غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

عطاء بن أبي رباح

          904 # عَطَاءُ بنُ أبي رَبَاحٍ _بفتح الرَّاء، وخفَّة الموحَّدة، آخره مهملة_ اسم أبيه أسلم، أبو محمَّد التَّابعيُّ الكبير، مولى آل أبي خُثيم(1) ، القرشيُّ، الفِهْريُّ، المكِّيُّ، وهو من مولَّدي الجَنَد، نشأ بمكَّة.
          ثقة، فقيه، فاضل، لكنَّه كثير الإرسال، وقيل: إنَّه تغير في آخر عمره(2) . عاش مئة سنة.
          سمع: ابن عبَّاس، وجابر بن عبد الله، وأبا هريرة، وعُبيد بن عُمير، وعروة بن الزُّبير.
          روى عنه: عمرو بن دينار، والزُّهريُّ، ويزيد بن أبي حبيب، وقتادة، وأيُّوب، وابن جُريج، وحبيب المعلِّم.
          نقل عنه البخاريُّ بالواسطة في مواضع، أوَّلها: في باب عظة الإمام النِّساء [خ¦98] .
          كان جَعْدَ الشَّعر، أسودَ، أفطسَ، أشلَّ، أعرجَ، أعورَ، ثمَّ عَمي بعد ذلك، كان من أجلَّاء الفقهاء، قال إسماعيل بن أميَّة: كان عطاء يطيل الصَّمت، فإذا تكلَّم خيِّل إلينا أنَّه مؤيَّد من عند الله. حجَّ سبعين حجَّة. ومن غرائبه أنَّه قال: إذا كان (يوم) العيد يوم الجمعة وجبت صلاة العيد، ولا تجب بعدها لا جمعة ولا ظهر، ولا صلاة بعد العيد إلى العصر، قاله الكرمانيُّ(3) .
          قال قتادة: أعلم النَّاس بالمناسك عطاء بن أبي رباح. قال إبراهيم بن عمرو بن كيسان: أذكرهم في زمان بني أميَّة، يأمرون في الحاجَّ صائحاً يصيح: لا يفتي النَّاس إلَّا عطاء بن أبي رباح. وإيَّاه عنى الشَّاعر _من البحر الطَّويل_:
سلِ العالمَ المكِّيَّ هل في تزاورٍ                     وضَمَّةِ مشتاقِ الفؤادِ جُنَاحُ
          وإياه عنى فأجاب:
فقال معاذَ اللهِ أن يُذْهِبَ التُّقَى                     تَلاصُقُ أكبادٍ بهنَّ جِرَاحُ(4)
          قيل: لمَّا بلغه البيتان قال: والله ما(5) قلت شيئاً من هذا.
          ونقل بعض أصحابنا الشَّافعية أنَّه كان يرى وطء الجواري(6) بإذن أربابهن، ونقل شارحُ مشكلاتِ الوسيط والوجيز العجليُّ أنَّ عطاء كان يبعث بجواريه إلى أضيافه، والذي أعتقده أنا أنَّ هذا بعيد، ولو كان يرى الحِلَّ، كان(7) المروءة والغيرة تأبى ذلك، فكيف يظنُّ هذا بمثل ذاك السَّيِّد الإمام؟ قاله ابن خلِّكان(8) ، قال: ولم أذكره إلَّا لغرابته.
          قال سليمان بن رُفيع: دخلت المسجد الحرام، والنَّاس مجتمعون على رجل، فاطَّلعت فإذا (هو) عطاء بن أبي رباح جالس، كأنَّه غراب أسود.
