غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

عبد الرحمن بن جبر

          792 # عبدُ الرَّحمنِ بنُ جَبْر _بفتح الجيم، وسكون الموحَّدة_ بن عَمْرو بنِ زيد، أبو عَبْسٍ الأنصاريُّ، الحارثيُّ، المدنيُّ، الصَّحابيُّ.
          قال ابن حجر(1) : له في صحيح البخاريِّ حديث واحد.
          قال الكلاباذيُّ(2) : روى عنه عَبَايَةُ(3) بنُ رِفَاعَةَ بنِ رافع بن خَدِيْج.
          نقل عنه البخاريُّ بالواسطة، في الجمعة [خ¦907] .
          قال ابن الأثير(4) : هو أوسيٌّ أيضاً، غلبت عليه كنيته، كان اسمه عبد العزَّى(5) ، سمَّاه رسول الله صلعم عبد الرَّحمن. شهد بدراً، وهو ابن ثمان وأربعين سنة، وهو أحد قتلة(6) عدوِّ الله كَعْب بن الأَشْرفِ اليهوديِّ، الذي كان يؤذي النَّبيَّ صلعم والمؤمنين، وكان كتب بالعربيِّ قبل الإسلام.
          قال أبو عَبْسٍ: قال رسول الله صلعم: «ما اغبرَّتْ قدما عبدٍ في سبيل الله فتمسَّه النَّار».
          توفِّي سنة أربع وثلاثين، وصلَّى عليه عثمان، ونزل في قبره أبو بُردة بن نيار(7) ، ومحمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ، وسَلَمَةُ بنُ سَلاَمَةَ بنِ وَقْشٍ، ودفن بالبقيع، وهو ابن سبعين سنة، وكان يخضب بالحنَّاء.
          تتمَّة:
          يستحبُّ تغيير الاسم القبيح باسمٍ حَسَنٍ، والاسم الذي فيه تزكية بغيره، كما غيَّر صلعم عبد العزَّى بعبد الرَّحمن، وأتى شخص النَّبيَّ صلعم فقال: «ما اسمك»؟ فقال: اسمي غُراب. فقال: «بل أنت مُسْلِم». وإنَّما غيَّره لأنَّ فيه الغربة(8) والبعد، أو لأنَّه من خبيث(9) الطَّير، وغيَّر اسم عَتَلةَ بن عَبْدٍ إلى عُتْبة(10) ، كأنَّه كره العَتَلَةَ؛ لما فيه من الغلظة والشِّدَّة، إلى غير ذلك، والألقاب الحسنة لا ينهى(11) عنها، فقد لقِّب الصِّدِّيق بالعتيق، وعمر بالفاروق، وحمزة بأسد الله، وخالد بسيف الله، نعم قال الزَّمخشريُّ(12) : إلَّا ما أحدثه النَّاس في زماننا من التَّوسُّع، حتَّى لقبوا السَّفلة بالألقاب العليَّة، وهب أنَّ العذر مبسوط [في ذلك، فما العذر] في تلقيب من ليس في الدِّين في قَبيلٍ ولا دَبيرٍ بفلان الدِّين؟ لعَمْرُ الله، الغُصَّةُ(13) التي لا تساغ. قال: وأمَّا التَّلقيب المنهيُّ عنه في قوله تعالى: { وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ } [الحجرات:11] فإنَّما هو ما يتداخل المدعو به كراهة؛ لكونه تقصيراً [به] وذمًّا وشيناً، فأمَّا ما يحبُّه ممَّا يزينه وينوِّه به، فلا بأس. روي عن النَّبيِّ صلعم أنَّه قال: «من حقِّ المؤمن على أخيه أن يسمِّيه بأحبِّ أسمائه». ولهذا كانت التَّكنية من السُّنَّة والأدب الحسن. قال عمر ☺: أشيعوا الكنى، فإنَّها (منبِّهة). وقلَّ من المشاهير في الجاهليَّة في الإسلام(14) من ليس له لقب، ولم تزل هذه الألقاب الحسنة في الأمم كلِّها من العرب والعجم من غير نكير. انتهى.
