
-
عبد الله بن هشام بن عثمان
-
عبد الله بن يحيى المعافري
-
عبد الله بن يحيى ابن أبي كثير اليمامي
-
عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان
-
عبد الله بن يزيد
-
عبد الله بن يزيد بن زيد الأنصاري
-
عبد الله بن يسار
-
عبد الله بن يوسف التنيسي
-
عبيد الله بن أبي رافع
-
عبيد الله بن الأخنس
-
عبيد الله بن الأسود
-
عبيد الله بن أبي بكر
-
عبيد الله بن أبي جعفر
-
عبيد الله بن أبي عبد الله
-
عبيد الله بن أبي يزيد
-
عبيد الله بن سعد
-
عبيد الله بن سعيد
-
عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب
-
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة
-
عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور
-
عبيد الله بن عبيد الرحمن
-
عبيد الله بن عبد المجيد
-
عبيد الله بن عمر بن حفص
-
عبيد الله بن عمر
-
عبيد الله بن عدي
-
عبيد الله بن عمرو
-
عبيد الله بن كعب
-
عبيد الله بن مقسم
-
عبيد الله بن معاذ
-
عبيد الله بن موسى
-
عبد الأعلى بن حماد
-
عبد الأعلى بن عبد الأعلى
-
عبد الأعلى أبو مسهر ابن مسهر الغساني الدمشقي
-
عبد الحميد بن أبي أويس
-
عبد الحميد بن جبير
-
عبد الحميد بن دينار الزيادي
-
عبد الحميد بن عبد الرحمن
-
عبد الحميد بن عبد الرحمن بن بشمين
-
عبد ربه بن سعيد
-
عبد ربه بن نافع
-
عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق
-
عبد الرحمن بن أبزى
-
عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث
-
عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد
-
عبد الرحمن بن إبراهيم
-
عبد الرحمن بن أبي بكرة
-
عبد الرحمن بن أبي عمرة
-
عبد الرحمن بن أبي الموالي
-
عبد الرحمن بن أبي ليلى
-
عبد الرحمن بن أبي نعم
-
عبد الرحمن بن بشر بن الحكم
-
عبد الرحمن بن جابر
-
عبد الرحمن بن حماد
-
عبد الرحمن بن حميد
-
عبد الرحمن بن خالد
-
عبد الرحمن بن جبر
-
عبد الرحمن بن أبي الزناد
-
عبد الرحمن بن سعد
-
عبد الرحمن بن سمرة
-
عبد الرحمن بن سليمان
-
عبد الرحمن بن سعد بن المنذر
-
عبد الرحمن بن شريح
-
عبد الرحمن بن عابس
-
عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود
-
عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة
-
عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب
-
عبد الرحمن بن عبد الله بن الأصبهاني
-
عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار
-
عبد الرحمن بن عبد الله جردقة
-
عبد الرحمن بن عبد الملك
-
عبد الرحمن بن عبد
-
عبد الرحمن بن عبيد
-
عبد الرحمن بن عمرو
-
عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد
-
عبد الرحمن بن عابس مكرر
-
عبد الرحمن بن عوف
-
عبد الرحمن بن عسيلة
-
عبد الرحمن بن غزوان
-
عبد الرحمن بن غنم
-
عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق
-
عبد الرحمن بن القاسم بن خالد العتقي
-
عبد الرحمن بن كعب بن مالك
-
عبد الرحمن بن لهيعة
-
عبد الرحمن بن مالك
-
عبد الرحمن بن المبارك
-
عبد الرحمن بن محمد بن زياد المحاربي
-
عبد الرحمن بن مطيع
-
عبد الرحمن بن مطعم
-
عبد الرحمن بن المغيرة
-
عبد الرحمن بن مل أبو عثمان النهدي
-
عبد الرحمن بن غنم بن كريب
-
عبد الرحمن بن مهدي
-
عبد الرحمن بن نمر
-
عبد الرحمن بن هرمز
-
عبد الرحمن بن يزيد بن جارية
-
عبد الرحمن بن يزيد
-
عبد الرحمن بن يزيد بن قيس
-
عبد الرحمن بن يونس
-
عبد الرحيم بن سليمان
-
عبد الرحيم بن عبد الرحمن
-
عبد الرزاق بن همام
-
عبد السلام بن حرب
-
عبد السلام بن مطهر
-
عبد شمس أبو هريرة
-
عبد الصمد بن عبد الوارث
-
عبد العزيز بن أبي حازم
-
عبد العزيز بن رفيع
-
عبد العزيز بن سياه
-
عبد العزيز بن صهيب
-
عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة
-
عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى
-
عبد العزيز بن عبد الصمد
-
عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز
-
عبد العزيز بن عثمان بن جبلة
-
عبد العزيز بن مسلم
-
عبد العزيز بن محمد بن أبي عبيد
-
عبد العزيز بن المختار
-
عبد العزيز بن المطلب
-
عبد الغفار بن داود
-
عبد القدوس بن الحجاج
-
عبد القدوس بن محمد
-
عبد الكبير بن عبد المجيد
-
عبد الكريم بن مالك
-
عبد الكريم بن أبي المخارق
-
عبد المتعالي بن طالب
-
عبد المجيد بن سهيل
-
عبد الملك بن أبي بكر
-
عبد الملك بن أعين
-
عبد الملك بن إبراهيم
-
عبد الملك بن حبيب
-
عبد الملك بن حميد
-
عبد الملك بن الصباح
-
عبد الملك بن عمرو
-
عبد الملك بن عمير
-
عبد الملك بن عبد العزيز
-
عبد الملك بن ميسرة
-
عبد الواحد بن أيمن
-
عبد الواحد بن زياد
-
عبد الواحد بن عبد الله
-
عبد الواحد بن واصل
-
عبد الوارث بن سعيد
-
عبد الوهاب بن عبد المجيد
-
عتاب بن بشير
-
عتبان بن مالك
-
عتبة بن عبد الله
-
عتبة بن مسلم
-
عثمان بن صالح
-
عثمان بن عمر
-
عثمان بن غياث
-
عثمان بن فرقد
-
عثمان بن محمد بن أبي شيبة
-
عثمان بن الهيثم
-
عثمان بن أبي رواد
-
عثمان بن أبي زرعة
-
عثمان بن الأسود
-
عثمان بن جبلة
-
عثمان بن عاصم
-
عثمان بن عبد الله بن سراقة
-
عثمان بن عبد الله
-
عثمان بن عبد الرحمن
-
عثمان بن عفان
-
عثمان بن عروة بن الزبير
-
عدي بن ثابت
-
عدي بن حاتم
-
عراك بن مالك الغفاري
-
عروة بن الجعد
-
عروة بن الحارث أبو فروة الأكبر
-
عروة بن الزبير
-
عروة بن المغيرة
-
عزرة بن ثابت
-
عصام بن خالد
-
عطاء بن أبي رباح
-
عطاء بن أبي ميمونة
-
عطاء بن السائب
-
عطاء
-
عطاء بن صهيب
-
عطاء بن مينا
-
عطاء بن يزيد
-
عطاء بن أبي مسلم
-
عطاء بن يسار
-
عفان بن مسلم
-
عطية بن قيس الشامي
-
عقبة بن الحارث
-
عقبة بن خالد
-
عقبة بن صهبان
-
عقبة بن عامر بن عبس
-
عقبة بن عبد الغافر
-
عقبة بن عمرو
-
عقبة بن وساج
-
عقيل بن أبي طالب
-
عقيل بن خالد
-
عكرمة بن عبد الله
-
عكرمة بن خالد
-
عكرمة بن عبد الرحمن
-
علقمة بن بلال الشهير بعلقمة ابن أبي علقمة
-
علقمة بن قيس
-
علقمة بن مرثد
-
علقمة بن وقاص
-
علي بن أبي طالب
-
علي بن إبراهيم
-
علي بن الأقمر
-
علي بن الجعد
-
علي بن الحسن
-
علي بن الحسين
-
علي بن حجر
-
علي بن حفص
-
علي بن الحكم
-
علي بن الحكم بن ظبيان
-
علي بن دواد
-
علي بن ربيعة
-
علي بن سويد
-
علي بن الطمراخ
-
علي بن عبد الله بن جعفر
-
علي بن عبد الله بن إبراهيم
-
علي بن عبد الحميد
-
علي بن عياش
-
علي بن المبارك
-
علي بن مدرك
-
علي بن مسهر
-
علي بن مسلم
-
علي غير منسوب
-
علي بن نصر
-
علي بن يحيى
-
عمار بن ياسر
-
عمارة بن عمير
-
عمارة بن القعقاع
-
عمارة بن نابت
-
عمر بن حفص
-
عمر بن الحكم
-
عمر بن الخطاب
-
عمر بن عبد العزيز
-
عمر بن أبي زائدة
-
عمر بن ذر
-
عمر بن أبي سلمة
-
عمر بن عبد الله بن الأرقم
-
عمر بن عبد الله بن عروة
-
عمر بن عبيد
-
عمر بن علي
-
عمر بن العلاء بن عمار
-
عمر بن كثير بن أفلح
-
عمر بن محمد بن جبير
-
عمر بن محمد بن زيد
-
عمر بن محمد بن الحسن
-
عمر بن نافع
-
عمر بن يونس
-
عمرو بن عمرو الأسود
-
عمرو بن أمية
-
عمرو بن أوس
-
عمرو بن تغلب
-
عمر وبن الحارث بن المصطلق
-
عمرو بن الحارث بن يعقوب
-
عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان
-
عمرو بن خالد
-
عمرو بن خويلد
-
عمرو بن سلمة
-
عمرو بن سليم
-
عمرو بن شرحبيل
-
عمرو بن الشريد
-
عمرو بن دينار
-
عمرو بن الربيع
-
عمرو بن ربعي
-
عمرو بن زرارة
-
عمرو بن العاصي
-
عمرو أبو مالك أو أبو عامر الأشعري
-
عمرو بن عاصم
-
عمرو بن عامر
-
عمرو بن عباس
-
عمرو بن عبد الله
-
عمرو بن عبد الله بن قيس
-
عمرو بن عثمان
-
عمرو بن علي
-
عمرو بن عوف
-
عمرو بن عون
-
عمرو بن عيسى
-
عمرو بن أبي عمرو
-
عمرو بن محمد بن بكير
-
عمرو بن ميمون أبو عبد الله الأودي
-
عمرو بن ميمون بن مهران
-
عمرو بن أبي سفيان
-
عمرو بن أبي سلمة
-
عمرو بن مرة
-
عمرو بن مرزوق
-
عمرو بن يحيى بن عمارة
-
عمرو بن يحيى بن سعيد
-
عمران بن حصين
-
عمران بن حطان
-
عمران بن مسلم
-
عمران بن ملحان
-
عمران بن ميسرة
-
عمران بن داور
-
عمير بن الأسود
-
عمير بن عبد الله
-
عمير بن سعيد
-
عمير بن هانئ
-
عنبسة بن خالد
-
عنبسة بن سعيد بن العاص
-
العوام بن حوشب
-
عوف بن أبي جميلة
-
عوف بن الحارث بن الطفيل
-
عوف بن الحارث الصحابي
-
عوف بن مالك بن أبي عوف
-
عون بن أبي جحيفة
-
عويمر بن زيد بن قيس
-
العلاء بن الحضرمي
-
العلاء بن المسيب
-
عياش بن الوليد
-
عياض بن عبد الله
-
عيسى بن حفص
-
عيسى بن طلحة
-
عيسى بن أبي عيسى
-
عيسى بن طهمان
-
عيسى بن يونس
-
عابس بن ربيعة النخعي الكوفي
-
باب الغين
-
باب الفاء
-
باب القاف
-
باب الكاف
-
باب اللام
-
باب الميم
-
باب النون
-
باب الهاء
-
باب الواو
-
باب اللام ألف
-
باب الياء
-
أسماء النساء
-
الأنساب والكنى
-
باب في بيان أسماء من تفرد به مسلم في صحيحه
-
باب في بيان الكنى التي تفرد بذكرها مسلم
-
من كنى النساء
931 # عليُّ بن أبي طالب، ╩، اسم أبي طالب(1) عبد مناف، صحابيٌّ، قرشيٌّ، هاشميٌّ، ابن عمِّ رسول الله صلعم، وزوج ابنته فاطمة (الزَّهراء)، وأبو ذرِّيَّته، فإنَّه انقرض ذرِّيَّة سيِّد الخلق إلَّا من فاطمة.
قيل: إنَّه أوَّل من أسلم، وهو من السَّابقين الأوَّلين، أحد العشرة المبشَّرة، وأحد الثَّمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد السِّتَّة، صاحب الشُّورى، وأفضل الأحياء على وجه الأرض يوم مات، بإجماع أهل السُّنَّة، أبو الحسن، الكوفيُّ، وأمُّه فاطمة بنت أسد بن هاشم، شهد بدراً، وجميع المشاهد غير تبوك.
