غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

عبد الرحمن بن مل أبو عثمان النهدي

          822 # عبد الرَّحمن بن مُلٍّ _بضمِّ الميم، وفتحها، وكسرها، وشدَّة اللَّام، ويقال: ملِّي، بالياء_ بن عَمرو بن عَديٍّ، أبو عثمان النَّهْديُّ، بفتح النُّون، وسكون الهاء، بعدها مهملة، نسبة إلى قبيلة من قُضَاعَةَ.
          مخضرم، أسلم على عهد النَّبيِّ صلعم، ولم يره، ودفع الزَّكاة إلى سُعاتِه على الصَّدقات، ثلاث صدقات، وحجَّ البيت، قيل(1) : حجَّتين. وقدم المدينة أيَّام عمر، وغزا على عهده غزوات، وشهد فتح القادسيَّةِ، وجَلُولاءَ، وتُسْتَرَ، ونهاوند، وأذربيجانَ، واليرموك.
          قال: بلغت نحواً من ثلاثين ومئة سنة، فما منِّي(2) شيء إلَّا قد عرفت النَّقص فيه إلَّا أملي، فإنَّه كما كان.
          وكان كثير العبادة، حسن القراءة، صحب سلمان الفارسيَّ اثنتي عشرة(3) سنة. قال عاصم الأحول: قلت لأبي عثمان: هل رأيت النَّبيَّ صلعم ؟ قال: لا. قلت: رأيت أبا بكر؟ قال: لا، ولكنِّي اتَّبعت عمر حين قدم(4) ، وقد صدَّقت إلى النَّبيِّ صلعم ثلاث صدقات. وكان يسكن الكوفة، فلمَّا قتل الحسين تحوَّل إلى البصرة، وقال: لا أسكن بلداً قتل فيه ابن بنت رسول الله صلعم.
          قال أبو عثمان: كنَّا في الجاهليَّة نعبد صنماً، يقال له: يَغُوث، وكان من رصاص لقضاعة، تمثال امرأة، وعبدتُ ذا الخَلَصَة، وكنَّا نعبد حجراً، ونحمله معنا، فإذا رأينا أحسن منه ألقيناه، وعبدنا الثَّاني، وإذا سقط الحجر عن البعير قلنا: سقط إلهكم، فالتمسوا حجراً؛ حتَّى أسلمت. انتهى.
          قلت: وحمل بعض المفسِّرين قوله ╡ { وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ } [البقرة:165] أنَّ المؤمن يعبد إلهاً واحداً في الأحوال كلِّها، والكافر يعبد حجراً، فإذا رأى حجراً آخر أحسن منه ترك الأوَّل، وعبد الثَّاني؛ / فلهذا كان المؤمن أشدُّ حبًّا لله.
          وكان أبو عثمان ثقة، ثبتاً، عابداً، من كبار طبقته، كثير الصَّلاة، كان يصلِّي حتَّى يغشى عليه. قال أبو اللَّيث السَّمرقنديُّ في تفسيره(5) : إنَّ أبا عثمان بلغه _وهو بفارس_ أنَّ أبا هريرة قال: قال رسول الله صلعم: «إذا عمل المؤمن خيراً كتب الله له بذلك مئة ألف حسنة». قال أبو عثمان: نذرت على نفسي إن أتيت الحجاز أن أجتمع بأبي هريرة، وأسأله عن هذا، قال: فقدِّر أنِّي أتيت المدينة، فقصدت الاجتماع به، فأتيت المسجد، وإذا شيخ حوله جماعة، فسألت عنه، فقيل: أبو هريرة. فتقدَّمت إليه، وسألته ذلك، وقصصت القصَّة عليه، فقال: كذب، إنَّما قلت: قال رسول الله صلعم: « مئتي ألف حسنة». ألا تسمع قوله ╡: { وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء } [البقرة:261]
          قال الكلاباذيُّ(6) : سمع أبو عثمان ابنَ مسعود، وأسامةَ بن زيد، وعبدَ الرَّحمن بن أبي بكر، وسلمانَ الفارسيَّ، وأبا هريرة. روى عنه سليمانُ التَّيميُّ، وقتادةُ، وعاصم الأحول، وأيُّوب، وخالد الحَذَّاء.
          نقل عنه البخاريُّ بالواسطة في مواضع، أوَّلها: في باب الصَّلاة كفارة، من أوَّل كتاب مواقيت الصَّلاة [خ¦526] .
          عاش مئة وثلاثين سنة، ويقال: أربعين. مات في ولاية الحجَّاج سنة خمس وتسعين، وقيل: سنة إحدى وثمانين. وقيل: سنة مئة، بعد الحجَّاج.


[1] في غير (ن): (قبلُ).
[2] في غير (ن): (من).
[3] في (ن): (اثني عشر).
[4] في (ن): (حين قام).
[5] تفسيره يسمى بحر العلوم:1/160، وفيه: ألف ألف بدل مئة ألف.
[6] الهداية والإرشاد:1/440.