غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة

          842 # عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سَلَمَةَ _بفتحات، المشهور بعبد العزيز بن أبي سلمة، بالنِّسبة إلى جدِّه، واسم أبي سلمة ميمون. قاله ابن السَّمعانيِّ وابن خلِّكان، وقال الكلاباذيُّ: اسمه دينار، مولى آل(1) المنكدر، أبو عبد الله. قال ابن السَّمعانيِّ: وقيل: أبو الأصبغ_ التَّيميُّ، القرشيُّ، المدنيُّ، الماجِشُون، بكسر الجيم وضمِّ المعجمة المخفَّفة آخره نون، ومعناه المُوَرَّد. قاله ابن خلِّكان، وابن السَّمعانيِّ. زاد الكرمانيُّ(2) ، وقال: وفتح الجيم أيضاً. لكن تفرَّد صاحب القاموس، فقال: بضمِّ الجيم. وقال: معناه ماه كون، يعني بالفارسيَّة، قلت: معناه لون القمر بالعربيَّة، وقول الكرمانيِّ: معناه المُوَرَّد(3) ، أعني ماه كون. فلست(4) أسلِّم له ذلك، وإن نقل عن (الغسَّانيِّ)، فإنَّ ماه بالفارسيَّة القمر، وكون: اللَّون، وهم في لغتهم يقدِّمون المضاف على المضاف إليه. فتأمَّل، فإنَّ المُوَرَّد معناه بالعجمية: كلكون. زاد الكرمانيُّ، وقال: ويقال: الأبيض الأحمر. وإنَّما لقِّب به لحمرة خدِّه. قال ابن السَّمعانيِّ: وهذه لغة أهل المدينة. وقال الدَّارقطنيُّ: قال البخاريُّ: الماجشون هو يعقوب بن أبي سلمة، أخو عبد الله، لكن جرى على بنيه وبني أخيه. وقال السَّمعانيِّ: هذا لقب أبي سلمة يوسف بن يعقوب بن عبد الله بن أبي سلمة مولى آل الهدير(5) ، وعبد الله من أهل مدينة رسول الله صلعم.
          سمع: الزُّهريَّ، ومحمَّد بن المنكدر، وعبد الله بن دينار، وعبد الرَّحمن بن القاسم، وعمرو بن يحيى. قاله الكلاباذيُّ، وقال السَّمعانيُّ(6) : وسمع أبا حازم سلمة بن دينار، وحُميدَ الطَّويل، وهشامَ بن عروة. يعني خارج الصَّحيح، قاله أبو نصر.
          روى عنه: اللَّيث بن سعد، وأبو نُعيم، ويحيى بن عَبَّاد، وأبو غسَّان، وموسى بن إسماعيل، وحجَّاج بن منهال، وأحمد بن يونس. قال ابن السَّمعانيِّ: وروى عنه بشر بن المفضَّل، ووكيع بن الجرَّاح، وعبد الرَّحمن بن مهديٍّ، ويزيد بن هارون، وعليُّ بن الجعد، وكان عالماً، فقيهاً. قدم /
          بغداد، وحدَّث بها إلى حين وفاته، وحجَّ أبو جعفر المنصور، فشيَّعه المهديُّ، فلمَّا أراد الوداع، قال: يا بنيَّ استهدني. قال: أستهديك رجلاً عاقلاً، فأهدى له عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون. وقال الحافظ أبو بكر: عبد العزيز مدنيٌّ، وأصله من أصفهان(7) ، وإليهم نسبت سكَّة الماجشون. وقال ابن أبي خيثمة: أصله من أصفهان، ونزل المدينة، وكان يَلْقَى النَّاس، فيقول لهم: جوني جوني. انتهى. قلت: هذا بالعجميَّة معناه: كيف أنت؟ كيف أنت؟ فلقِّب به وعرِّب.
          ونقل عنه البخاريُّ بالواسطة في مواضع، أوَّلها: في باب السُّؤال والفتيا عند رمي الجمار، من كتاب العلم [خ¦124] ، فتأمَّل.
          قال يحيى بن معين: عبد العزيز كان يقول بالقدر، ثمَّ أقبل على السُّنَّة، ولم يكن من شأنه الحديث، فلمَّا قدم بغداد كتبوا عنه، وقال: جعلني أهل بغداد محدِّثاً.
          وقال بشر بن السَّرِيِّ: لم يسمع الماجشون من الزُّهريِّ. قال أحمد بن سنان: معناه عندي أنَّه عرض. وسئل الإمام أحمد عنه، فقال: تعلَّق بالفارسيَّة بكلمة إذا لقي الرَّجل، يقول: شوني شوني. فلقِّب.
          وقال إبراهيم الحربيُّ: الماجشون فارسيٌّ، وإنَّما سمِّي به؛ لأنَّ وجنيته كانتا حمراوين، فسمِّي بالفارسيَّة المايكون(8) ، ثمَّ عرَّبه أهل المدينة بذلك. ويقال: إنَّ سُكينة _بضمِّ المهملة، وفتح الكاف، بعد التَّحتيَّة المثنَّاة نون_ بنت الحسين بن عليٍّ ♥ لقَّبته بذلك. وقال غيره: عبد العزيز ثقة، فقيه، مصنِّف، سكن بغداد، ومات بها سنة ستٍّ، أو أربع وستِّين ومئة، وصلَّى عليه المهديُّ، ودفن في مقابر قريش.