روى عن النَّبيِّ صلعم خمس مئة وستَّةً وثمانين حديثاً، للبخاريِّ منها تسعة وعشرين حديثاً.
روى عنه: أبو جُحيفة، وابناه الحسين، ومحمَّد المشهور بابن الحنفيَّة، ومروان بن الحكم، وعبد الرَّحمن بن أبي ليلى، ورِبْعي بن حِراش، وعَبيدة السَّلْمانيُّ.
نقل عنه البخاريُّ في مواضع، أوَّلها: في باب إثم / من كذب على النَّبيِّ صلعم من كتاب العلم [خ¦106] .
تولَّى الخلافة بعد عثمان، [يوم الجمعة،] لثمان(2) عشرة خلت من ذي الحجَّة، سنة خمس وثلاثين، ومدَّتها أربع سنين وتسعة أشهر، ومات صلعم وهو ابن سبع وعشرين سنة، وهذا (قول)، على قول من يقول: إنَّه عاش سبعاً(3) وخمسين سنة، وسيأتي [أنَّ] المرجَّح أنَّه عاش ثلاثاً وستِّين سنة، فيكون مراهقاً عند البعثة إن لم يكن بالغاً، على اختلاف في ذلك، وعلى الأوَّل لا يكون مميِّزاً، ولم يقل أحد بذلك، نعم، منهم من قال: إنه كان مميِّزاً لقوله _من البحر الوافر_:
سبقتهمُ إلى الإسلام طُرًّا صغيراً ما بلغتُ أوانَ حُلمي
ولهذا ذهب الأئمَّة الثَّلاثة، وجمعٌ من علمائنا (إلى) أنَّ إسلام المميِّز صحيح؛ اقتداء بعليٍّ، فإنَّه صلعم دعاه إلى الإسلام قبل البلوغ فأجابه، وأجاب جمهور علمائنا أنَّ هذا الشِّعر لم يصحَّ عنه، وأنَّ عليّاً كان ابن خمس عشرة، وأجاب البيهقيُّ(4) أنَّ الأحكام كانت متعلِّقة منوطة بالتَّمييز قبل الهجرة، وإنَّما تعلَّقت بالبلوغ عام الخندق، بعد الهجرة.
وهو أخو رسول الله صلعم، وأبو السِّبطين، وأوَّل هاشميٍّ ولد بين هاشميَّين(5) ، وأوَّل خليفة من بني هاشم، وأصغر أولاد أبي طالب، وخلَّفه رسول الله صلعم على أهله بالمدينة، فلم يخرج إلى تبوك، واستثقله المنافقون، فقالوا: ما أخذه(6) معه النَّبيُّ لأمر عظيم. فالتحق به، وأخبره بذلك، فردَّه إلى(7) المدينة، وقال: «أما ترضى أن تكون منِّي بمنزلة هارون من موسى إلَّا أنَّه لا نبيَّ بعدي».(8) وله في جميع مشاهده بلاء عظيم، وأثر حسن، وأعطاه صلعم اللِّواء في مواطن كثيرة، منها يوم بدر، وفيه خلاف، ولمَّا قتل مصعب بن عمير يوم أحد _وكان اللِّواء بيده_ دفعه صلعم إلى عليٍّ، وآخاه مرَّتين؛ فأنَّه(9) صلعم آخى بين المهاجرين مرَّة، ثمَّ آخى بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة، وقال لعليٍّ فيهما: «أنت أخي في الدُّنيا والآخرة»(10) .
ذكر إسلام عليٍّ ☺ (وكرَّم وجهه)، قال ابن الأثير(11) ☼: جاء عليٌّ بعد إسلام خديجة، فوجدهما يصلِّيان، فقال عليٌّ: يا محمد! ما هذا؟ فقال: «دين الله الذي اصطفى لنفسه، وبعث به رسله(12) ، فأدعوك إلى الله، وإلى عبادته، وكفرٍ باللَّات والعَّزى». فقال عليٌّ: هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم، فلست بقاض أمراً حتَّى أحدِّث أبا طالب. فكره [رسول الله] صلعم أن يفشي عليه سرَّه قبل أن يستعلن أمره، فقال له: «يا عليُّ، إن لم تسلم فاكتم». فمكث عليٌّ تلك اللَّيلة، ثمَّ إنَّ الله تعالى أوقع في قلبه الإسلام، فأصبح حتَّى أتاه صلعم، فقال: ماذا عرضت عليَّ يا محمَّد؟ فقال: «أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، وتكفر باللَّات والعزَّى، وتبرأ من الأنداد». ففعل عليٌّ، فأسلم، ومكث عليٌّ يأتيه على خوف من أبي طالب، وكتم عليٌّ إسلامه، وكان / ممَّا أنعم الله على عليٍّ أنَّه كان في حجر النَّبيِّ صلعم قبل الإسلام، وأسلم عليٌّ وهو ابن خمس عشرة سنة، وقيل: إنَّه ابن عشر سنين.
عن أنس بن مالك أنَّه بعث صلعم يوم الاثنين، وأسلم عليٌّ يوم الثُّلاثاء. قال عليٌّ: أنا أوَّل من صلَّى معه صلعم.
قال سلمان الفارسيُّ: أوَّل هذه الأمَّة وروداً على نبيِّها، أوَّلها إسلاماً، عليُّ بن أبي طالب. وعن أبي أيُّوب الأنصاريِّ قال: قال رسول الله صلعم: «لقد صلَّت الملائكة عليَّ وعلى عليٍّ سبع سنين، وذلك أنَّه لم يصلِّ معي رجل غيره» قاله ابن الأثير(13) في أسد الغابة، وقال: قال عليٌّ: لم أعلم أحداً من هذه الأمَّة عَبَد الله قبلي، لقد عبدته قبل أن يعبده أحد منهم خمس سنين، أو سبع سنين. وسئل محمَّد بن كعب القُرظيُّ عن أوَّل من أسلم، عليٌّ أو أبو بكر؟ قال: سبحان الله! عليٌّ أوَّلهما إسلاماً، وإنَّما اشتبه على النَّاس؛ لأنَّه أخفى إسلامه عن أبي طالب، وأبو بكر أظهر إسلامه(14) . وقد مرَّ في ترجمة أبي بكر غير هذا فراجعه.
وهاجرت أمُّ عليٍّ إلى المدينة، وتوفِّيت بها في حياته صلعم، وصلَّى عليها، ونزل قبرها، وكنَّى صلعم عليًّا أبا تراب، وسببه أنَّه رآه نائماً في المسجد على التُّراب، فنبَّهه، وقال: «قم (يا) أبا تراب». هو أحد العلماء الرَّبَّانيِّين، والشُّجعان المشهورين، والزُّهَّاد المذكورين، استخلفه النَّبيُّ صلعم حين هاجر من مكَّة أن يقيم بها أيَّاماً حتَّى يؤدِّي عنه أمانته، ثمَّ يلحقه بأهله، وأصابته يوم أحد ستُّ عشرة ضربة(15) ، وقال ابن الأثير(16) : كلُّ ضربة تلزمه الأرض، فما كان يرفعه إلَّا جبريل، ◙. وأعطاه الرَّاية يوم خيبر، وأخبر أنَّ الفتح يكون على يده، وأخباره في الشَّجاعة مشهورة.
وأمَّا علمه، فكان من العلوم بالمحلِّ الأعلى، وسؤال كبار الصَّحابة ورجوعهم إلى فتواه، وأقواله في المسائل المعضلات أيضاً مشهورة. قال عليٌّ: بعثني رسول الله صلعم إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله! تبعثني إلى اليمن، ويسألوني عن القضاء، ولا علم لي به؟! فقال: «ادنه». فدنوت، فضرب بيده على صدري، ثمَّ قال: «اللهم ثبِّت لسانه، واهد قلبه». فلا والذي فلق الحبَّة وبرأ النَّسمة، ما شككت في قضاء بين اثنين بعد.
عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صلعم: «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها، فمن أراد العلم فليأت بابه». قال ابن مسعود: كنَّا نتحدَّث أنَّ أقضى أهل المدينة عليُّ بن أبي طالب. وقال سعيد بن المسيِّب: ما كان أحد من النَّاس يقول: سلوني غير عليِّ بن أبي طالب.
قال عبد الملك بن أبي سلمان(17) قلت لعطاء: أكان أحد أعلم من عليٍّ؟ قال: لا والله، لا أعلمه. وقال ابن عبَّاس: لقد أُعطي عليٌّ تسعة أعشار العلم، وايم الله! لقد شاركهم في العُشر العاشر. وقال سعيد بن عمرو لعبد الله بن عيَّاش(18) بن أبي ربيعة: / يا عمُّ! لم كان صَغْو النَّاس إلى عليٍّ؟ قال: يا ابن أخي! إنَّ عليًّا كان له ما شئت(19) من ضرس قاطع في العلم، وكان له السِّطَةُ(20) في العشيرة، وكان له القدم في الإسلام، والصِّهر لرسول الله صلعم، والفقه في السُّنَّة، والنَّجدة في الحرب، والجود في الماعون(21) .
قال سعيد بن المسيِّب: كان عمر يتعوَّذ من معضلة ليس لها أبو حسن، يعني عليًّا. قال ابن عبَّاس: إذا ثبت لنا عن عليٍّ شيء، لم نعدل به إلى غيره. قال أبو الطُّفيل: قال(22) بعض أصحاب رسول الله صلعم: لقد كان لعليٍّ من السَّوابق، لو أنَّ سابقة منها بين الخلائق لوسعتهم خيراً. وله في هذا أخبار كثيرة، قال الكرمانيُّ(23) : وأمَّا زهده، فممَّا اشترك في معرفته الخاصُّ والعامُّ، وكان الحاصل من غلَّته أربعين ألف دينار، وجعل كلَّها للصَّدقة، وكان عليه إزار غليظ اشتراه بخمسة دراهم، ولم يترك حين توفِّي إلَّا ستَّ مئة درهم، أعدَّها ليشتري بها خادماً لأهله.
قال عليُّ بن أبي طالب: الدُّنيا جيفة وطلَّابها كلاب، فمن أراد منها شيئاً، فليصبر على مخالطة الكلاب.
قال عمَّار بن ياسر: سمعت رسول الله صلعم يقول لعليِّ بن أبي طالب: «يا عليُّ، إنَّ الله قد زيَّنك بزينة لم يتزيَّن العباد بزينة أحبَّ إليه منها، الزُّهد في الدُّنيا، فجعلك لا تنال من الدُّنيا شيئاً، ولا تنال الدُّنيا منك شيئاً، ووهب لك حبَّ المساكين، ورضوا بك إماماً، ورضيت بهم أتباعاً، فطوبى لمن أحبَّك، وصدق فيك، وويل لمن أبغضك، وكذب عليك؛ فأمَّا الذين أحبُّوك، وصدقوا فيك فهم جيرانك في دارك، ورفقاؤك في قصرك، وأمَّا الذين أبغضوك، وكذبوا عليك فحقٌّ على الله أن يذيقهم مواقف الكذَّابين يوم القيامة».
قال عليُّ بن أبي طالب: لقدر رأيتني، وإنِّي لأربط الحجر على بطني من الجوع، وإنَّ صدقتي لتبلغ اليوم أربعة آلاف دينار. عن شريك أنَّه قال: أربعين ألفاً، ولم يرد بذلك زكاة ماله، وإنَّما أراد الوقوف التي جعلها صدقة، كان الحاصل من دخلها هذا القدر. وإنَّ عليًّا لم يدَّخر مالاً؛ لما ذكرناه أوَّلاً.
قال سفيان: ما بنى عليٌّ لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة، وإن كان ليؤتى بحبوبه من المدينة. قال أبو بحر(24) : رأيت على عليٍّ إزاراً غليظاً اشتراه بخمسة دراهم، قال: فمن أرغبني فيه درهماً بعته. قال: ورأيت معه دراهم مصرورة، قال: هذه بقيَّة لنفقتنا من ينبع(25) يعني البلد المعروف.
قال أبو النِّيَّار: أتاني عليٌّ، ومعه غلام له، فاشترى منِّي قميصين كرابيسين(26) ، فقال لغلامه: اختر أيَّهما شئت. فأخذ أحدهما، وأخذ عليٌّ الآخر، ثمَّ مدَّ يده بعد لبسه، فقال: اقطع القدر الذي يفضل من يدي. فقطعه وكفَّه، وذهب. وقال رجل من ثقيف: استعملني عليٌّ على مدرج سابور، فقال: لا تضربنَّ رجلاً سوطاً / في جباية درهم، ولا تبيعنَّ لهم رزقاً، ولا كسوة شتاء ولا صيفاً، ولا دابَّة يعتملون عليها، ولا تقيمنَّ رجلاً قائماً في طلب درهم. فقلت: يا أمير المؤمنين! إذاً أرجع إليك كما ذهبت من عندك. قال: وإن رجعت، ويحك! إنَّما أمرنا أن نأخذ العفو منهم. يعني الفضل. وزهده وعدله لا يمكن استقصاؤه.
