غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

عطاء بن أبي مسلم

          911 # عطاء بن أبي مسلم، أبو عثمان الخراسانيُّ، واسم أبيه ميسرة، وقيل: عبد الله.
          صدوق، يهم كثيراً، ويرسل، ويدلِّس، ولم يصحَّ أنَّ البخاريَّ أخرج له.
          قال ابن حجر(1) : ما أعلم من ذكره في رجال البخاريِّ سوى المزنيِّ، فإنَّه ذكره في التَّهذيب، وتعلَّق بقصَّة سيأتي بيانها، وليس فيها ما يقطع به لما زعمه.
          قال البخاري: حدَّثنا إبراهيم بن موسى، قال: حدَّثنا هشام، هو ابن يوسف، عن ابن جريج، قال: قال عطاء: عن ابن عبَّاس: كان المشركون على منزلتين من النَّبيِّ صلعم... الحديث(2) ، وفيه قصَّة تطليق عمر بن الخطَّاب قَريبة بنت أبي أميَّة، وغير ذلك.
          تعقبَّه أبو مسعود الدِّمشقيُّ، فقال: ثبت هذا الحديث، والذي قبله بهذا الإسناد، سوى الحديث المتقدِّم، في التَّفسير من تفسير ابن جريج، عن عطاء الخراسانيِّ، عن ابن عبَّاس، وابنُ جريج لم يسمع التَّفسير من عطاء الخراسانيِّ، وإنَّما أخذ الكتاب من ابنه عثمان، ونظر فيه. قال أبو عليٍّ: وهذا تنبيه بديع من أبي مسعود، فقد رُوِّينا عن صالح بن أحمد بن حنبل، عن عليِّ بن المدينيِّ قال: سمعت هشام بن يوسف يقول: قال لي ابن جريج: سألت عطاء بن أبي رباح عن التَّفسير من البقرة، وآل عمران، ثمَّ قال: أعفني من هذا. قال هشام: فكان بعدُ إذا قال: عطاء عن ابن عبَّاس، قال: الخراسانيُّ. وقال هشام: فكتبنا ما كتبنا، ثمَّ ملنا(3) . يعني كتبنا أنَّه عطاء الخراسانيُّ.
          قال عليُّ بن المدينيِّ: وإنَّما كتبنا هذه القصَّة؛ لأنَّ محمَّد بن ثور كان يجعلها عطاء عن ابن عبَّاس، فظنَّ الذين حملوها عنه أنَّه عطاء بن أبي رباح. قال عليٌّ: وسألت يحيى القطَّان عن حديث ابن جريج، عن عطاء الخراسانيِّ، فقال: ضعيف. فقلت ليحيى: إنَّه يقول: أخبرنا. فقال: لا شيء، كلُّه ضعيف، إنَّما هو كتاب دفعه إليه. قال ابن حجر(4) : ففيه نوع اتِّصال، ولذلك استجاز ابن جريج أن يقول فيه: أخبرنا. لكنَّ البخاريَّ ما أخرجه إلَّا من رواية عطاء بن أبي رباح، وأمَّا الخراسانيُّ، فليس من شرطه؛ لأنَّه لم يسمع من ابن عبَّاس، لكن لقائل(5) أن يقول: هذا ليس بقاطع في عطاء المذكور، فإنَّ ثبوتهما في تفسيره(6) لا يمنع أن يكون عند عطاء بن أبي رباح [أيضاً، فيحمل أن يكون هذان الحديثان عند عطاء بن أبي رباح] (وعطاء) الخراسانيِّ جميعاً. قال ابن حجر: فهذا جواب إقناعيٌّ، وهذا عندي / من المواضع العقيمة عن الجواب السَّديد، ولا بدَّ للجواد من كبوة، وما ذكره أبو مسعود من التَّعقيب فقد سبقه الإسماعيليُّ. ذكر ذلك الحميديُّ في الجمع(7) ، عن البرقانيِّ عنه [أنَّه] قال: وحكاه عن عليِّ بن المدينيِّ. يشير إلى القصَّة التي ساقها.
          مات سنة خمس وثلاثين ومئة.
          فائدة:
          اعلم أنَّ عطاء الخراسانيَّ هذا ليس عطاء الخراسانيَّ الذي ذكره ابن خلِّكان في تاريخه(8) ، وإن كانا متعاصرين، فإنَّ هذا تقدَّم وفاته على الذي ذكره ابن خلِّكان المشهور بالمقنَّع. قال ابن خلِّكان: لا أعرف اسم أبيه، وكان في مبدأ أمره قَصَّاراً من أهل مرو، وكان يعرف شيئاً من السِّحر والنِّيْرَنْجِيَّات، وادَّعى الرُّبوبيَّة من طريق المناسخة، وقال لأشياعه الذين اتَّبعوه: إنَّ الله تبارك وتعالى تحوَّل إلى صورة آدم ◙، ولذلك(9) قال للملائكة: { اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى } [البقرة:34] ، فاستحقَّ بذلك السُّخط، ثمَّ تحوَّل من آدم إلى صورة نوح، ثمَّ إلى صورة واحد فواحد من الأنبياء والحكماء؛ حتَّى حصل في صورة أبي مسلم الخراسانيِّ، ثمَّ زعم أنَّه انتقل إليه منه، فقبل قوم دعواه وعبدوه، وقاتلوا دونه، مع ما عاينوه من عظم ادِّعائه وقبح صورته؛ لأنَّه كان مشوَّه الخلق، أعور العين(10) ، ولمَّا غلب على عقولهم بالتَّمويهات التي أظهرها لهم بالسِّحر والنَّيرنجيَّات، وكان في جملة ما أظهر لهم صورة(11) قمر يطلع، ويراه النَّاس من مسافة شهرين من موضعه، ثمَّ يغيب(12) ، فكثر اعتقادهم فيه. قال: وقد ذكر أبو العلاء المعرِّي هذا القمر في قوله _من البحر الطَّويل_(13) :
أَفِقْ إنَّما البدرُ المقنعُ رأسه                     ضلالٌ وغيٌّ مثل بدرِ المقنَّع
          وهذا البيت من جملة قصيدة طويلة. قال: وإليه(14) أشار ابن سناء الملك في قوله _ [أيضاً] من الطَّويل _:
إليكَ فما بدرُ المقنَّع طالعاً                     بِأَسْحرَ مِنْ ألحاظِ بدري المُعَمَّمِ
          قال: ولمَّا اشتهر أمر المقنَّع الخراسانيِّ، وانتشر ذكره، ثار عليه النَّاس، وقصدوه في قلعته التي كان(15) اعتصم بها، وحاصروه، فلمَّا أيقن بالهلاك جمع نساءه، فسقاهنَّ السُّمَّ، فمتن منه، وشرب هو أيضاً بنفسه من ذلك السُّمَّ، فمات، ودخل المسلمون قلعته، فقتلوا من فيها من أشياعه وأتباعه، وذلك سنة ثلاث وستِّين ومئة، لعنه الله، ونعوذ بالله من الخذلان. قال ابن خلِّكان: وهذه القلعة عمَّرها المقنَّع الخارجيُّ، وإنَّها من رستاق ما وراء النَّهر. انتهى كلام القاضي شمس الدِّين بن خلِّكان ☼ في وفياته(16) .