          وذكر حجَّة الإسلام الغزاليُّ في الإحياء(9) (أنَّ عطاء) دخل على عبد الملك بن مروان وهو جالس على سريره، وحوله الأشراف من كلِّ بطن، وذلك بمكَّة، وقت حجِّه في خلافته، فلمَّا نظره قام إليه، وأجلسه معه على سريره، وقال: يا أبا(10) محمَّد، (قل) حاجتك، فقال: يا أمير المؤمنين، / اتَّق الله في حرم الله وحرم رسوله، وتعاهده بالعمارة في أولاد المهاجرين والأنصار، فإنَّك(11) بهم نلت هذا المجلس، واتَّق الله في أهل الثُّغور، فإنَّهم حصن المسلمين، وتفقَّد المسلمين، فإنَّك وحدك المسؤول عنهم، واتَّق الله فيمن على بابك، ولا تغفل عنهم، ولا تغلق بابك دونهم. فقال له: أفعل. ثمَّ نهض وقام، فقبض عليه عبد الملك، وقال: يا أبا محمَّد، إنَّما سألتنا حاجة لغيرك(12) ، وقد قضيناها لك، فما حاجتك؟ فقال: ما لي إلى مخلوق حاجة. ثمَّ خرج، فقال عبد الملك: هذا وأبيك(13) الشَّرف، هذا وأبيك الشَّرف          .
          وروي أنَّ الوليد بن عبد الملك قال لحاجبه يوماً: قف على الباب، فإذا مرَّ بك رجل فأدخله عليَّ ليحدِّثني، فخرج الحاجب، فوقف على الباب [مدَّة] ، فمرَّ به عطاء بن أبي رباح، وهو لا يعرفه، فقال: يا شيخ، ادخل إلى أمير المؤمنين، فإنَّه أمر بذلك. فدخل عطاء على الوليد، وعنده عمر بن عبد العزيز، فلمَّا دنا منه عطاء، قال: السَّلام عليك يا وليد. فغضب الوليد على حاجبه، فقال له: ويلك، أمرتك أن تدخل عليَّ رجلاً يحدِّثني ويسامرني، فأدخلت عليَّ رجلاً لم يرض أن يسمِّيني بالاسم الذي اختاره الله لي. فقال له حاجبه: ما مرَّ بي غيره. ثمَّ قال لعطاء: اجلس. وأقبل عليه يحدِّثه، فكان ممَّا حدَّث به عطاء أن قال: بلغنا أنَّ في جهنم وادياً يقال له: هبهباً، أعدَّه الله تعالى لكلِّ إمام جائر في حكمه. فصعق الوليد من قوله، وكان جالساً بين [يدي] عتبة باب المجلس، فوقع على قفاه إلى حرف المجلس(14) مغشيًّا عليه، فقال عمر لعطاء: قتلت أمير المؤمنين. فقبض عطاء [على] ذراع عمر بن عبد العزيز، فغمزه غمزة شديدة، وقال: يا عمر، إنَّ الأمر جِدٌّ فَجِد. ثمَّ قام عطاء وانصرف، فبلغنا أنَّ عمر بن عبد العزيز قال: مكثت سنة أجد ألم غمزته في ذراعي.
          توفِّي سنة أربع عشرة، أو خمس عشرة ومئة، عن ثمان وثمانين سنة، وهذا مخالف لما مضى.
          قال أبو نعيم الأصفهانيُّ(15) : كان المسجد فراش عطاء بن أبي رباح عشرين سنة، وكان من أحسن النَّاس صلاة، فلمَّا كبر وضعف كان يقوم إلى الصَّلاة فيقرأ مئتي آية من سورة البقرة، [وهو قائم] لا يزول منه شيء، ولا يتحرَّك. قال سفيان بن عيينة: قلت لأبي جُريج: ما رأيت مصليًّا مثلك. قال: لو رأيت عطاء!
          قال معاذ بن سعد(16) : كنت عند عطاء بن أبي رباح جالساً، فحدَّث بحديث، فعرض رجل من القوم (في) حديثه، فغضب، وقال: ما هذه الأخلاق، وما هذه الطَّبائع؟ إنِّي لأسمع الحديث من الرَّجل وأنا أعلم منه به، فأريه أنِّي لا أحسن شيئاً منه.
          قال أحمد بن محمَّد الشَّافعيُّ: كانت الحلقة في الفتيا بمكَّة في المسجد الحرام لابن عبَّاس، وبعده لعطاء بن أبي رباح. قال سلمة بن كهيل: ما رأيت أحداً يطلب بعلمه ما عند الله إلَّا ثلاثة: عطاء، وطاووساً، ومجاهداً.