ذكر هجرة عليٍّ، ☺.
قال ابن إسحاق: أقام النَّبيُّ صلعم بعد أن هاجر أصحابه إلى المدينة [ينتظر مجيء جبريل ◙، وأمره أن يخرج من مكَّة بإذن الله له في الهجرة إلى المدينة،] حتَّى إذا اجتمعت قريش، فمكروا بالنَّبيِّ صلعم أتاه جبريل، وأمره(27) أن لا يبيت في مكانه الذي يبيت فيه، فدعا رسول الله صلعم عليَّ بن أبي طالب، وأمره أن يبيت على فراشه، ويتسجَّى ببرد له أخضر، ففعل، ثمَّ خرج رسول الله صلعم والقوم على بابه، وتتابع النَّاس في الهجرة، وكان آخر من قدم المدينة من النَّاس، ولم يفتن في دينه عليٌّ، وذلك أنَّه صلعم(28) أخره بمكَّة، وأجَّله ثلاثاً، وأمره أن يؤدِّي إلى كلِّ ذي حقٍّ حقَّه، (ففعل،) ثمَّ لحق به صلعم، وأخرج إليه أهله، وكان أمره أن يضطجع على فراشه، وكان قريش ينظرون إلى فراشه(29) ، فيرون عليًّا عليه، فيظنُّونه النَّبيَّ صلعم، حتَّى [إذا] أصبحوا رأوا عليًّا، فقالوا: لو خرج محمَّد لخرج بعليٍّ معه، فحبسهم الله بذلك عن طلبه صلعم حين رأوا عليًّا، ثمَّ خرج عليٌّ في طلبه بعدما أخرج إليه أهله يمشي اللَّيل، ويكمن النَّهار، حتَّى بلغ المدينة، فقال صلعم: «ادعوا لي عليًّا» قيل: يا رسول الله! [ائته،] لا يقدر أن يمشي، فأتاه صلعم، فلمَّا رآه اعتنقه وبكى؛ رحمة لما بقدميه من الورم، وكانتا(30) قد تفطَّرتا، وتقطران دماً، فتفل في يده، ومسح بها رجليه، ودعا له بالعافية، فلم يشتكهما حتَّى استشهد.
قال ثعلبة بن مالك: كان سعد بن عبادة صاحب راية رسول الله صلعم يحملها، فإذا كان وقت القتال أخذها عليُّ بن أبي طالب. قال عليُّ: لمَّا انجلى النَّاس عن رسول الله صلعم يوم أحد، نظرت(31) في القتلى، فلم أر رسول الله صلعم، فقلت: والله ما كان ليفرَّ، وما أراه في القتلى، ولكنَّ الله غضب علينا بما صنعنا، فرفع نبيه، فما فيَّ خير من أن أقاتل حتَّى أقتل، فكسرت جفن سيفي، ثمَّ حملت على القوم، فأفرجوا لي(32) ، فإذا رسول الله صلعم بينهم.
قال بريدة: لمَّا كان يوم خيبر، أخذ أبو بكر اللِّواء، فلمَّا كان من الغد أخذه عمر، وقتل محمود بن مسلمة(33) ، فقال صلعم: «لأعطينَّ(34) الرَّاية غداً رجلاً يحبُّ الله ورسوله، ويحبُّه الله ورسوله، يفتح الله على يديه». فصلَّى صلعم صلاة الصُّبح، ثمَّ دعا باللِّواء، فدعا عليًّا، وهو يشتكي عينيه، فمسحها، وبصق فيها، فبرأت من ساعته، ثمَّ دفع إليه اللِّواء، ففتح خيبر، وقَتل مَرْحباً صاحب الحصن. وقد ذكرنا فتح خيبر في ترجمة الزُّبير، فراجعها.
ذكر فضائل عليٍّ، قال ابن الأثير(35) : لمَّا اتَّشح عليٌّ ببردة [رسول الله] صلعم ليلة الهجرة، أوحى الله تعالى إلى جبريل وميكائيل / أنِّي آخيت بينكما، وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، فأيُّكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة، فأوحى الله إليهما، أفلا كنتما مثل عليٍّ؟ آخيت بينه، وبين محمَّد نبيِّي(36) صلعم فبات على فراشه يفديه بنفسه، ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض، فاحفظاه من عدوِّه. ففعلا، وكان جبريل عند رأس عليٍّ، وميكائيل عند رجليه، وجبريل ينادي بخ بخ! من مثلك يا ابن أبي طالب؟! يباهي الله ╡ بك الملائكة(37) . فأنزل الله تعالى على رسوله، وهو متوجِّه إلى المدينة في شأن عليٍّ: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ } الآية [البقرة:207] قلت: وذكر أهل التَّفسير أنَّها نزلت في الزُّبير، فتأمَّل.
قال ابن عبَّاس: نزل قوله تعالى: { الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً } [البقرة:274] في عليٍّ، كان عنده أربعة دراهم، فأنفق باللَّيل واحداً، وبالنَّهار واحداً، وفي السِّرِّ واحداً، وفي العلن واحداً.
قال سعد بن أبي وقَّاص: لمَّا نزل(38) قوله تعالى: { تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ }(39) [آل عمران:61] دعا رسول الله صلعم عليًّا وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: «اللهم هؤلاء أهلي».
قال عليُّ بن أبي طالب: لمَّا كان يوم الحديبية خرج إلينا ناس من المشركين، فيهم سهيل بن عمرو، وأناس من رؤساء المشركين، فقالوا: خرج إليك ناس من إخواننا وأقربائنا، وليس بهم فقه في الدِّين، وإنَّما خرجوا فراراً من أموالنا وضياعنا، فارددهم إلينا. فقال رسول الله صلعم: «يا معشر قريش! لتنتهنَّ أو ليبعثنَّ الله عليكم من يضرب أعناقكم بالسَّيف على الدِّين، قد امتحن الله قلبه على الإيمان». قالوا: من هو يا رسول الله؟ قال: «خاصف النَّعل». وكان قد أعطى عليًّا نعله يخصفها، قال: ثمَّ التفت إلينا عليٌّ، فقال: إنَّ رسول الله صلعم قال: «من كذب عليَّ متعمِّداً فليتبوَّأ مقعده من النَّار».
وقال عليٌّ: لقد عهد إليَّ رسول الله(40) صلعم أن لا يحبُّك إلَّا مؤمن، ولا يبغضك إلَّا منافق.
قالت أمُّ عطيَّة: بعث رسول الله صلعم جيشاً فيهم عليٌّ، قال: فسمعت رسول الله صلعم يقول: «اللهم لا تمتني حتَّى تريني(41) عليًّا».
قال جابر بن عبد الله: لمَّا كان يوم الطَّائف دعا رسول الله صلعم عليًّا، فناجاه طويلاً، فقال بعض أصحابه: لقد أطال نجوى ابن عمِّه. فقال صلعم: «ما أنا انتجيته، ولكنَّ الله انتجاه»(42) .
قال عمران بن حصين: بعث صلعم جيشاً، واستعمل عليهم عليًّا، فمضى في السَّريَّة، فأصاب جارية، فأنكروا عليه، فتعاقد أربعة من أصحاب النَّبيِّ صلعم، فقالوا: إذا لقينا رسول الله صلعم أخبرناه بما فعل عليٌّ. وكان المسلمون إذا رجعوا من سفر بدؤوا برسول الله صلعم، فسلَّموا عليه، ثمَّ انصرفوا إلى رحالهم، فلمَّا قدمت السَّريَّة، وسلَّموا على رسول الله صلعم قام واحد من الأربعة، فقال: يا رسول الله! / ألم تر إلى عليٍّ صنع كذا وكذا؟ فأعرض عنه، ثمَّ قام الثَّاني: وقال كذلك، فأعرض عنه، وكذلك الثَّالث، والرَّابع، ثمَّ أقبل عليهم، والغضب يعرف من وجهه، فقال: «ما تريدون من عليٍّ»؟ مرَّتين «إن عليًّا منِّي، وأنا من عليٍّ، وهو وليُّ كلِّ مؤمن من بعدي». قال يزيد بن طلحة: إنَّما وجد جيش عليٍّ الذين كانوا معه باليمن عليه أنَّهم حين أقبلوا خلَّف عليهم رجلاً، وتعجَّل إلى رسول الله يخبره الخبر، فعمد الرَّجل، فكسا كلَّ واحد حلَّة، فلمَّا دنوا خرج عليٌّ يستقبلهم(43) ، فإذا عليهم الحلل، فقال عليٌّ: ما هذا؟ قالوا: كسانا فلان. قال: يا فلان! ما دعاك إلى هذا قبل أن تقدم على رسول الله صلعم فيصنع ما شاء؟ فنزع الحلل منهم، فلمَّا قدموا على رسول الله صلعم شكوه لذلك، وكانوا [قد] صالحوا رسول الله صلعم، وإنَّما بعث عليًّا على جزية موضوعة.
قال عبد الرَّحمن بن أبي ليلى: شهدت عليًّا بالرَّحبة يناشد النَّاس بالله تعالى، من سمع رسول الله صلعم يقول: «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه»؟ فقام اثنا عشر بدريًّا، كأنِّي أنظر إلى أحدهم عليه سراويل، فقالوا: نشهد أنَّا سمعنا رسول الله صلعم يقول: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمَّهاتهم»؟ قلنا: بلى، يا رسول الله! قال: «فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه» ومثل هذا روي عن البراء بن عازب، (وزاد،) فقال عمر: أصبحت _يا ابن أبي طالب اليوم_ وليَّ كلِّ مؤمن.
وجاء رجل إلى سعيد بن زيد، فقال: إنِّي أحببت عليًّا حبًّا لم أحبَّه أحداً قطُّ. قال: أحببت رجلاً من أهل الجنَّة. (قال جابر: كنَّا مع رسول الله صلعم بالمدينة، فقال: «يطلع عليكم رجل من أهل الجنَّة،) فجاء عمر، فهنَّيناه(44) ، ثمَّ قال: يطلع عليكم رجل من أهل الجنَّة. قال: ورأيت رسول الله صلعم يصغي رأسه من تحت السَّعف، ويقول: اللهم إن شئت جعلته عليًّا. فجاء عليٌّ، فهنَّيناه».
قالت أمُّ سلمة: جلَّل رسول الله صلعم عليًّا وفاطمة والحسن والحسين، ثمَّ قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصَّتي(45) ، اللهم أذهب عنهم الرِّجس، وطهَّرهم تطهيراً». قالت أمُّ سلمة: قلت: يا رسول الله! أنا منهم؟ قال: «إنَّك على خير».
قال عليٌّ: كنت إذا سألت رسول الله صلعم أعطاني، وإذا سكتُّ بدأ بي. وقال عليٌّ: أخذ رسول الله صلعم بيد حسن وحسين، وقال: «من أحبَّني، وأحبَّ هذين، وأباهما وأمُّهما، كان معي في درجتي يوم القيامة».
قال أنس بن مالك: كان عند رسول الله صلعم طائر، فقال: «اللهم ائتني / بأحبَّ خلقك إليك يأكل من هذا الطَّائر معي». فجاء أبو بكر، فردَّه، فجاء عمر، فردَّه، فجاء عثمان، فردَّه، فجاء عليٌّ، فأذن له. وفي رواية لأنس: أهدي لرسول الله صلعم طائر(46) ، فقال: «اللهم ائتني بأحبِّ خلقك إليك» فجاء عليٌّ، فأكل معه، وفي رواية لأنس أيضاً، يقول: أهدي لرسول الله صلعم طير(47) ، فقال: «اللهم ائتني برجل يحبُّه الله، ويحبُّه رسوله». فأتى عليٌّ، فقرع الباب، فقلت: إنَّ رسول الله صلعم مشغول، وكنت أحبُّ أن يكون رجلاً من الأنصار، ثمَّ أتى الثَّانية، فقال رسول الله صلعم: «يا أنس أدخله فقد عنيته». فلمَّا أقبل قال: «اللهم والِ، اللهم والِ» قلت: حديث مشهور بالنَّكارة، وقد أطال العلماء في ذلك القول، وهو ممَّا عيب به على الحاكم حيث ذكره في مستدركه.