[1] مقدمة الفتح: ص425.
[2] في النكاح برقم (5286).
[3] في غير (ن): (مللنا).
[4] مقدمة الفتح: ص376.
[5] في (ن) تصحيفاً: (بقائل).
[6] في غير (ن): (فيه).
[7] الجمع بين الصحيحين:2/64، في أفراد البخاري.
[8] وفيات الأعيان:3/263.
[9] في (ن) تصحيفاً: (وكذلك).
[10] في غير (ن): (ألكن).
[11] سقطت من الأصل واستدركت من المصدر.
[12] في (ن): (مسافة شهر) و(لم يغب).
[13] الشعر مع الخبر في وفيات الأعيان:3/264. والسير للذهبي:7/307، وترجمة المقنع الخراساني فيهما، وإنما قيل له المقنع؛ لأنه اتخذ وجهاً من ذهب. وبيت أبي العلاء في ديوانه:2/282، ت محمد إبراهيم نصر، القاهرة 1969، ضمن قصيدة طويلة مدح بها شمس الدولة توران شاه. والرواية في (ن): (ظلال وعن مثل..) وهو تصحيف.
[14] في (ن) تصحيفاً: (والله).
[15] في (ن) تصحيفاً: (إلى أن كان).
[16] وفيات الأعيان:3/264.