          وأيضاً من حقِّ الولد على الوالد أن يسمِّيه بأحسن الأسماء، وأحبُّ الأسماء / إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرَّحمن، ولا يكره التَّسمية بأسماء الملائكة والأنبياء ويس وطه، خلافاً لمالك، وعن الحارث بن مِسْكِين أنَّه كره التَّسمية بأسماء الملائكة، ولهذا أنكر عمر على من نادى آخر: بيا ذا القرنين، فقال: سمَّيتم بأسماء الأنبياء، فلم ترضوا حتَّى سمَّيتم بأسماء الملائكة. وفي هذا إشارة إلى أنَّ ذا القرنين كان من الملائكة، كما ذهب إليه بعضهم، وكره مالك التَّلقيب بالمهديِّ، وأباح بالهادي، ومن أحبِّ الأسماء محمَّد. قال صلعم «من كان له ثلاثة من الولد ولم يسمِّ أحدَهم محمَّداً(15) فقد جَهِل».(16) وقال مالك: سمعت أهل المدينة يقولون: ما من أهل بيت فيهم اسمه(17) محمَّد إلَّا رزقوا رزق خير. قال ابن رشد: يحتمل أنَّهم عرفوا ذلك بالتَّجربة، أو يكون عندهم في ذلك أثر، وفي الحديث(18) : «ما عليكم أن يكون في كلِّ بيت محمَّد ومحمَّدان وثلاثة». وعن ابن عبَّاس أنَّه إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ألا ليقم من اسمه محمَّد فليدخل الجنَّة لكرامة محمَّد. فالحمد لله، ثمَّ الحمد لله، ثمَّ الحمد لله، وفي تفسير القرطبيِّ(19) عند قوله تعالى: { السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ } [الحشر:23] عن ابن عبَّاس أنَّه إذا كان يوم القيامة أخرج الله تعالى أهل التَّوحيد من النَّار، وأوَّل من يخرج من وافق اسمه اسم نبيٍّ، حتَّى إذا لم يبق فيها من وافق اسمه اسم نبيٍّ قال الله تعالى (لباقيهم): أنتم المسلمون وأنا السَّلام، وأنتم المؤمنون وأنا المؤمن. فيخرجهم من النَّار ببركة هذين الاسمين. والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنَّا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأمَّا التَّسمية بعبد النَّبيِّ، قيل: يجوز إذا قصد به النِّسبة إليه صلعم. ومال(20) الأكثرون إلى المنع خشية التَّشريك، واعتقاد حقية العبوديَّة، كما أنَّه لا يجوز التَّسمية بعبد الكعبة، وعبد العزَّى، وعبد عليٍّ، وعبد الحسين، وقنبر، وهو عبد عليٍّ، وكلُّ هذا من مبتدعات الرَّوافض، قاتلهم الله تعالى ما أبعدهم عن الحقِّ! ويكره الأسماء القبيحة، كحَرْبٍ، ومُرَّةَ، وكُلَيب، وشيطان، وظالم، و«أَخْنَعُ اسم عند الله رجل تسمَّى بشاهنشاه ملك الأملاك، لا ملك إلا الله»(21) فيحرم التَّسمية(22) بذلك؛ لمَّا صحَّ في الخبر، وعن القاضي أبي الطَّيِّب الطَّبريِّ التَّحريم في قاضي القضاة، وأفظع منها حاكم الحكَّام. قاله الدَّميريُّ(23) .