قال ابن الأثير(48) : وذكرُ أبي بكر وعمر وعثمان في هذا الحديث غريب جدًّا، وأقول: معاذ الله أن يردَّ سيِّد الخلق أفاضل الصَّحابة عن الدُّخول لأجل طير، وما هذا إلَّا كذب المفترين المبغضين للخلفاء، رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
قال في توثيق عرى الإيمان: عليُّ بن أبي طالب أوَّل من يحمل(49) اللِّواء بين يدي رسول الله صلعم، وأوَّل من يرد على الحوض، وأوَّل من يدخل الجنَّة من هذه الأمَّة. قال: بكلِّ ذلك جاءت الأخبار، وشهدت الآثار، وهو الممدوح بالسِّيادة، كما روي أنَّ النَّبيَّ صلعم قال لفاطمة: «زوجك سيِّد في الدُّنيا والآخرة».
ومن خواصِّه أنَّه وليُّ الله، ووليُّ رسوله، ووليُّ المؤمنين. قال الله: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ } الآية [المائدة:55] نزلت في عليٍّ حين كان يصلِّي في المسجد، وهو راكع، فقام سائل يسأل، فمدَّ عليٌّ يده إلى خلفه، وأومأ إلى السَّائل بخاتمه، فأخذه من أصبعه(50) ، قال: ولمَّا رجعوا من بدر إلى المدينة، فقدوا رسول الله صلعم، فنادى الرِّفاق بعضهم بعضاً، أفيكم رسول الله؟ فوقفوا حتَّى جاء، ومعه عليٌّ، فقالوا: يا رسول الله! فقدناك. فقال: «إنَّ عليًّا وجد مغصاً في بطنه، فتخلَّفت عليه». ولمَّا نزل قوله تعالى { وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } [الحاقة:12] قال صلعم: «سألت الله أن يجعلها أذنك يا عليُّ واعية». قال عليٌّ: فما نسيت شيئاً بعد ذلك، وما كان لي أن أنسى.
ومن خواصِّه أنَّه ركب على منكبي رسول الله صلعم ؛ لما روى عليٌّ في قصَّة قمع الأصنام، قال: انطلق بي رسول الله صلعم إلى الكعبة، فقال: «اجلس» فجلست، ونزل، ثمَّ جلس، وقال: «يا عليُّ! اصعد على منكبي». فصعدت، ثمَّ نهض بي، فخيِّل لي لو شئت نلت أفق السَّماء، فصعدت إلى الكعبة، وتنحَّى رسول الله صلعم، وقال [لي] : «ألق صنمهم الأكبر». وكان من نحاس، موتداً بأوتاد الحديد إلى الأرض، فقال صلعم: «عالجه». فجعلت أعالجه، ورسول الله صلعم يقول: «إيهِ إيهِ». فلم أزل أعالجه حتَّى استمكنت منه، فقال: «اقذفه». فقذفته، فتكسَّر، ونزلت من فوق الكعبة، وانطلقت أنا والنَّبيُّ نسعى، وخشينا أن يرانا أحد.
ومن خواصِّه أنَّه حاز سهم جبريل من غنائم تبوك، ولم يشهدها؛ لأنَّه صلعم / استخلف عليًّا على المدينة، فلمَّا نصر الله رسوله، وغنم المسلمون أموال المشركين ورقابهم، جلس في المسجد، وجعل يقسم السِّهام على المسلمين، فدفع إلى كلِّ رجل سهماً، ودفع إلى عليٍّ سهمين، فقام زائدة بن الأكوع، فقال: يا رسول الله! أوحي نزل من السَّماء أم أمر من نفسك، تدفع إلى المسلمين المجاهدين سهماً وإلى عليٍّ سهمين؟ فقال صلعم: «هل رأيتم في ميمنة عسكركم صاحب الفرس الأغرِّ المحجَّل والعمامة الخضراء، لها ذؤابتان مرخيتان على كتفيه»؟ قال: نعم يا رسول الله! لقد رأينا ذلك. قال: «ذلك جبريل، وإنَّه أمرني أن أدفع سهمه إلى عليِّ بن أبي طالب». وفي ذلك قال قائلهم(51) :
عليٌّ حَوَى سهمينِ من غير أَنْ غَزَا غزاةَ تبوكٍ حبَّذا سَهْمُ مُسْهِمِ
قاله في توثيق عرى الإيمان، مع زيادة تنبو النَّفس منها؛ لمخالفته أصحاب السِّير.
ومن خواصِّه أنَّ النَّظر إلى وجهه عبادة، [لما] روت عائشة [قالت] : رأيت أبي يديم النَّظر إلى وجه عليٍّ، فسألته عن ذلك، فقال(52) : يا بنيَّة! وما يمنعني من ذلك؟ وقد سمعت النَّبيَّ صلعم يقول: «النَّظر إلى وجه عليٍّ عبادة».
ومنها أنَّه صلعم سمَّاه يعسوب المؤمنين، واليعسوب: بفتح المثنَّاة التَّحتيَّة، وسكون المهملة، وضمِّ السِّين المهملة، بعد الواو موحَّدة، هو أمير النَّحل، الذي تنقاد لأمره، ويقوم بمصالحها، وترجع إليه في أمورها.
ومنها أنَّه صلعم تولى تسميته، وتغذيته أيَّاماً من ريقه المبارك، ومصَّه لسانه؛ وذلك ما روي عن أمِّه، قالت: بينا أنا أسوق هدياً إلى هُبَل _بضمِّ الهاء، وفتح الموحَّدة، آخرها لام، اسم أكبر أصنامهم_ قالت: إذ استقبلني محمَّد، وهو يومئذ غلام، فقال: «ما هذا يا أمَّاه! إنِّي معلِّمك شيئاً، فهل تكتميه عليَّ؟» فقلت: نعم. قال: «اذهبي بهذا القربان(53) إلى ربِّ السَّموات والأرض». فقلت: أعمل ذلك؛ لما أعلم من صدقك. ففعلت، فلمَّا كان بعد أربعة أشهر، ومحمَّد يأكل مع عمِّه أبي طالب؛ إذ نظر إليَّ، فقال: «ما لك حائلة(54) اللَّون»؟ فقلت: ما (علمت) أنِّي حامل للوقت. فقال محمَّد لأبي طالب: «إن كان أنثى فزوِّجنيها». فقال أبو طالب: إن كان ذكراً فهو عبد لك، وإن كان أنثى فهي(55) جارية لك وزوجة. فلمَّا وضعته جعلته في غشاية، فقال أبو طالب: لا تفتحوه(56) حتَّى يجيء محمَّد، فيأخذ حقَّه. فجاء محمَّد، وفتح الغشاية، وأخذ منها غلاماً حسناً، فغسَّله بيده، وسمَّاه عليًّا، وبصق في فيه، وأصلح أمره، ثمَّ إنَّه ألقمه لسانه، فما زال يمصُّه حتَّى نام، فلمَّا كان من غد، طلب ظئراً _(أي مرضعة)_ فأبى أن يقبل ثدي أحد، فدعونا محمَّداً، فلقمه لسانه فنام، فكان كذلك ما شاء الله تعالى.
ذكر خلافة عليٍّ: / قال عليُّ: قيل: يا رسول الله! من نؤمِّر بعدك؟ قال: «إن تؤمِّروا أبا بكر تجدوه أميناً، زاهداً في الدُّنيا، راغباً في الآخرة، وإن تؤمِّروا عمر تجدوه قويًّا أميناً، لا يخاف في الله لومة لائم، وإن تؤمِّروا عليًّا _ولا أراكم فاعلين_ تجدوه هادياً، يأخذ بكم الطَّريق المستقيم». وقال عليٌّ: قال رسول الله صلعم: «أنت بمنزلة الكعبة تؤتى ولا تأتي، فإن أتاك(57) هؤلاء القوم، فسلَّموها إليك، _[يعني الخلافة]_ فاقبل منهم، وإن لم يأتوك، فلا تأتهم حتَّى يأتوك».
قال يحيى بن عروة المراديُّ: سمعت عليًّا يقول: قبض رسول الله صلعم وأنا أرى أنِّي أحقُّ بهذا الأمر، فاجتمع المسلمون على أبي بكر، فسمعت وأطعت، ثمَّ إنَّ أبا بكر أصيب، فظننت أنَّه لا يعدلها عنِّي، فجعلها في عمر، فسمعت وأطعت، ثمَّ إنَّ عمر أصيب، فظننت أنَّه لا يعدلها عنِّي، فجعلها في ستَّة أنا أحدهم، فولَّوها عثمان، فسمعت وأطعت، ثمَّ إنَّ عثمان قتل، فجاؤا وبايعوني طائعين غير مكرهين، ثمَّ خلعوا بيعتي، فوالله ما وجدت إلَّا السَّيف، أو الكفر بما أنزل الله ╡ على محمَّد صلعم.
قال سعيد بن المسيَّب: لمَّا قتل عثمان جاء النَّاس كلُّهم إلى عليٍّ يهرعون، أصحاب رسول الله صلعم وغيرهم، تقول: (يا) أمير المؤمنين عليُّ. حتَّى دخلوا عليه داره، فقالوا: نبايعك، فمدَّ يدك، فأنت أحقُّ بها. فقال: ليس ذلك(58) إليكم، إنَّما ذاك إلى أهل بدر، فمن رضي به أهل بدر، فهو خليفة. فلم يبق أحد إلَّا أتى عليًّا، فقالوا: ما نرضى أحداً أحقَّ بها منك، فمدَّ يدك نبايعك. فقال: أين(59) طلحة والزُّبير؟ فكان أوَّل من بايعه طلحة بلسانه، وسعد بيده، فلمَّا رأى عليٌّ ذلك خرج إلى المسجد، وصعد المنبر، وكان أوَّل من صعد المنبر، فبايعه طلحة، وبايعه الزُّبير، وأصحاب النَّبيِّ صلعم.
قال المدائنيُّ: لمَّا دخل عليٌّ الكوفة دخل عليه رجل من حكماء العرب، فقال: والله يا أمير المؤمنين! لقد زِنْتَ الخلافة وما زانتك، ورفعتها وما رفعتك، وهي كانت أحوج إليك منك إليها.
قال أبو وائل(60) : قلت لعبد الرَّحمن بن عوف: كيف بايعتم عثمان وتركتم عليًّا؟ قال: ما ذنبي؟ قد بدأت بعلي، فقلت: أبايعك على كتاب الله، وسنَّة نبيِّه، وسيرة أبي بكر وعمر. فقال: فيما استطعت. قال: ثمَّ عرضنا على عثمان، فقبلها.
ولمَّا بايعه النَّاس تخلَّف عن بيعته جماعة من الصَّحابة، منهم ابن عمر، وسعد، وأسامة، وغيرهم، فلم يلزمهم بالبيعة، وسئل عليٌّ عمَّن تخلَّف عن بيعته، فقال: أولئك بعدوا عن الحقِّ، ولم ينصروا الباطل. وتخلَّف عنه أهل الشَّام مع معاوية، فلم يبايعوه، وقاتلوه، قال أبو سعيد الخدريُّ: كنَّا مع رسول الله صلعم: فانقطع شسع / نعله، فأخذها عليٌّ يصلحها، فمضى صلعم، فقال: «إنَّ منكم رجلاً يقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلتُ على تنزيله». فاستشرف لها القوم، فقال صلعم: «لكنَّه خاصف النَّعل». فلمَّا جاء بشَّرناه(61) بذلك، فلم يرفع به رأساً، كأنَّه شيء سمعه من رسول الله صلعم.
وقال أبو سعيد: أمرنا رسول الله صلعم أن نقاتل النَّاكثين والقاسطين والمارقين، قلنا: يا رسول الله، أمرتنا بقتال هؤلاء، فمع من؟ قال: «مع عليِّ بن أبي طالب، معه يقتل عمَّار بن ياسر».
قال مِخْنف(62) بن سليم: أتينا أبا أيُّوب الأنصاريَّ، فقلنا: قاتلت بسيفك المشركين، [ثمَّ جئت تقاتل المسلمين] ؟ قال: أمرت أن أقاتل النَّاكثين والقاسطين والمارقين.
وقال ابن عمر حين حضره الموت: ما أجد في نفسي من الدُّنيا إلَّا أنِّي لم أقاتل الفئة الباغية مع عليٍّ.
قال الشَّعبيُّ: ما مات مسروق حتَّى تاب إلى الله من تخلُّفه عن القتال مع عليٍّ.
قال سفينة مولى رسول الله صلعم: قال رسول الله صلعم: «بعدي ثلاثون (سنة)، ثمَّ تكون ملكاً عضوضاً». فحسبنا ذلك، فوجدناه تمام ولاية عليٍّ.