          قال عمر بن ذرٍّ: ما رأيت مثل عطاء، ما رأيت على عطاء قميصاً قطُّ، / ولا رأيت عليه ثوباً يساوي خمسة دراهم. قال ابن جريج: رأيت عطاء يطوف بالبيت، فقال لقائده: أمسكوا، احفظوا عنِّي خمساً: القدر، خيره وشره، وحلوه ومرُّه من الله، ليس للعباد فيه مشيئة ولا تفويض، وأهل قبلتنا مؤمنون، حرام دماؤهم وأموالهم إلَّا بحقِّها، وقتال الفئة الباغية بالأيدي والنِّعال، لا بالسِّلاح، والشَّهادة على الخوارج بالضَّلالة.
          وقال عطاء: كانت فاطمة بنت رسول الله صلعم لتعجن، وإن قَصَّتَها لتكاد أن تضرب الجفنة. وقال: من جلس مجلس ذكر كفَّر الله عنه بذلك المجلس عشرة مجالس من مجالس الباطل، فإن كان ذلك في سبيل الله كفَّر الله (عنه) بذلك المجلس سبعمئة مجلس من مجالس الباطل. قيل لعطاء: ما مجلس الذِّكر؟ قال: مجلس الحلال والحرام، وكيف تصلِّي، وكيف [تصلِّي، وكيف] تنكح، وكيف تطلِّق، وتبيع وتشتري؟ وقال: ما قال عبد قطُّ: يا ربِّ. ثلاث مرَّات، إلَّا نظر الله إليه. فذكر ذلك للحسن البصريِّ، فقال: ما تقرؤون القرآن؟ { رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ } إلى قوله تعالى: { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ } [آل عمران:193-195] قلت: مراد الحسن أنَّ كلام عطاء مأخوذ من قول الله؛ حيث وعد بالاستجابة لمن قال ثلاثاً: يا ربِّ، يا ربِّ.
          قال عطاء: النَّظر إلى العابد عبادة. عن عمر بن الورد قال: قال لي عطاء: إن استطعت أن تختلي بنفسك عشيَّة عرفة فافعل. [قلت:] وهذا ممَّا يقوِّي جانب من يقول بالتَّعريف بغير عرفات، فإنَّ للسَّلف فيه خلافاً، والتَّعريف اجتماع النَّاس بعد العصر يوم عرفة للدُّعاء. قال البخاريُّ في صحيحه: أوَّل من عَرَّف بالبصرة ابن عبَّاس، ومعناه أنَّه كان إذا صلَّى العصر يوم عرفة أخذ في الدُّعاء والذِّكر والضَّراعة إلى الله تعالى إلى غروب الشَّمس، كما يفعل أهل الموقف، ولهذا قال الإمام أحمد: أرجو أنَّه لا بأس به. وقد فعله الحسن وجماعة، وكرهه جماعة، منهم مالك. قال النَّوويُّ(17) : ومن جعله بدعة لم يلحقه بفاحشات البدع، بل يخفِّف أمره.
          قال أبو إسماعيل الكوفيُّ: سألت عطاء بن أبي رباح عن شيء فأجاب، فقلت: عمن ذا؟ فقال: ما اجتمعت عليه الأمَّة أقوى عندنا من الإسناد. قلت: فهذا صريح منه بحجِّيَّة الإجماع، وهو القول الصَّحيح، والمذهب، وسبيل المؤمنين. قال الله تعالى: { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا } [النساء:115] وهذا من أقوى الحجج على حقيقة(18) الإجماع، كما استنبطه الشافعي ☺ بفكره (الرَّضيِّ؛ لأنَّه) توعَّد على مخالفة سبيل المؤمنين، والوعيد لا يكون إلَّا بارتكاب محظور، وإذا كانت مخالفتهم حراماً كانت موافقتهم هو الحقَّ، وفي الآية أبحاث شريفة، من أراد الوقوف عليها فعليه بالمحصول للإمام فخر الدِّين الرَّازيِّ(19) ، وإن عجز فمنهاج البيضاويِّ المتولِّد منه، وإنَّما أعرضت عنها / مع استحضاري لها خوفاً من الملال، وأيضاً ليس الكتاب معقوداً لذلك، نعم لا بأس بالإشارة ليتدرَّب الطَّالب، ويتشوَّق لتحصيل(20) الكتب والرَّغبة في العلم.
