غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

عبد الله بن سلام

          677 # عبدُ الله بنُ سَلاَم _بخفَّة اللَّام، كما بيَّنَّا فيما مضى_ بن الحارث، أبو يوسف الخزرجيُّ المدنيُّ، الصَّحابيُّ، الإسرائيليُّ، من ولد يوسف بن يعقوب، ♂. كان اسمه الحُصين. سمَّاه النَّبيُّ صلعم عبد الله، و [هو] حليف الأنصار، من بني قينقاع.
          روى عن رسول الله صلعم خمسة وعشرين(1) حديثاً. قال ابن حجر(2) : وله في البخاريِّ حديثان.
          وكان إسلامه مَقْدَمَ رسول الله صلعم المدينة مهاجراً، ولمَّا أرادوا قتل عثمان، جاء عبد الله بن سَلاَم، فقال له عثمان: ما جاء بك؟ قال: جئت أنصرك(3) . قال: فاخرجْ إلى النَّاس، فاطردْهم عنِّي؛ فإنَّك خارجاً(4) خير لي منك داخلاً. فخرج إلى النَّاس، فقال: أيُّها النَّاس، إنَّه كان اسمي في الجاهليَّة حُصيناً، فسمَّاني رسول الله صلعم عبدَ الله، ونزلت فيَّ آيات من كتاب الله، منها قوله تعالى: { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ } [الأحقاف:10] ومنها { قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } [الرعد:43] واعلموا أنَّ الملائكة قد جاورتكم في بلدكم هذا الذي نزل فيه رسول الله صلعم، فالله الله في هذا الرَّجل أن تقتلوه، فوالله إن قتلتموه لتطردنَّ(5) جيرانكم الملائكة، وليسلنَّ سيف الله المغمود عليكم إلى يوم القيامة. فقالوا: اقتلوا اليهودي. وقتلوا(6) عثمان.
          ولمَّا حضر معاذ بن جبل الموت، فقيل له: يا أبا عبد الرَّحمن، أوصنا. قال: أجلسوني. قال: إنَّ العلم والإيمان مكانهما، من ابتغاهما وجدهما، فالتمسوا العلم عند أربعة، عند عُويمر أبي الدَّرداء، وعند سلمان الفارسيِّ، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام، الذي كان يهوديًّا فأسلم، فإنِّي سمعت رسول الله صلعم يقول: «إنَّه (عاشر عشرة) في الجنَّة».
          قال عبد الله بن سلام: لمَّا قدم رسول الله صلعم المدينة خرجت لأنظر فيمن ينظر، فلمَّا رأيت وجهه عرفت أنَّه ليس بوجه كذَّاب، وكان أوَّل ما سمعته يقول: «أفشوا السَّلام، وأطعموا الطَّعام، وصِلُوا الأرحام، وصلُّوا باللَّيل والنَّاس نيام؛ تدخلوا الجنَّة بسلام». فقلت: أشهد أن لا إله إلَّا الله، وأشهد أنَّك [محمَّد] رسول الله. /
          قال أنس(7) : سمع عبد الله بن سلام بمقدم رسول الله صلعم وهو في أرض يخْترف، فأتى رسول الله صلعم، فقال: إنِّي سائلك عن ثلاث، لا يعلمهنَّ إلَّا نبيٌّ، فما أوَّل أشراط السَّاعة؟ وما أوَّل طعام أهل الجنَّة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمِّه؟ قال: «أخبرني بهنَّ جبريل [آنفاً] ». قال جبريل؟! قال: «نعم». قال: ذاك عدوُّ اليهود من الملائكة. فقرأ هذه الآية { قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ } [البقرة:97] أمَّا أوَّل أشراط السَّاعة، فنار تحشر النَّاس من المشرق إلى المغرب، وأمَّا أوَّل طعام يأكله أهل الجنَّة، فزيادة كبد حوت، وإذا سبق ماء الرَّجل ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرَّجل نزعت. فآمن، ثمَّ قال: يا رسول الله، إنَّ اليهود قوم بُهْتٌ، وإنَّهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم بهتوني، فجاءت اليهود، فقال: «أيُّ رجل عبد الله فيكم»؟ قالوا: خيرُنا، وابن خيرنا، وسيِّدنا، [وابن سيِّدنا] . قال: «أرأيتم إن أسلم عبد الله»؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك. فخرج عبد الله بن سلام، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمَّداً رسول الله. فقالوا: شرُّنا وابن شرِّنا. فانتقصوه، فقال: هذا الذي كنت أخافه يا رسول الله.
          قال سعد بن أبي وقَّاص: ما سمعت رسول الله صلعم يقول لأحد يمشي على الأرض أنَّه من أهل الجنَّة إلَّا لعبد الله بن سَلاَم، وفيه نزلت هذه الآية { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ } [الأحقاف:10] أي على أنَّه من عند الله، ولفظ المثل زائدة، وقال آخرون: الشَّاهد موسى بن عمران. وقال الشَّعبيُّ ومسروق في هذه الآية: والله ما نزلت في عبد الله بن سلام؛ لأنَّ الـ {حم} [الأحقاف:1] نزلت بمكَّة، وإنَّما أسلم عبد الله بن سلام بالمدينة، ونزلت الآية في مُحاجَّةٍ كانت من رسول الله صلعم مع قومه، ومثل القرآن التَّوراة، فشهد موسى على التَّوراة، ومحمَّد على القرآن، وكلُّ واحد يصدق.
          وقال محيي السُّنَّة(8) : قال قتادة: المراد بمن عنده علم الكتاب عبد الله بن سَلاَم، وأنكر عليه الشَّعبيُّ، وقال: السُّورة مكِّيَّة، وعبد الله بن سَلاَم أسلم بالمدينة. وهكذا أنكره سعيد بن جبير، وقال الحسن البصريُّ ومجاهد: {ومن عنده علم الكتاب} [الرعد:43] هو الله تعالى، يدلُّ عليه قراءة ابن عبَّاس: ▬ومِنْ عندِه↨، بكسر الميم والدَّال، و▬عُلِمَ الكتابُ↨، بضمِّ العين، وكسر اللَّام، وضِّم الموحَّدة آخر الكتاب؛ على بناء المفعول والنِّيابة، ومن حرف جرٍّ.
          قال الكلاباذيُّ(9) : روى عنه قيس بن عُبادة. /
           نقل عنه البخاريُّ بالواسطة، في كتاب التَّعبير [خ¦7014] . توفِّي سنة ثلاث وأربعين.


[1] في (ن): (خمساً وعشرين).
[2] مقدمة الفتح: ص475.
[3] في غير (ن): (إلى نصرك).
[4] في (ن): (خارج).
[5] في غير (ن): (لتطردنكم).
[6] في غير (ن): (واقتلوا).
[7] أخرجه البخاري برقم (4480).
[8] معالم التنزيل:4/328.
[9] الهداية والإرشاد:1/390.