قال أبو سعيد الخدريُّ _عن النَّبيِّ صلعم في حديث ذكر فيه قوماً_: «يخرجون على فُرقة من النَّاس مختلفة، يقتلهم أقرب الطَّائفتين إلى الحقِّ». رواه مسلم في صحيحه(63) ، قال المغربيُّ المقري: هؤلاء هم(64) الذين قتلهم عليٌّ وأصحابه، وكان خروجهم حين اتَّفق عليٌّ ومعاوية ☻ على تحكيم الحكمين، وكانوا في عسكر(65) عليٍّ، فقالوا: إنَّ عليّاً ومعاوية استبقا على الكفر كفَرَسَي رهان، فكفر معاوية بقتال عليٍّ، ثمَّ كفر عليٌّ بتحكيم الحكمين. فانفردوا من عسكره، وقتلوا عبد الله [بن خبَّاب] ، واستحلُّوا دماء المسلمين [كلِّهم] إلَّا من قال بقولهم وخرج معهم، وقتلهم عليٌّ، وشهد صلعم أنَّ الطَّائفة التي تقتلهم أقرب من الحقِّ، وهذه شهادة لعليٍّ وأصحابه، وفيه دلالة على صحَّة خلافته، وخطأ من خالفه(66) ، وأنكر خلافته.
قال محمَّد بن الحنفيَّة: كنَّا مع عليٍّ، وقد حصر عثمان، فأتاه رجل، فقال: إنَّ أمير المؤمنين مقتول السَّاعة. فقام عليٌّ، فأخذتُ بثوبه تخوُّفاً عليه، فقال: خَلِّ، لا أبا لك. فأتى عليٌّ الدَّار، وقد قتل عثمان، فرجع إلى داره، وأغلق بابه، فأتاه النَّاس، فضربوا عليه الباب، فدخلوا عليه، فقالوا: إنَّ عثمان قد قتل، ولا بدَّ للنَّاس من خليفة، ولا نعلم أحداً أحقَّ بها منك، فقال لهم: لا نريد(67) ، فأن أكون لكم وزيراً خيراً من أمير. قالوا: لا والله، لا نعلم أحداً أحقَّ بها منك. قال: فإن أبيتم عليَّ، فإنَّ بيعتي لا تكون سرّاً، ولكن أخرج إلى المسجد، فمن شاء بايعني. فخرج إلى المسجد، فبايعه النَّاس(68) . قال أبو عبد الله بن بطَّة: كانت بيعةُ عليٍّ [بيعةَ] اجتماعٍ ورحمة، لم يدع إلى نفسه، ولم يجبرهم على بيعته بسيفه، ولم يغلبهم بعشيرته، ولقد شرَّف الخلافة بنفسه، وزانها بشرفه، وكساها حلَّة البهاء بعدله، ورفعها بعلوِّ قدره، ولقد / أباها فأجبروه، وتقاعس عنها فأكرهوه، وكان كما مدح الحطيئة عمر بن الخطَّاب ☺ _من البحر البسيط(69)_:
أنت الإمامُ الذي مِنْ بعدِ صاحبِه ألقت إليك مقاليدَ النُّهَى البشرُ
ما آثروك بها إذ قدَّموكَ لهَا لكنْ لأنفسهِمْ كانت بِك الإِثَرُ
قيل: إنَّ خلافة عليٍّ مذكورة في كتب الله المتقدِّمة. فإنَّ(70) كعب الأحبار قال عن حبر من أحبار اليهود حين سأله عقيب(71) وفاته صلعم: من يلي بعده؟ قال: العدل أبو بكر. قال: فمن يلي بعده؟ قال: قَرن من حديد عمر بن الخطَّاب. قال: فمن يلي بعده؟ قال: الحييُّ الستير(72) عثمان. قال: فمن يلي بعده؟ قال: الهادي المهديُّ عليُّ بن أبي طالب. فكان عليٌّ خاتمَ الخلفاء الرَّاشدين، ولمَّا قدم عمر الشَّام قدم بعليٍّ يأخذ برأيه، ويشاوره في أمره، وهو ومعاذ أشارا على عمر بوقف الأرض التي افتتحها، فقبل رأيهما.
قال أبو رافع مولى رسول الله صلعم: خرجنا مع عليٍّ حين بعثه رسول الله صلعم يوم خيبر برايته، فلمَّا دنا من الحصن خرج إليه أهله، فقاتلهم، فضربه رجل من اليهود، فطرح ترسه من يده، فتناول عليٌّ باباً كان عند الحصن، فترَّس(73) به عن نفسه، فلم يزل في يده، وهو يقاتل حتَّى فتح الله عليه، ثمَّ ألقاه من يده، فلقد رأيتني في نفر سبعة معي أنا ثامنهم نجتهد أن نقلب ذلك الباب، فما قدرنا.
قال الثَّعلبيُّ _نقلاً عن عليٍّ_(74) : قال: قال رسول الله صلعم: «حرِّمت الجنَّة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي، ومن اصطنع صنيعة إلى أحد من ولد عبد المطَّلب، ولم يجازه عليها، فأنا أجازيه غداً إذا لقيني يوم القيامة». وقال أيضاً: _نقلاً عن جرير بن عبد الله البجليِّ_ قال: قال رسول الله صلعم: «من مات على حبِّ آل محمِّد مات شهيداً، ألا ومن مات على حبِّ آل محمَّد مات مغفوراً له، ألا ومن مات على حبِّ آل محمِّد مات تائباً، ألا ومن مات على حبِّ آل محمَّد بشَّره ملك الموت بالجنَّة، ثمَّ منكر ونكير، ألا ومن مات على حبِّ آل محمَّد يزفُّ إلى(75) الجنَّة كما تزفُّ العروس إلى بيت زوجها، ألا ومن مات على حبِّ آل محمَّد فُتح له في قبره بابان إلى الجنَّة، ألا ومن مات على حبِّ آل محمَّد جعل الله تعالى زوَّار قبره الملائكة بالرَّحمة، ألا ومن مات على حبِّ آل محمَّد مات على السُّنَّة والجماعة، ألا ومن مات على بغض آل محمَّد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله، ألا ومن مات على بغض آل محمَّد لم يشمَّ رائحة الجنَّة».(76)
وذكر القرطبيُّ في تذكرته(77) عن عليِّ بن أبي طالب أنَّ النَّبيَّ(78) رسول الله صلعم بينما هو في أصحابه أتاه آت، فقال: إنَّ أمَّ عليٍّ، وجعفر، وعقيل قد ماتت. فقال: «قوموا بنا إلى أمِّي». فقمنا كأنَّ على رؤوسنا الطَّير، فلمَّا انتهينا إلى الباب نزع قميصه، وقال: «إذا كفنتموها، فأشعروه إيَّاها تحت أكفانها». فلمَّا خرجوا بها جعل [النَّبيُّ] صلعم مرَّة يحمل، ومرَّة يتقدَّم، ومرَّة يتأخَّر؛ حتَّى انتيهنا بها إلى القبر، فنزل، فتمعَّك في القبر، ثمَّ خرج، وقال: «أدخلوها بسم الله، وعلى اسم الله».
/ فلمَّا دفنوها قام قائماً، وقال: «جزاك الله من أمٍّ وربيبة خيراً». وسألناه عن نزع قميصه، وتمعُّكه (في) اللَّحد، فقال «أردت أن لا تمسها النَّار أبداً إن شاء الله، وأن يوسَّع عليها القبر».(79) وقال: «ما أغنى أحد عن ضغطة القبر إلَّا فاطمة بنت أسد». قيل: يا رسول الله، ولا القاسم ابنك، قال: «لا، ولا إبراهيم». وكان أصغر، وأعطى صلعم السَّيف المسمَّى بذي الفقار عليّاً، وكان للعاص بن نبيه، قتله عليٌّ يوم بدر.
قال يحيى بن عقيل: كان عمر يقول لعليٍّ فيما يسأله(80) ويجيبه: لا أبقاني الله بعدك. (وقال سعيد بن المسيَّب: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلعم يقول: سلوني إلَّا علٌّي).
قال ابن عبَّاس: ما علمي إلى علم عليٍّ إلَّا كالقُرَارة إلى المتعنجر. والقُرَارة، بضمِّ القاف، وخفَّة الرَّاء الأولى: ما يصبُّ في القدر من الماء بعد الطَّبخ؛ لئلَّا يحترق، والمتعنجر: لُجَّةُ البحر.
وقال صلعم لفاطمة: «زوجك سيُّد في الدُّنيا والآخرة».
روى الثعلبيُّ قال(81) : بينا عبد الله بن عباس على شفير زمزم، يقول: قال رسول الله صلعم ؛ إذ أقبل رجل متعمِّم بعمامة، فجعل ابن عبَّاس (لا يقول: قال رسول الله صلعم إلَّا قال الَّرجل: كذلك. فقال ابن عبَّاس): سألتك بالله من أنت؟ فكشف العمامة عن وجهه، وقال: أنا أبو ذرٍّ الغفاريُّ، سمعت رسول الله صلعم بهاتين، وإلَّا فصُمَّتا، ورأيت بهاتين، وإلَّا فعميتا، يقول: «عليٌّ قائد البررة، وقاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله». أما إنِّي صليت مع رسول الله صلعم صلاة الظُّهر، فسأل سائل في المسجد، فلم يعطه أحد، فرفع السَّائل يده إلى السَّماء، وقال: اللهم اشهد أنِّي سألت في مسجد رسول الله صلعم فلم يعطني أحد [شيئاً] . وكان عليٌّ راكعاً، فأومأ إليه بخنصره اليمنى، وكان يتختَّم فيها، فأقبل السَّائل، وأخذ الخاتم من يده، وذلك بمرأى النَّبيِّ صلعم، فلمَّا فرغ من الصَّلاة رفع رأسه إلى السَّماء، قال: «اللهم إنَّ أخي موسى سألك، فقال: { رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي } الآية [طه:25] فأنزلتَ قرآناً ناطقاً: { سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا } الآية [القصص:35] ، اللهم! وأنا محمَّد نبيُّك وصفيُّك، اللهم فاشرح لي صدري، ويسِّر لي أمري، واجعل لي وزيراً من أهلي عليّاً، اشدد به ظهري». قال أبو ذرٍّ: فما استتمَّ رسول الله صلعم الكلمة حتَّى نزل عليه جبريل، وقال: يا محمَّد! اقرأ، (قال): وما أقرأ؟ قال: اقرأ: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } [المائدة:55]
قال الإمام أحمد بن حنبل: ما جاء لأحد من الصَّحابة ما جاء لعليٍّ من الفضائل.
قال بريدة الأسلميُّ: قال رسول الله صلعم لعليٍّ: «إنَّ الله ╡ أمرني أن أدنيك ولا أقصيك، وأن أعلِّمك، وأن تعي، وحقٌّ على الله أن تعي». قال: فنزلت: { وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } [الحاقة:12].
قال ابن عبَّاس: قال رسول الله صلعم: («ما أنزل الله آية فيها { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ } إلَّا وعليٌّ رأسها وأميرها».
قال أبو سعيد الخدريُّ: قال رسول الله صلعم ) لعليٍّ _وضرب بين كتفيه_ / : «يا علي! لك سبع خصال، لا يحاجُّك فيهنَّ أحد يوم القيامة: أنت أوَّل المؤمنين بالله إيماناً، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأرأفهم بالرَّعيَّة، وأقسمهم بالسَّويَّة، وأعلمهم بالقضيَّة، وأعظمهم رزيَّة(82) يوم القيامة». قيل: لعلَّه أعظم المؤمنين في الآخرة أجراً على المصيبة في الدُّنيا.
وقال ابن عبَّاس: كانت لعليٍّ ثلاث عشرة(83) منقبة، ما كانت لأحد قبله. قلت: ليس في هذا مخالفة للحديث المذكور قبله، فإنَّ مفهوم العدد لا اعتبار به. قال التَّيميُّ: فَضَلَ عليٌّ النَّاس بمئة منقبة، وقال بعضهم: هذا محمول على المبالغة في مدح عليٍّ، وإلَّا فكم لأبي بكر وعمر وعثمان من منقبة ليست لعليٍّ. قلت: وهو كما قال بلا شكٍّ، ولا ريب.
قال الحسن بن عليٍّ: قال رسول الله صلعم: «ادع لي سيِّد العرب». يعني عليّاً. فقالت عائشة: ألستَ بسيِّد العرب؟ قال: «أنا سيِّد ولد آدم، وعليٌّ سيِّد العرب». فلمَّا جاء أرسل إلى الأنصار، فأتوه، فقال: «يا معاشر الأنصار! ألا أدلُّكم على ما إن تمسَّكتم به لن تضلُّوا بعده أبداً»؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: «هذا عليٌّ، فأحبُّوه بحبِّي، وأكرموه بكرامتي، فإنَّ جبريل أمرني بالذي قلت لكم عن الله ╡».