          قال مَعْقِل بن عُبيد الله الجَزَريُّ: قلت لعطاء: إنَّ ههنا قوماً يزعمون أنَّ الإيمان لا ينقص ولا يزيد. فقال: { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى } [محمد:17] فما هذا الهدى الذي زادهم [الله] ؟ فقلت: إنَّهم يزعمون أنَّ الصَّلاة والزَّكاة ليس من دين الله. قال: فتلا { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } [البينة:5]
          وقال أبو حنيفة: لقيت عطاء بمكَّة، فسألته عن شيء، فقال: من أين أنت؟ فقلت(21) : من أهل الكوفة. قال: من أهل القرية الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعاً. قلت: نعم. قال: فمن أيِّ الأصناف أنت؟ قلت: ممَّن لا يسبُّ السَّلف، ويؤمن بالقدر، ولا يكفِّر أحداً بذنب. فقال لي عطاء: عرفت فالزم.
          قال محمَّد بن سوقة: ألا أحدِّثكم بحديث؟ لعلَّه أن ينفعكم، فإنَّه نفعني، قال لي عطاء: يا ابن أخي، إن كان من قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام، وكانوا يعدُّون فضول الكلام ما عدا كتاب الله أن يُقرأ، أو أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو تنطق بحاجتك في معيشتك التي لا بدَّ لك منها، أتنكرون أنَّ عليكم حافظين، كراماً كاتبين، عن اليمين وعن الشِّمال قعيد، ما يلفظ من قول إلَّا لديه رقيب عتيد؟ أما يستحي أحدكم لو نشرت عليه صحيفته التي أملاها(22) صدر نهاره؟ أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ولا دنياه.
          قال عطاء: إذا تناهقت الحُمُر من اللَّيل، فقولوا: ╖، أعوذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم. وقال عطاء _في قوله تعالى: { وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ } [النمل:48]_: كانوا يَقْرضون الدَّراهم. أي: يقصُّون من جوانبها. قال عبيد الله بن الوليد الوصافيُّ: قلت لعطاء: صاحب قلم(23) إن كتب عاش هو وعياله، وإن تركه افتقر. قال: من الرَّأس؟ قلت: خالد بن عبد الله القسريُّ. قال: قال العبد الصَّالح: { رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ } [القصص:17] قلت: هذا خالد بن عبد الله القسريُّ، كان أميراً على العراقين على زمن هشام بن عبد الملك، وكان معدوداً من جملة خطباء العرب المشهورين بالفصاحة والبلاغة، وكان من الكرماء، وهو من ذرِّيَّة الشِّقِّ والسَّطيح الكاهنين، وقد مضى ذكرهما.
          قيل لعطاء: ما أفضل ما أعطي العبد؟ قال: العقل عن الله، وهو المعرفة بالدِّين. قال عطاء: سئل رسول الله صلعم أيُّ النَّاس أحسن قراءة؟ قال: «الذي إذا قرأ رأيت أنَّه يخشى الله». وقال: قال ابن عبَّاس: سمعت رسول الله صلعم يقول: «إنَّ لله ملكاً لو قيل له: التقم(24) السَّموات السَّبع والأرضين بلقمة واحدة لفعل، تسبيحه: سبحانك حيث كنت».
          وقال: قال ابن عمر: أحدِّثكم، ولو لم أسمع من رسول الله صلعم إلَّا مرَّة ومرَّة ومرَّة _حتَّى عدَّ سبع مرار(25)_ ما حدَّثت به، / سمعت رسول الله صلعم يقول: «ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة، لا يهولهم الحزن، ولا يفزعون حين يفزع النَّاس: رجل تعلَّم القرآن، فأمَّ به قوماً يطلب به وجه الله وما عنده، ورجل نادى في كلِّ يوم وليلة خمس مرَّات للصَّلاة(26) ، يطلب به وجه الله وما عنده، وعبد مملوك لم يمنعه رقُّ الدُّنيا عن طاعة ربِّه».
