غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

العلاء بن الحضرمي

          1032 # العَلاَءُ بنُ الحَضْرَمِيِّ، بفتح المهملة، وسكون المعجمة، من الحضارمة، حليف لبني أميَّة بن عبد شمس، اسم الحضرميِّ: عبد الله بن عَبَّاد، أو ابن عمَّار، أو ابن ضمار، أو ابن عبيدة، ولا يختلفون أنَّه من حضرموت، حليف حرب بن أميَّة.
          والعلاء هو عامل النَّبيِّ صلعم على البحرين، وتوفِّي وهو عليها(1) ، وأقرَّه عليها أبو بكر مدَّة خلافته كلِّها، ثمَّ أقرَّه عمر.
          وتوفِّي في خلافة عمر، سنة أربع عشرة، أو إحدى وعشرين، والياً على البحرين، واستعمل عمر بعده أبا هريرة.
          وهذا العلاء هو أخو عامر بن الحضرميِّ الذي قتل يوم بدر كافراً، وأخوهما عمرو بن الحضرميِّ أوَّل قتيل من المشركين قتله مسلم، وكان ماله أوَّلَ مال خُمِّس في الإسلام، قتل يوم نَخْلَةَ، وأمُّه الصَّعبة بنت الحضرميِّ، تزوَّجها أبو سفيان، فطلَّقها، فخلف عليها عُبيد الله بن عثمان التَّيْمِيُّ، فولدت له طلحة بن عبيد الله التَّيميَّ، ويقال: إن العلاء كان مجاب الدَّعوة، وأنَّه خاض البحر بكلمات قالها، ودعا بها، ولمَّا قاتل أهل الرِّدة بالبحرين كان له في قتالهم أثر كبير مشهور عنه، وكان له أخ يقال له: ميمون بن الحضرميُّ، هو صاحب البئر التي بأعلى مكَّة، المعروفة ببئر ميمون، حفرها في الجاهليَّة، هذا كلُّه كلام ابن الأثير(2) .
          وقال الخلَّال في كتاب كرامات الأولياء مرفوعاً إلى أبي هريرة أنَّه قال: لمَّا بعث رسول الله صلعم العلاء بن الحضرميَّ إلى البحرين تبعته، فرأيت منه ثلاث خصال، لا أدري أيُّهنَّ أعجب، انتهينا إلى شاطىء البحر، فقال: سمُّوا الله ╡ وافتتحوا. فسمَّينا، وافتتحنا، وعبرنا، فما بلَّ الماء أسافل أخفاف إبلنا(3) ، فلمَّا قفلنا صرنا معه بأرض فلاة، وليس معنا ماء، فشكونا إليه، فصلَّى ركعتين، ثمَّ دعا الله، فإذا سحابة مثل التُّرس، أرخت عَزَالِيَها، فسقينا وأسقينا، فمات، فدفنَّاه في الرَّمل، فلمَّا سرنا غير بعيد، قلنا: يجيء سبع فيأكله. فرجعنا فلم نره. وفيه(4) : إنَّ عبوره في البحر كان إلى أهل دارين. انتهى كلام الخلَّال.
          والعلاءُ أوَّل من بنى مسجداً في أرض الكفر، وأوَّل من ضرب(5) الجزية على الكفَّار، وأوَّل من بَيَّت الكفَّار (ليلاً)، وأوَّل من نقش خاتماً للخلافة: محمَّد رسول الله، وكانت وفاته بموضع يقال له: نماس(6) ، وهو يريد / البصرة من البحرين، فلمَّا حضره الوفاة، قال لأصحابه: إذا أنا قضيت، فهيلوا عليَّ هذا الكثيب وامضوا، فإنَّكم عارض بكر بن وائل. قال بعضهم: فلمَّا قضى نحبه هالوا عليه التُّراب، فخافوا يكشف عليه الرِّياح، فرأوا أن يحفروا (له) حفرة، فذهبوا يطلبونه، فكأنَّما ذهبت به السَّماء، فما قدروا عليه.
          روى العلاء عن رسول الله صلعم أربعة أحاديث، قال ابن حجر(7) : للبخاريِّ منها حديث واحد.
          قال الكلاباذيُّ(8) : روى عن السَّائب بن يزيد.
          نقل عنه البخاري بالواسطة، في كتاب الهجرة [خ¦3933] .
          وقد ذكرنا في أوَّل التَّرجمة وفاته، ╩، ونفعنا به.
          تتمَّة:
          كتب رسول الله صلعم مع العلاء بن الحضرميِّ إلى المنذر بن ساوَى بعد انصرافه من الحديبية كتاباً يدعوه إلى الإسلام، فكتب المنذر إلى رسول الله صلعم: أمَّا بعد، يا رسول الله، فإنِّي قرأت كتابك على أهل البحرين، فمنهم من أحبَّ الإسلام (وأعجبه) ودخل فيه، ومنهم من كرهه، وبأرضي مجوس ويهود، فأحدث إليَّ في ذلك أمرك. فكتب إليه رسول الله صلعم: «╖، من محمَّد رسول الله إلى المنذر بن ساوَى، سلام عليك، فإنِّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله، أمَّا بعد: فإنِّي أذكِّرك الله ╡، فإنَّه من ينصح، فإنَّما ينصح لنفسه، وإنَّه من يطع رسلي ويتَّبع أمرهم فقد أطاعني، ومن نصح لهم فقد نصح لي، وإنَّ رسلي قد أثنوا عليك خيراً، وإنِّي قد شفَّعتك في قومك، فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه، وعفوت عن أهل الذُّنوب، فاقبل منهم، وإنَّك مهما تصلح فلن نعزلك من عملك، ومن أقام على يهوديَّة أو مجوسيَّة، فعليه الجزية». وأسلم المنذر هذا بكتاب رسول الله صلعم، وحسن إسلامه، ومات قبل ردَّة أهل البحرين، قيل: إنَّه وفد على النَّبيِّ صلعم، ولم يصحَّ.


[1] في غير (ن): (عاملها).
[2] أسد الغابة:4/71، يقال للسحابة إذا انهمرت بالمطر: قد حلَّتْ عَزَالِيها، والعَزْلاء: فم المزادة الأسفل، ولكل مزادة عَزْلاوان من أسفلها، ج: عَزَالي، بكسر اللام، وإن شئت فتحت اللام، مثل صَحارِي وصَحارَى، اللسان: عزل.
[3] في غير (ن): (أخفافنا).
[4] في غير (ن): (وقيل).
[5] في (ن): (جزَّى).
[6] في الأصول كلها: (نماس)، وفي طبقات ابن سعد 4/363: لياس، وأخباره فيه، وفي باقي النسخ: واقتحموا واقتحمنا.
[7] مقدمة الفتح: ص475.
[8] الهداية والإرشاد:2/590.