(قال) ابن أبي مريم: سمعت عليّاً يقول: يهلك فيَّ رجلان، مفرط في حبِّي، ومفرط في بغضي. قال المصريُّ: يعني يفرط في حبِّي(84) إلى أن يفضِّلني على أبي بكر وعمر وينقصهما(85) ، أو ينسب إليَّ ما ليس لي، كبغض الرَّافضة، يقول: إنَّ النُّبوَّة كانت لعليٍّ، فأتى جبريل بها محمَّداً.
قال جابر: سمعت رسول الله صلعم يقول لعليٍّ قبل موته بثلاث: «سلام عليك أبا الرَّيحانتين، أوصيك بريحانتيَّ من الدُّنيا، وعن قليل ينهدم ركناك، والله خليفتي عليك». فلمَّا قبض رسول الله صلعم قال عليٌّ: هذا (أحد) ركنيَّ الذي قال رسول الله صلعم. فلمَّا ماتت فاطمة، قال: هذا الرُّكن الثَّاني.
قال ابن عبَّاس: عتب العبَّاس علي عليٍّ أشياء؛ حتَّى بلغ الأمر إلى الهجران، قال: فاشتكى العبَّاس، فاجتمعت بنو هاشم إلى عليٍّ، فقالوا له: ليس أنت ممَّن ينبَّه على مكرمة وفضيلة، والعبَّاس مهاجر لك، وقد جاء الحقُّ. فقال عليٌّ: ما لي ذنب فأُهجر عليه. قالوا: فالخير أن تقوم إليه معنا. فقام، فقلنا له: هذا عليٌّ قد جاء. فقال: أقعدوني. فقال عليٌّ مبتدئاً: يا عمُّ! أيُّ شيء عتبت عليَّ؟ قال: أشياء ثلاثة، وهي لك لا لي. فقال له عليٌّ: سمِّها، فإن كنت معذوراً عذرت، وإن كنت مخطئاً غفرت. قال: قلت لك: إنِّي أعرف وجوه بني عبد المطَّلب إذا جاء الحقُّ، وإنِّي رأيت العلامة(86) . قال: ما هي؟ قال: رأيت نوراً ساطعاً في نسمته صلعم، فقلت لك: قم بنا إليه نسأله، إن كان لنا الأمر بعده علمنا، وإن كان لغيرنا أوصى بنا. فقلتَ: لا. فقال عليٌّ: يا عمُّ! إنَّه كان أسرَّ إليَّ في حياته أنَّ النَّاس يجتمعون على أبي بكر، فكيف كنت أقوم معك، ولم أحبَّ أن أفشي سرَّه. فقال العبَّاس: لمَّا قبض رسول الله صلعم / ونحن في الدَّار، قلت لك: مدَّ يدك حتَّى أبايعك، فتقول النَّاس: بايعه عمُّه. فلا يتخلَّف عنك اثنان. فقلت: لا. فقال (عليٌّ: لو علمت من الخبر المذكور ما علمت، ما كان يجوز لك أن تقول ما قلت. فقال) العبَّاس: قد قلت لك _وقد عزمت أن تأتي بسهم ذوي القربى، فتسلِّمه إلى عمر بن الخطَّاب_ لا تفعل، فإنَّك إن أخرجته(87) من يدك لم يرجع إلى بني هاشم، فقلت: لا. فقال عليٌّ: يا عمُّ! أوصاني رسول الله صلعم مؤكِّداً، فقال: «يا عليُّ إذا استغنت بنو هاشم، أو استقلَّت، فردَّ سهم ذوي القربى إلى بيت المسلمين». فلمَّا رأيتك يا عمُّ، ولك ضيعة كذا، ومال كذا، ورأيت الحسن والحسين قد استقلَّا، ما كان لي بدٌّ من أن أنفذ ما أمرني به، ولو تلفت نفسي، فيا عمُّ! هل خرجت من معاتباتك؟ قال: نعم، والله مكرماً معزوزاً(88) مشكوراً، وليس من عَلِمَ كمن لا يعلم، تقدَّم إليَّ. فقبَّل بين عينيِّ عليٍّ، وقبَّل عليٌّ رأس العبَّاس، وافترقا راضيين.
قال النَّزَّالُ بنُ سَبْرَةَ: وافقنا من عليٍّ يوماً طيب نفس، فقلنا: يا أمير المؤمنين! حدِّثنا عن أبي بكر، قال: ذاك امرؤ سمَّاه الله تعالى صدِّيقاً، على لسان جبريل، ومحمد ♂، كان خليفة رسول الله صلعم رضيه لديننا، فرضيناه لدنيانا. قلنا: حدِّثنا عن عمر. قال: ذاك امرؤ سمَّاه الله الفاروق، فرَّق به بين الحقِّ والباطل، سمعت رسول الله صلعم يقول: «اللهم أعزَّ الإسلام بعمر». قلنا: حدِّثنا عن عثمان. قال: ذاك امرؤ يدعى في الملأ الأعلى ذا النُّورين، كان ختن رسول الله صلعم على ابنتيه، ضمن له بيتاً في الجنَّة. قلنا: حدِّثنا عن طلحة بن عبيد الله. قال: ذاك امرؤ نزل فيه آية من كتاب الله، قال الله تعالى: { فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } [الأحزاب:23] طلحة منهم، لا حساب عليه في مستقبل. قالوا: يا أمير المؤمنين! حدِّثنا عن الزُّبير. قال: ذاك امرؤ سمعت رسول الله صلعم يقول: «لكلِّ نبيٍّ حواريٌّ وحواريَّ الزُّبير». قلنا: فحدِّثنا عن حذيفة. قال: ذاك رجل عَلِمَ المعضلات، وأسماء المنافقين، إن تسألوه عنها تجدوه بها عالماً. قلنا: فحدِّثنا عن أبي ذرٍّ. قال: ذاك امرؤ سمعت رسول الله صلعم يقول: «ما أظلَّت الخضراء، ولا أقلَّت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذرٍّ». طلب شيئاً من الزُّهد عجز عنه النَّاس. قلنا: فحدِّثنا عن سلمان. قال: ذاك امرؤ منَّا أهل البيت، أدرك علم الأوَّلين والآخرين، من لكم بلقمان الحكيم؟ قلنا: فحدِّثنا عن ابن مسعود(89) . قال: ذلك امرؤ قرأ القرآن، (فعلم القرآن،) فعلم حلاله حرامه، ثمَّ برك عنده وجثم. قلنا: فحدِّثنا عن عمَّار. قال: ذاك امرؤ سمعت رسول الله صلعم يقول: «خلط الله الإيمان ما بين قرنه إلى قدمه، وخلط الإيمان بلحمه ودمه، ويدور مع الحقِّ حيث دار، وليس ينبغي للنَّار أن تأكل من لحمه شيئاً». قلنا: فحدِّثنا عن نفسك. قال: مه، نهى الله تعالى عن التَّزكية. قالوا: يا أمير المؤمنين، إنَّ الله تعالى قال: { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } [الضحى:11] / قال: كنت امرءاً أبتدي فأعطي، وإن سكت فأبتدي، وإنَّ تحت الجوانح منِّي لعلماً جمًّا، فَسَلوني.
قيل: أُتي عليٌّ بفالوذج، فوضع قدَّامه، فقال: إنَّك طيِّب الرِّيح، حسن اللَّون، ولكن أكره أن أعوِّد نفسي ما لم تعتد.
قال رجل من ثقيف: كان عليٌّ يجعل طعامه في جراب صغير، فدعا يوماً بها، وعليها خاتم، فكسر الخاتم، وإذا فيها سويق، فأخرج منها، فصبَّ في القدح، وصبَّ عليه ماء، فشرب، وسقاني، فقلت: يا أمير المؤمنين! أتصنع هذا بالعراق، وطعام العراق أكثر من ذلك؟ قال: أما والله ما أختم عليه بخلاً، ولكن أبتاع قدر ما يكفيني، فأخاف أن يفنى، فيُصنع من غيره، وأكره أن أدخل بطني إلَّا طيِّباً.
قال الغزاليُّ في إحيائه(90) : تولَّى على العراق، وكان مأكوله من جراب، كان يحمل إليه كلَّ سنة من الحجاز من ملكه، وكان يختم على الجراب، فقيل له في ذلك، قال: علمت من أين أدخلت الجراب، وما أريد آكل ما لم أعلم. فرضي الله تعالى عنه، ما أزهده في الدُّنيا مع أنَّها أتته.
ذكر قتله ☺، وإعلامه أنَّه مقتول. قال عليُّ بن أبي طالب: حدَّثني الصَّادق المصدوق صلعم أنِّي لا أموت حتَّى تضرب ضربة على هذه تخضب منها هذه. وأومأ(91) إلى هامته ولحيته، قال: «ويقتلك أشقى الأمَّة، كما عقر ناقة الله أشقى بني فلان من ثمود».
قال أبو الأسود عن عليٍّ: أتاني عبد الله بن سلام، وقد وضعت رجلي في الغرز لأركب، فقال: لا تقدم العراق، فإنِّي أخشى أن يصيبك ذباب السَّيف. قال عليٌّ: وايم(92) الله! لقد أخبرني به رسول الله صلعم. قال أبو الأسود: فما رأيت كاليوم قطُّ محارب يخبر عن نفسه بذا.
عن عبد الله بن سبع(93) قال: خطبنا عليٌّ، فقال: والذي فلق الحبَّة، وبرأ النَّسمة، لتخضبنَّ هذه من هذه. يعني لحيته من دم رأسه، فقال رجل: وايم الله! لا يفعل ذلك أحد إلَّا أَبَرْنا عترته. فقال: أذكِّركم(94) [الله] وأنشدكم أن (لا) يقتل منِّي إلَّا قاتلي.
(قال ابن عبَّاس: قال عليٌّ للنَّبيِّ صلعم: [إنك قلت لي](95) يوم أحد، حين أخِّرت عنِّي الشَّهادة،) واستشهد من استشهد: «إنَّ الشَّهادة من ورائك، فكيف صبرك إذا خضبت هذه من هذه»؟ وأهوى بيده إلى لحيته ورأسه، فقال عليٌّ: يا رسول الله! أَمَا إنْ يثبت لي ما أثبت، فليس ذلك من مواطن الصَّبر، وإنَّما ذلك من مواطن البشرى والكرامة.
قال محمَّد بن الحنفيَّة: دخل علينا عبد الرَّحمن بن ملجم (الحمَّام)، وأنا وحسن وحسين جلوس في الحمَّام، فلمَّا دخل كأنَّهما إشمأزَّا منه، فقالا: ما جرَّأك علينا تدخل علينا؟ قال: قلت لهما: دعاه عنكما، فلعمري ما يريد منكما أحشم(96) من هذا. فلمَّا كان يوم أُتي به أسيراً، قال ابن الحنفيَّة: ما أنا بأعرف به منِّي يوم دخل علينا الحمَّام. قال عليٌّ: إنَّه أسير، فأحسنوا نزله، وأكرموا مثواه، فإن بقيت قَتَلْتُ أو عَفَوتُ(97) ، وإن متُّ فاقتلوه، ولا تعتدوا، فإنَّ الله لا يحبُّ المعتدين. /
قال عثمان بن المغيرة: لمَّا دخل شهر رمضان جعل عليٌّ يتعشَّى ليلة عند الحسن، وليلة عند الحسين، وليلة عند عبد الله بن جعفر، لا يزيد على ثلاث لقم، ويقول: يأتي أمر الله وأنا خميص، وإنَّما هي ليلة أو ليلتان.
قال بعضهم: خرج عليٌّ لصلاة الصُّبح، فاستقبله الإوزُّ يَصِحْنَ في وجهه، قال: فجعلنا نطردهنَّ، قال عليٌّ: دعهنَّ(98) ، فإنَّهنَّ نوائح. وخرج، فأصيب. قال ابن الأثير(99) : وهذا يدلُّ على أنَّ عليًّا علم السَّنة والشَّهر واللَّيلة التي يقتل فيها.