          وقال: عن ابن عمر أتى(27) علينا زمان وليس أحد أحقُّ بدرهمه ولا بديناره من أخيه المسلم؛ حتَّى كان حديثاً، ولقد سمعت رسول الله صلعم يقول: «إذا ضنَّ النَّاس بالدِّينار والدِّرهم، وتبايعوا بالعِيْنَة، واتَّبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، أدخل الله عليهم الذِّلة، ثمَّ لا تنزع عنهم حتَّى يراجعوا دينهم».
          وقال: قال ابن عمر: أتى رجل من الحبشة إلى رسول الله صلعم يسأله، فقال صلعم: «سل واستفهم». فقال: يا رسول الله، فضِّلتم علينا بالصُّور والألوان والنُّبوَّة، أفرأيت إن آمنت بمثل ما آمنت(28) به، وعملت مثل(29) ما عملت به إنِّي لكائن معك في الجنَّة؟ قال: «نعم». (ثمَّ) قال صلعم: «والذي نفسي بيده إنَّه ليُرى بياض الأسود في الجنَّة من مسيرة ألف عام». ثمَّ قال صلعم: «من قال: لا إله إلا الله كان له بها عهد عند الله، ومن قال: سبحان الله وبحمده كتب له مئة ألف حسنة، وأربع وعشرون ألف حسنة». فقال رجل: كيف نهلك بعد هذا يا رسول الله؟ فقال: «إنَّ الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل لو وضع على جبل لأثقله، فتقوم النِّعمة من نعم الله، فتكاد أن تستنفذ ذلك كلَّه؛ إلَّا أن يتطاول الله برحمته(30) ». ونزلت هذه الآية: { هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا } [الإنسان:1] ، إلى قوله: { رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا } [الإنسان:20] ، قال الحبشيُّ: وإنَّ عيني لترينَّ ما ترى عيناك في الجنَّة؟ قال صلعم: «نعم». فاستبكى، حتَّى فاضت نفسه، قال ابن عمر: لقد رأيت رسول الله صلعم يدليه في قبره بنفسه. رواه عفيف بن سالم أحد الزُّهَّاد والعبَّاد من أهل الموصل، وكان الثَّوريُّ يسمِّيه الياقوتة.
          وقال: [قال:] ابن عمر: ما من عبد مؤمن يتوب إلى الله قبل الموت بشهر إلَّا قبل الله منه، وأدنى من ذلك، وقبل موته بيوم أو ساعة، يعلم الله منه التَّوبة والإخلاص إلَّا قبل الله منه.
          وقال: قال ابن عُمر: أقبل علينا النَّبيُّ صلعم، فقال: «لم يمنع قوم زكاة أموالهم إلَّا منعوا القطر من السَّماء، ولولا البهائم لم يمطروا».
          وقال: قال ابن عُمر(31) : قال رسول الله صلعم: «ليس منَّا من تشبَّه بالرِّجال من النِّساء، ولا من تشبَّه(32) بالنِّساء من الرِّجال». وقال: قال ابن عمر: قلت: يا رسول الله، أقيِّد العلم؟ قال: «نعم». (قلت): وما تقييده؟ قال: «الكتابة».
          وقال: قال أبو هريرة: قال صلعم: «لا يزني الزَّاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السَّارق حين يسرق وهو مؤمن، [ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن،] إنَّما الإيمان كالسِّربال، فإذا واقع العبد شيئاً من هذه الخطايا خلع كما يخلع سرباله».
          وقال: قال أبو هريرة: دخل صلعم ومعه أسامة بن زيد، فصلَّى أسامة / ركعتين، ثمَّ احتبى، وأطال صلعم الصَّلاة، فلمَّا قضى صلاته، قال: «يا أسامة، لقد قصرت الصَّلاة، وأطلت الحبوة، كيف بك إذا خلِّفت في قوم يقصرون الصَّلاة، ويطيلون الحبوة، ويأكلون أنواع الطَّعام، ضحكهم القهقهة، وضحك المؤمنين التَّبسُّم، أولئك شرار أمَّتي». ثلاثاً.