          تكملة:
          قال السُّبكيُّ في طبقاته(24) الكبرى _في ترجمة الماورديِّ_: إنَّ الخليفة في سنة تسع وعشرين وأربع مئة أراد أن يزاد في ألقاب جلال الدَّولة ابن بويه شاهنشاه الأعظم ملك الملوك، وخطب له بذلك، فأفتى بعض الفقهاء بالمنع، وأنَّه لا يقال: ملك الملوك إلَّا لله، وتبعهم العوامُّ، ورجموا الخطباء(25) بالآجُرِّ، وكتب إلى الفقهاء في ذلك، فكتب الصَّيْمَرِيُّ الحنفيُّ أنَّ هذه الأسماء يعتبر فيها القصد والنِّيَّة، وكتب القاضي أبو الطَّيِّب [الطَّبريُّ] بأنَّ إطلاق ملك الملوك جائز، ومعناه ملك ملوك الأرض. قال: وإذا جاز أن يقال: قاضي القضاة. جاز أن يقال: ملك الملوك. ووافقه التَّميميُّ من الحنابلة، وأفتى الماورديُّ بالمنع، وشدَّد الإنكار في ذلك، وكان الماورديُّ من خواصِّ جلال الدَّولة، فلمَّا أفتى بالمنع انقطع عنه، فطلبه جلال الدَّولة، فمضى إليه على وجل شديد، فلمَّا دخل، قال له: أنا أتحقَّق أنَّك لَوْ حَابَيْتَ أحداً / لَحَابَيْتَنِي؛ لما بيني وبينك، وما حملك على ذلك إلَّا الدِّين، فزاد بذلك محلُّك عندي. قال السُّبكيُّ(26) : ما ذكره أبو الطَّيِّب هو قياس الفقه، إلَّا أنَّ كلام الماورديِّ يدلُّ له حديث رواه الإمام أحمد عن النَّبيِّ صلعم: «أخنع(27) اسم عند الله يوم القيامة رجل يسمَّى ملك الأملاك». وقال أحمد: سألت أبا عمرو الشَّيبانيَّ عن أخنع؟ فقال: أوضع. والحديث في صحيح البخاريِّ(28) ، وفي حديث عَوف، عن خِلاَس، عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: «اشتدَّ غضب الله على من قتل نفسه، واشتدَّ غضب الله على رجل يسمَّى بملك الأملاك، لا ملك إلَّا الله» قال السُّبكيُّ: ولم تمكث دولة بني بويه بعد هذا اللَّقب إلَّا قليلاً، ثمَّ زالت، كأن لم تكن، ولم يعِشْ جلال الدَّولة بعد هذا اللَّقب إلَّا أشهراً، ثمَّ ولي الملك العزيز منهم، وبه انقرضت دولتهم. انتهى.
          قال الدَّميريُّ(29) : وفي منهاج الحليميِّ: يحرم أن يقال: الطَّبيب(30) ، فإنَّ الطَّبيب الله.


[1] مقدمة الفتح: ص417.
[2] الهداية والإرشاد:1/439.
[3] في (ن) تصحيفاً: (عبادة).
[4] أسد الغابة:3/428 (وهو ابن سبعين سنة) فيه نظر، وإنما هو اثنتان وثمانون سنة، لأن غزوة بدر في السنة الأولى من الهجرة، ووفاته سنة أربع وثلاثين، وشهدها وهو ابن ثمان وأربعين، فتأمل.
[5] في (ن) تصحيفاً: (عبد العزيز).
[6] في غير (ن): (وهو قتل).
[7] في (ن) تصحيفاً: (دينار).
[8] في غير (ن): (الغرابة).
[9] في (ن) تصحيفاً: (حيث).
[10] في الأصول: (عيلة بن المنذر) وفيه تصحيف وتحريف، والمثبت من تهذيب الكمال:19/314، ومن القاموس (عتل)، هو سُلَميٌّ، كنيته أبو الوليد، له صحبة.
[11] في غير (ن): (لا نهي).
[12] ربيع الأبرار:3/54، وما بين حاصرتين منه.
[13] في (ن): (العصمة).
[14] في غير (ن): (والإسلام).
[15] في غير (ن): (بمحمد).
[16] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير برقم (10914) من حديث مجاهد عن ابن عباس، ومن طريق أخرى برقم (17687) من حديث القاسم عن واثلة.
[17] في غير (ن): (اسم).
[18] الحديث في الطبقات الكبرى لابن سعد، عن محمد بن عثمان العُمري، عن أبيه، مرسلاً، بلفظ: ما ضر أحدكم لو كان في بيته محمد... الحديث.
[19] الجامع لأحكام القرآن:18/46.
[20] في (ن) تصحيفاً: (وقال).
[21] أخرجه البخاري برقم (6206) ومسلم برقم (2143) عن أبي هريرة.
[22] في غير (ن): (التشبيه).
[23] النجم الوهاج:9/529.
[24] طبقات الشافعية الكبرى:5/271، وما بين حاصرتين منه.
[25] في غير (ن): (الخطيب).
[26] طبقات الشافعية الكبرى:5/271، وفيه: ثم ولي الملك الرحيم منهم.
[27] في (ن): (أضع).
[28] برقم (6206)، والحديث في مسند الإمام أحمد برقم (7329).
[29] النجم الوهاج:9/529.
[30] في (ن): (الطيب) في الموضعين.