قال محمَّد بن سعد: انتدب ثلاثة من الخوارج عبد الرَّحمن بن ملجم المراديُّ، والبُرَك بن عبد الله التَّميميُّ(100) ، وهو بضمِّ الموحَّدة وفتح الرَّاء، (وعمرو) بن بكير التَّميميُّ، فاجتمعوا بمكَّة، وتعاهدوا، (وتعاقدوا) ليقتلنَّ هؤلاء(101) الثَّلاثة، عليَّ بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، ويريحوا العباد منهم، فقال ابن ملجم: أنا لكم بعليٍّ. وقال البُرَك: أنا لكم بمعاوية. وقال عمرو بن بكير: أنا أكفيكم عمرو بن العاص. فتعاهدوا على ذلك، وتواثقوا أن لا ينكص رجل على(102) صاحبه الذي سُمِّي له، ويتوجَّه إليه؛ حتَّى يقتله، أو يموت دونه، فاتَّعدوا بينهم ليلة سبع عشرة(103) من رمضان، ثمَّ توجَّه كلُّ رجل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه، [فأمَّا عمرو بن العاص فلم يخرج إلى الصَّلاة تلك اللَّيلة، وأمَّا معاوية فخرج لها، فضربه البُرَك، فأصاب عتبة الشُّبَّاك، ولم يؤثِّر،] وقدم ابن ملجم الكوفة، فلقي أصحابه من الخوارج، فكاتمهم ما يريد، وكان يزورهم ويزورونه، فزار يوماً نفراً من بني تَيْمٍ الرَّبَاب، فرأى امرأة منهم يقال لها: قطام بنت شحنة(104) ، وكان عليٌّ قتل أباها وأخاها بالنَّهروان، فأعجبته، فطلبها(105) ، فقالت: لا أتزوَّجك حتَّى تقضي(106) مرادي. قال: لا تسأليني شيئاً إلَّا أعطيتك. فقالت: ثلاثة آلاف، وقَتْل عليِّ بن أبي طالب. فقال(107) : والله ما جاء بي هذا المصر إلَّا قتل عليٍّ، وقد أعطيتك ما سألت. ولقي ابنُ مُلْجم شَبيبَ بن بُجْرةَ الأشجعيَّ، هو بضمِّ الموحَّدة، وسكون الجيم عند أبي عمر(108) ، وبفتحها عند ابن ماكولا، قال: فأعلمه بما يريد، وسأله أن يكون معه، فأجابه إلى ذلك، وظلَّ ابن ملجم تلك اللَّيلة التي عزم فيها أن يقتل عليًّا في صبيحتها يناجي الأشعث بن قيس في مسجده حتَّى طلع الفجر، فقال له الأشعث: فَضَحَكَ الصُّبح. فقام ابن مُلْجم وشَبيب، وأخذا أسيافهما، ثمَّ جاءا حتَّى جلسا مقابل السُّدَّة التي يخرج منها عليٌّ، قال الحسن بن عليٍّ: فأتيته سحراً، فجلست إليه، فقال: إنِّي بتُّ اللَّيلة أوقظ أهلي، فملَكَنِي عيناي وأنا جالس، فسنح لي رسول الله صلعم، فقلت: يا رسول الله! ما لقيت من أمَّتك من (الأذى)(109) واللَّدد. فقال لي: ادع الله عليهم. فقلت: اللهم أبدلني بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي شرًّا لهم منِّي. ودخل ابن النَّبَّاح المؤذِّن على ذلك، فقال: الصَّلاة. فقام يمشي بين يديه، وأنا خلفه، فلمَّا خرج من الباب، نادى: أيُّها النَّاس! الصَّلاة، الصَّلاة. وكذلك كان يصنع، يخرج ومعه / درَّته(110) يوقظ النَّاس، فاعترضه الرَّجلان، فقال بعض من حضر ذلك: رأيت بريق السَّيف، وسمعت قائلاً يقول: لله الحكم يا عليُّ لا لك. ثمَّ رأيت سيفاً ثانياً، فضربا جميعاً، فأمَّا سيف ابن ملجم، فأصاب جبهته إلى قرنة، ووصل إلى دماغه، وأمَّا سيف شبيب فوقع في الطَّاق، فسُمع عليٌّ يقول: لا يفوتنَّكم الرَّجل. وشدَّ النَّاس عليهما من كلِّ جانب، فأمَّا شبيب فأفلت، وأُخذ ابن ملجم، فأدخل على عليٍّ، فقال: أطيبوا طعامه، وألينوا فراشه، فإن أعش فأنا وليُّ دمي، عفواً أو قصاصاً، وإن أمت فألحقوه بي، أخاصمه عند ربِّ العالمين. فقالت أمُّ كلثوم بنت عليٍّ: يا عدوَّ الله! قتلت أمير المؤمنين؟ فقال: ما قتلت إلَّا أباك. قالت: [والله] إنِّي لأرجو أن لا يكون على أمير المؤمنين بأس. قال: فلم تبكين إذاً؟ والله لقد سممته شهراً _يعني سيفه_ فإن أخلفني أبعده الله وأسحقه. وبعث الأشعث بن قيس ابنه قيساً صبيحة ضرب عليٍّ، فقال: أي بني! انظر كيف (أصبح) أمير المؤمنين. فذهب فنظر إليه، ثمَّ رجع، فقال: رأيت عينيه داخلتين في رأسه. فقال الأشعث: عيني دميغ، وربِّ الكعبة. ومكث عليٌّ يوم الجمعة، وليلة السبت، وليلة الأحد، ومات لإحدى عشرة بقيت من رمضان، وغسَّله الحسن، والحسين، وعبد الله بن جعفر، وكُفِّن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة، وكان ابن ملجم في السِّجن، فلمَّا دفن عليٌّ بعث الحسن إليه، فأخرجه من السِّجن ليقتله، فاجتمع النَّاس، وجاؤوا بالنَّار والنِّفط والبواري ليحرِّقوه، فقال عبد الله بن جعفر، وحسين، ومحمَّد بن الحنفيَّة: دعونا نشفي أنفسنا منه. فقطع عبد الله بن جعفر يديه ورجليه، فلم يجزع، وجعل يقول: إنَّك لتكحِّل عيني عمِّك بمُلْمولٍ مَضٍّ، وجعل يقرأ القرآن { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } [العلق:1] حتى أتى إلى آخر السُّورة، وإنَّ عينيه لتسيلان، ثمَّ أمر به، فعولج لسانه ليقطع، فجزع، فقيل له: قطعنا يديك ورجليك، وسملنا عينيك يا عدوَّ الله! فلم تجزع، فلمَّا صرنا إلى لسانك جزعت! قال: ما ذاك إلَّا لأنِّي أكره أن أكون في الدُّنيا فواقاً لا أذكر الله(111) . فقطعوا لسانه، ثمَّ جعلوه في قوصرة، فأحرقوه بالنَّار، والعبَّاس بن عليٍّ يومئذ صغير، فلم ينتظر بلوغه، وكان ابن ملجم أسمر أبلج، في جبهته أثر السُّجود، ولمَّا ضرب عليًّا قال [عليٌّ] : فزت وربِّ الكعبة.
قال عمرو: لمَّا ضرب عليٌّ دخلت عليه، فقلت: أرني ضربتها. قال: فحلَّها، فقلت: ليس بشيء. قال: إنِّي مفارقكم. فبكت أمُّ كلثوم من وراء الحجاب، فقال لها عليٌّ: اسكتي، فلو ترين ما أرى لما بكيت. قال: فقلت: يا أمير المؤمنين! ماذا ترى؟ قال: هذه الملائكة، ووفود النَّبيِّين، وهذا محمَّد صلعم يقول: «يا عليُّ أبشر، فما تصير إليه خير / ممَّا أنت فيه».
قال حبيب بن عبد الله: لمَّا فرغ عليٌّ من وصيَّته قال: أقرأ عليكم السَّلام ورحمة الله وبركاته. ثمَّ لم يتكلم سوى لا إله إلا الله، حتَّى قبضه الله، وصلَّى عليه الحسن، وكبَّر عليه أربعاً، ودفن في السَّحَر(112) ، وكان عنده فضلة من حنوط رسول الله صلعم أوصى أن يحنَّط به.
قال الرُّشاطيُّ: اختلفوا في دفنه، فقيل: في قصر الإمارة بالكوفة، [وغيِّب قبره] . وقيل: في رحبة الكوفة. وقيل: بنجف. قال المسعوديُّ: ومنهم من قال: إنَّه حمل إلى المدينة، ودفن عند فاطمة. وقيل: حمل في تابوت، وتاه الجمل، ووقع في بلاد طيٍّ. وعاش ثلاثاً وستِّين سنة، [على المرجَّح،] وقيل: سبعاً أو ثمانياً وخمسين سنة. كان آدم، عظيم العينين، ذا بطن، أصلع، ربعة، لا يخضب.
قال أبو إسحاق السَّبيعيُّ: رأيته أبيض الرَّأس واللِّحية، وربَّما كان يخضب (لحيته، كان ضخم المنكبين، كثَّ اللِّحية طويلها، ضخم عضلة الذِّراع، دقيق مستدقَّها)، ضخم عضلة السَّاق، دقيق مستدقَّها. قال: ورأيته يخطب في يوم من الشِّتاء، عليه قميص وإزار قِطْرِيَّان، مُعْتَمٌّ بِسِبٍّ ممَّا ينسج(113) في سَوادكم، وكان من أحسن النَّاس وجهاً، خفيف المشي، ضحوك السِّنِّ، وقد أكثر النَّاس في مراثيه، فمن ذلك ما قال(114) أبو الأسود الدُّؤليُّ _من البحر الوافر_ وبعضهم يرويها لأمِّ الهيثم بنت العُرْيَان(115) اليحصبيَّة _(أنشد)_:
ألا يا عين ويحك أسعدينا ألا تبكي أمير المؤمنينا(116)
تبكِّي أمُّ كلثوم عليه بعَبْرتها وقد رأتِ اليقينا
ألا قُل للخَوارج حيث كانوا فلا قَرَّتْ عيونُ الشَّامتينا
أفي الشَّهر الحرام فجعتمونا بخير النَّاس طرًّا أجمعينا
قتلتم خير من ركب المطايا فذلَّلها ومن ركب السَّفينا
ومن لَبِسَ النِّعالَ ومَنْ حَذَاها ومن قرأ المثاني والمئينا(117)
وكلُّ مناقب الخيراتِ فيه وحِبُّ رسولِ ربِّ العالَمينا
لقد علمتْ قريشٌ حيث كانوا بأنَّك خيرُها حَسَباً ودينا
إذا استقبلتَ وجه أبي حُسين رأيت البدر راقَ النَّاظرينا
وكنَّا قبل مقتله بخير نَرى مولى رسولِ الله فينا
يقيم الحقَّ لا يرتاب فيه ويعدل في العِدَا والأقربينا
وليس بكاتمٍ علماً لديه ولم يُخْلَق من المتجبِّرينا
كأنَّ الناسَ إذ فَقَدُوا عليًّا نَعَامٌ(118) حَارَ في بلدٍ سنِينا
فلا تَشْمَتْ معاويةُ بنَ حربٍ فإنَّ بقيَّةَ الخلفاءِ فينا
وقال الفضل بن عبَّاس بن عتبة(119) (بن أبي لهب) _من البحر البسيط_:
ما كنتُ أعلم أنَّ الأمر منصرفٌ عن هاشمٍ ثمَّ منها عن أبي حَسَنِ
البَرُّ أوَّلُ مَنْ صلَّى لقبلتِه وأَعْلَمُ النَّاسِ بالقرآنِ والسُّننِ
وآخِرُ النَّاس عهداً بالنَّبيِّ ومَنْ جبريلُ عوناً له في الغُسْلِ والكَفَنِ
من فيه ما فيهمُ لا يمترون به وليس في القومِ ما فيه من الحسن
وقال إسماعيل الحميريُّ _أيضاً من البسيط_:
سائلْ قريشاً به إن كنت ذا عمهٍ من كان أثبتُها في الدِّين أوتادا
مَنْ كان أقدَمُها سِلْماً وأكثرُها عِلْمَاً وأَطْهَرُها أَهْلاً وأولادا
مَنْ وَحَّدَ الله إذْ كانت مكذِّبةً تدعو مع الله أوثاناً وأندادا /
من كان يقدم في الهيجاء إن نكلوا عنها وإن يبخلوا في أزمةٍ(120) جادا
من كان أعدلها حكماً وأبسطها حِلْماً وأصدقها وَعْداً وإيعادا
إن يصدقوك فلن يعدو أبا حسنٍ إن أنت لم تَلْقَ للأبرارِ حُسَّادا
[إن أنت لم تَلْقَ أقواماً ذوي صلفٍ وذا عنادٍ لحقِّ الله جحَّادا]
وفيه مراثي غير هذه، فلنقتصر عليها.