          وقال: دعي أبو سعيد إلى وليمة وأنا معه، فرأى صفرة وخضرة، فقال: أما تعلمون أن رسول الله صلعم إذا تغدَّى لم يتعشَّ، وإذا تعشَّى لم يتغدَّ.
          قال عطاء: دخلت نسوة من أهل حمص على عائشة، فقالت: لعلكنَّ من اللَّواتي يدخلن الحمامات؟ فقلن: إنَّا لنفعل ذلك. فقالت عائشة: أما إنِّي سمعت رسول الله صلعم: «أيُّما امرأة نزعت ثيابها في غير بيت زوجها هتكت ما بينها وبين الله ╡»(33) .


[1] في غير (ن): (مولى لأبي) و في الأصول كلها: (خيثم) وهو تصحيف، والجَنَدُ: بلد باليمن بين عدن وتَعِزَّ، وهو أحد مخاليفها المشهورة. (جند: تاج العروس).
[2] في غير (ن): (في أخرة).
[3] شرح البخاري:2/91.
[4] كذا نسبهما ابن خلكان في الوفيات لعطاء:3/261، وفي حلية الأولياء، في ترجمة الإمام الشافعي أنهما للشافعي، وساق نفس القصة إلا أن راوي الخبر هو سليمان بن الربيع، وكذا الأمر في طبقات الشافعية الكبرى:1/303، ورواية البيت الأول في غير (ن) زيادة كلمة (المفتي) قبل كلمة (العالم) وينكسر الوزن. وجاء في هامش (ه) قوله: والمصراع الأول من البيت الثاني غير هذا، وقد جاء في (ه) هكذا:
~يقول ما عاد أن يذهب التقى إذا تلاصق أكباد بهن جراح
وجاء البيت في (ن) و(س) على الجادة، والمثبت منهما، ومن ابن خلكان لأنه ينقل عنه.
[5] في (ن): (لقد) وهو تحريف.
[6] في (ن) تصحيفاً: (الجوار).
[7] في غير (ن): (لكن).
[8] وفيات الأعيان:3/262، وأخبار عطاء فيه.
[9] في غير (ن): (إحيائه) وانظر إحياء علوم الدين:2/345.
[10] في (ن): (يابا) وكذلك ما بعده.
[11] في غير (ن): (فإن).
[12] في غير (ن): (سألت حاجة غيرك).
[13] في غير(ن): (وأمك).
[14] في غير (ن): (العتبة).
[15] حلية الأولياء:3/310.
[16] في غير (ن): (سعيد).
[17] المجموع شرح المهذب:8/117.
[18] في غير (ن): (حقية).
[19] المحصول:4/17.
[20] في غير (ن): (إلى تحصيل).
[21] في (ن): (قال).
[22] في (ن): (أملأ).
[23] في غير (ن): (القلم).
[24] في غير (ن): (القم) و(لقمة) بدل (بلقمة).
[25] في غير (ن): (مرات).
[26] في غير (ن): (الصلاة) وفي (ن): (يطلب له) بدل (يطلب به).
[27] في (ن) تصحيفاً: (إلى).
[28] في (ن) تصحيفاً: (لنت).
[29] في غير (ن): (بمثل).
[30] كذا في الأصل (يتطاول) وفي حلية الأولياء:3/319 (يتطوَّل) والمعنى واحد، والطَّول بالفتح المنُّ، يقال منه: طال عليه وتطوَّل عليه إذا امتنَّ عليه، ومنه الحديث: تطاول عليهم الرب بفضله. (اللسان: طول).
[31] في غير (ن): (ابن عمرو).
[32] في (ن) تصحيفاً: (شبه).
[33] ما سبق من الأحاديث في حلية الأولياء:3/320- 325، وكلها أحاديث غريبة من حديث عطاء، إلا قوله: لا يزني الزاني فهو في البخاري برقم (6782)، دون قوله: إنما الإيمان كالسربال.