قال كمال الدِّين الدَّميريُّ: إن قيل: كيف سمَّى الشَّافعيُّ ابن ملجم متأوِّلاً؟! وأيُّ تأويل كان له؟ أجيب بأنَّ قَطَامِ طلبت منه ثلاثة آلاف وعبداً وجارية، وقُتل علي بأبيها، ووكَّلته في ذلك قَوَداً، وزعمت أنَّه قتله بغير حقٍّ، فظنَّ المغرور أنَّها صادقة في ذلك، ولذلك(121) قال الشَّاعر _من البحر الطَّويل(122)_:
فلم أَرَ مَهْراً ساقَهُ ذو فَطَانةٍ كمَهْرِ قَطَامٍ بين عُرْبٍ وأَعْجُمِ
ثلاثة آلافٍ وعَبْد وقَيْنَة وقَتْل عليٍّ بالحُسَام المسمَّمِ(123)
فلا مَهْرَ أغلى من عليٍّ وإن عَلاَ ولا قتلَ إلَّا دون قتلِ ابنِ ملجمِ
تتمَّة:
إن قلت: ذكرت أنَّ ابن ملجم قتل، والعبَّاس بن عليٍّ صغير، ومذهب الشَّافعيِّ أنَّه ينتظر بلوغ الصَّبيِّ(124) ، (كما ينتظر) إفاقة المجنون، فكيف جاز لهم ذلك؟ قلت: الحسن، والحسين، وعبد الله بن جعفر صحابيُّون مجتهدون، وربَّما سرى اجتهادهم إلى ذلك، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة ومالك، وهو رواية عن أحمد ▓ على أنَّ قول الصَّحابيِّ وفعله ليس بحجَّة عندنا، كما بيَّن علماء الأصول، وأيضاً أجاب أصحابنا عن هذه الواقعة بأنَّه قتل حدَّ الكفر، لا قصاصاً؛ لأنَّه صلعم أخبر أنَّه أشقى الآخرين، وحكى في المهذَّب(125) ، في باب البغاة أنَّ قاتل الإمام يقتل قصاصاً أو حدًّا، حتَّى يتحتَّم قتله، كقاطع الطَّريق؛ لأنَّ قتل الإمام من الفساد في الأرض، فإن قلت: نقلت عن الشَّافعيِّ أنَّ ابن ملجم متأوَّل. وقلتَ ههنا: إنَّه كافر. قلت: متأوِّل بتأويل ركيك ضعيف، لا يحتجُّ به؛ لأنَّ المعتبر في التَّأويل أن يكون محتملاً، كتأويل أهل الجمل وصفِّين، في مطالبتهم بدم عثمان، حين اعتقدوا أنَّ عليًّا يعرف من قتله، فلو كان التَّأويل قطعيَّ البطلان، فالأوفق لإطلاق الأكثرين أنَّه غير معتبر، كتأويل أهل الرِّدَّة؛ حيث قالوا: أمرنا بدفع الزَّكاة إلى من صلاته سكن لنا، وهو رسول الله صلعم، وصلاة غيره ليست لنا سكناً. ووجه مقابله أنَّه قد يغلط في القطعيَّات، فتأمَّل.
وقتل عليٌّ سنة أربعين من الهجرة، وقد ذكرنا سنة وشهر الوفاة، ╩.
[1] في (ن): (اسمه).
[2] في (ن): (بثمان).
[3] في غير (ن): (خمساً) وهو تحصيف.
[4] في السنن الصغرى، حديث رقم (2239)، باب الولد يتبع أبويه في الدين ما لم يبلغ 5/521.
[5] في (ن) تصحيفاً: (هاشمين).
[6] في (ن) تصحيفاً: (ما أخذ).
[7] في غير (ن): (على).
[8] أخرجه البخاري برقم 3706، ومسلم برقم 2404.
[9] في غير (ن): (لأنه).
[10] أخرجه الحاكم في المستدرك:3/15، برقم 4288.
[11] أسد الغابة:4/87.
[12] في غير (ن): (رسوله).
[13] 4/90.
[14] في (ن): (أظهره) وسقطت من (ف) كلمة (إسلامه).
[15] في (ن) تصحيفاً: (حربة).
[16] أسد الغابة:4/93.
[17] في الأصل: عبد الملك بن سليمان، والمثبت من أسد الغابة:4/95.
[18] في (ن) تصحيفاً: (عباس).
[19] في (ن) تصحيفاً: (حاشية).
[20] في الأصول (البسطة) وما أثبته ألصق بالمعنى؛ لما تحمل من معنى التوسط، والسِّطة: مصدر من قولك: وسَطَهم، ولموافقته تهذيب الكمال:20/487.
[21] في (ن) تصحيفاً: (الماعور).
[22] في (ن): (قاله).
[23] شرح البخاري:2/109.
[24] في المصادر كلها: عن أبي بحر، عن شيخ لهم، وانظر (السنة للخلال) برقم 473، 2/354، وإسناده ضعيف.
[25] في (ن) أهل نقطها وتقرأ: (سبع).
[26] في غير (ن): (كرابسيين).
[27] في (ن): (في أمره).
[28] سقط قوله: «أخره بمكة... إلى قوله: وأخرج إليه أهله، و» من غير (ن) و(ف).
[29] في غير (ن): (الفراش).
[30] في غير (ن): (وكانا).
[31] سقطت (نظرت) من نسخة (ن) و(ف)، واستدركت من باقي النسخ.
[32] في (ن): (لي).
[33] ألقوا عليه رَحَىً فقتلوه، وجاء في أسد الغابة 4/94: (وقيل: محمد بن مسلمة)، وهو تصحيف.
[34] في (ن): (لنعطين).
[35] أسد الغابة:4/98.
[36] في غير (ن): (نبيي محمد).
[37] في (ن): (الملائكة به).
[38] في (ن): (نزلت).
[39] سقط من (ن) قوله: (تعالوا) من الآية.
[40] في غير (ن): (النبي).
[41] في (ن) تصحيفاً: (ترني).
[42] أخرجه الترمذي برقم (3726) وقال: حديث حسن غريب.
[43] في غير (ن): (ليستقبلهم).
[44] في (ن) تصحيفاً: (فهبناه) وكذلك الموضع بعده.
[45] في (ن) تصحيفاً: (وحامتي).
[46] في غير (ن): (طير).
[47] في غير (ن): (طائر).
[48] أسد الغابة:4/105.
[49] في (ن): (يحمل).
[50] في (ن): (فأخذ بأصبعه).
[51] الخبر في السيرة الحلبية دون البيت:3/200، والبيت مع إشارة للخبر في عمدة القاري للعيني:16/215.
[52] في (ن) تصحيفاً: (فقالت).
[53] في (ن) تصحيفاً: (القران).
[54] في (ن): (حائل).
[55] في (ن): (فهو).
[56] في غير (ن): (يفتحن).
[57] في (ن) تصحيفاً: (أباك).
[58] في غير (ن): (ليس في ذلك).
[59] في (ن) تصحيفاً: (ابن).
[60] مسند الإمام أحمد برقم (557) وإسناده ضعيف، لضعف سفيان بن وكيع.
[61] في غير (ن): (بشره).
[62] في (ن) تصحيفاً: (محتف).
[63] برقم (2510) باب ذكر الخوارج، وما بين حاصرتين من أسد الغابة:4/108.
[64] في (ن) تصحيفاً: (قال المعري مولاهم).
[65] طمست هذه الجملة في نسخة (ف).
[66] في (ن): (خلافه).
[67] في غير (ن): (لا تريدوا) وأيضاً في غيرها: (الأمير) بدل (أمير).
[68] الخبر في ذخائر العقبى للطبري:1/111، وفيه: لا تريدوني، فإني لكم وزير. وما بين حاصرتين من مصادر الترجمة.
[69] البيتان في ديوانه، برواية ابن السكيت وشرحه: ص192، والرواية فيه: (أنت الأمين) و(لم يؤثروك) و(كانت بها الإثر).
[70] في غير (ن): (قال).
[71] في (ن) تصحيفاً: (سالمه عقب).
[72] في (ن): (السير).
[73] في غير (ن): (فتترس).
[74] ذكره البيهقي في كتابه: لباب الأنساب والألقاب والأعقاب:1/12.
[75] في غير (ن): (في).
[76] ذكره الزمخشري في كشافه عند تفسير آية المودة (قل لا أسألكم) وحكم عليه ابن حجر بالوضع، وتابعه الألباني في الضعيفة:10/450.
[77] تذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة: ص325.
[78] في غير (ن): (رسول الله).
[79] أورده ابن أبي حاتم في العلل:1/365، رقم (1080) وقال: هذا حديث منكر جداً.
[80] في (ن): (سأله).
[81] قال الحافظ ابن حجر في الفتح تحت حديث رقم (4921): ورواه الثعلبي من حديث أبي ذر مطوَّلاً، وإسناده ساقط.
[82] في (ن): (مزية) والكلام بعده يرجح المثبت.
[83] في (ن): (ثلاثة عشر).
[84] في (ن): (حبي في).
[85] في غير (ن): (بتنقيصهما).
[86] في (ن) تصحيفاً: (الغلام) واضطربت العبارة فيها أيضاً وتقدم فيها كلام وتأخر كلام فأصلحته من غيرها.
[87] في غير (ن): (إن خرجت).
[88] في غير (ن): (معذوراً).
[89] سقطت جملة من الكلام من غير (ن) و(ف) من قوله: (قلنا فحدثنا عن ابن مسعود...) إلى قوله: (وجثم)، ولكن تقدم سؤالهم عن (عمار) على (ابن مسعود) في (ف).
[90] لم أجد هذا النقل في الإحياء، فليراجع.
[91] في غير (ن): (وأشار).
[92] في (ن): (واسم).
[93] في غير (ن): (سبيع) وكلاهما محتمل للاختلاف في اسمه.
[94] في (ن): (أذكر).
[95] ما بين حاصرتين سقط من الأصول واستدرك من أسد الغابة:4/102.
[96] في (ن): (أجسميفتحن).
[97] في غير (ن): (عفيت).
[98] في غير (ن): (دعوهن).
[99] أسد الغابة:4/112.
[100] جاء في (ه) وفي أكثر المصادر (التميمي)، وكذا (بكير) ففي أسد الغابة 4/112: وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي 1/155: (بكير)، واضطرب في تاريخ دمشق، فمرة (بكر) ومرة (بكير).
[101] في غير (ن): (هذه).
[102] في غير (ن): (عن).
[103] في (ن): (سبعة عشر).
[104] في (ن) تصحيفاً: (مسحنة).
[105] في (ن) و(ف): (فأعجبها فخطبها)، وقوله: فأعجبها مصحفة، والمثبت من تاريخ دمشق:42/588.
[106] في غير (ن): (تعطيني).
[107] كذا ضبطه هنا، وفي كثير من المصادر، منها: المعجم الكبير للطبراني، وأسد الغابة، ومقاتل الطالبين هو شبيب بن نجدة، وكذا اضطرب اسم قطام بنت شحنة، فهي عند ابن الأثير في أسد الغابة:2/304 بنت شجنة، بالجيم وعند المبرد في الكامل: بنت علقمة، وفي نسخة (ف) سحنة، بالسين والحاء المهملتين.
[108] في غير (ن): (عمرو).
[109] كذا في (ه)، وفي بقية النسخ (الأود)، وهو موافق لما في تاريخ دمشق وفسرها بالعوج، وابن النباح هو عامر، تهذيب الكمال:20/475، وهو ممن روى عنه، وتصحف في (ن) إلى (التياح).
[110] في (ن) تصحيفاً: (درية).
[111] أي مقدار فواق، والفواق: بضم الفاء وفتحها: ما بين الحلبتين من الراحة، حتى تدر، قاله ابن الأثير، وقال السندي: يحتمل أن المراد ما بين جَرِّ الضرع إلى جَرِّه مرة أخرى، وهو أنسب ببيان القليل.
[112] الخبر بطوله في تاريخ دمشق لابن عساكر:42/558، وترجمته فيه، وفي طبقات ابن سعد:3/26.
[113] السِّب: شُقَّةَ كَتَّان رقيقة، والثياب القِطْرية: ضرب من البرود لهاأعلام إلى الحمرة ما هي، فيها بعض الخشونة، تحمل من البحرين. (اللسان). وجاء في (ن): (بسيب) بزيادة ياء.
[114] في غير (ن): (قاله).
[115] في (ن): (الغربال).
[116] الأبيات في أسد الغابة لابن الأثير:4/116 مع الأبيات بعدها. وكذا في الوافي بالوفيات للصفدي:6/447.
[117] في (ن): (والمبينا).
[118] في (ن): (بعام).
[119] سقط من الأصول: (بن عتبة) واستدركت من أسد الغابة.
[120] في (ن): (جدبة).
[121] في (ن): (وكذلك).
[122] الأبيات في المعجم الكبير للطبراني:1/97، وقد نسبها للفرزدق، وهي في مجمع الزوائد للهيثمي:9/47 منسوبة لابن أبي عياش المرادي وعند الطبري في تاريخه:4/116 منسوبة لابن أبي مياس، ونسبها النويري في نهاية الأرب لعبد الرحمن بن ملجم قاتله الله.
[123] في غير (ن): (المصمم).
[124] في غير (ن): (الصغير).
[125] المجموع شرح المهذب:19/197.