          تتمَّة:
          لعبد العزيز ابن يسمَّى عبد الملك، فقيه مالكيٌّ، تفقه على الإمام مالك، وعلى والده عبد العزيز، وعمي في آخر عمره، كنيته أبو مروان، كان مولعاً بسماع الغناء، قال الإمام أحمد: قدم علينا ومعه من يغنِّيه، وحدَّث، وكان من الفصحاء. قال يحيى بن أحمد بن المُعَدَّل: كلمَّا تذكَّرت أنَّ التُّراب يأكل لسان عبد الملك صغرت الدُّنيا في عيني. وكان له فقه ورواية، وقال بعضهم: دعاني رجل أن أمضي إليه، فجئناه، فإذا هو(9) لا يدري الحديث أَيْشٍ هو.
          توفِّي سنة اثنتي عشرة(10) ، أو ثلاث، أو أربع عشرة(11) ومئتين.
          غريبة:
          ذكرها الدَّميريُّ(12) ، في كتاب الجنازة، نقلاً عن ابن عساكر، أنَّ يعقوب الماجشون جدَّ عبد الملك، صاحب مالك، مات ووضع على السَّرير، واجتمع النَّاس للصَّلاة عليه، فوجد الغاسل عِرْقاً تحت رجله يتحرَّك، فقال: أرى أن يؤخَّر غسله إلى غد. فلمَّا أصبحوا، واجتمع النَّاس للصَّلاة عليه، وغسِّل، وجده الغاسل كذلك، فصرف عنه النَّاس، ثمَّ كذلك في اليوم الثَّالث، ثمَّ إنَّه استوى جالساً، وقال: اسقوني سَوْيقاً. فسقوه، وسألوه عن حاله، فقال: عرج(13) بروحي إلى السَّماء الدُّنيا، ففتح لها الباب، ثمَّ كذلك إلى السَّماء السَّابعة، فقيل للمَلَك الذي عرج بي: من معك؟ قال: الماجشون. قال: إنَّه بقي من عمره كذا وكذا شهراً، وكذا وكذا يوماً، وكذا وكذا ساعة. قال: ثمَّ هبط بي، فرأيت النَّبيَّ صلعم، وأبا بكر عن يمينه، وعمر عن شماله، وعمر بن عبد العزيز بين يديه، فقلت للمَلَك الذي معي: إنَّه لقريب المنزلة من رسول الله صلعم. /
          قال: إنَّه(14) عمل بالحقِّ في زمن الجور، وإنَّهما عملا بالحقِّ في زمن الحقِّ.
          عجيبة:
          تناسب الغريبة المذكورة، ذكرها ابن كثير في تاريخه(15) ، [في] سنة تسع وتسعين ومئتين، أنَّ محمَّد بن إسحاق بن يحيى كان يدعى بحامل كفنه، وذلك أنَّه توفِّي، فغسِّل، وكفِّن، وصلِّي عليه، ودفن، فلمَّا كان اللَّيل جاءه نبَّاش، ففتح قبره، فلمَّا حلَّ عنه الكفن استوى جالساً، فهرب النَّبَّاش فزعاً، ونهض محمَّد وذهب، وأخذ كفنه معه، فوصل منزله، وإذا أهله يبكون عليه، فدقَّ الباب، فقالوا: من؟ فقال: فلان. قالوا: يا هذا، لا يحلُّ لك أن تستهزئ بنا، وتزيدنا حزناً. فقال: افتحوا، فأنا والله هو. فعرفوا صوته، ففتحوا له، وفرحوا به فرحاً شديداً، ثمَّ ذكر لهم ما جرى، وكان قد أصابته سكتة، ولم يمت حقيقة، فقدَّر القدير أن قيَّض له النَّبَّاش، فكان سبب حياته، وعاش بعد ذلك سنين، إلى أن توفِّي سنة تسع وتسعين ومئتين. فسبحان الكريم العزيز، ولا يتعجَّبنَّ أحد من أمثال هذه، فإنَّ القادر على الإبداع، أعني الخلق من غير مادَّة [ومدَّة] ، لا يعجزعن أمثال هذه، كيف وهي أسهل (عند الله تعالى؟!)


[1] في (ن) تصحيفاً: (إلى).
[2] انظر تباعاً وفيات الأعيان:3/166، والأنساب:5/157، وشرح البخاري للكرماني:2/148، باب السؤال والفتيا عند رمي الجمار، برقم (125).
[3] في (ن) تصحيفاً: (الورد).
[4] في غير (ن): (فقلت).
[5] في (ن) تصحيفاً: (الهرير).
[6] الأنساب:5/157، وقول الكلاباذي في الهداية والإرشاد:1/473
[7] في غير (ن): (أصبهان).
[8] في شرح البخاري للكرماني:2/148: الماه كون.
[9] في غير (ن): (هؤلاء).
[10] في (ن): (اثني عشر) و(أربع عشر).
[11] الخبر في وفيات الأعيان:3/166.
[12] النجم الوهاج:3/17، وانظر تاريخ دمشق لابن عساكر:74/159.
[13] في (ن): (سرح) وفي غيرها (سماء الدنيا).
[14] في غير (ن): (لأنه).
[15] البداية والنهاية:11/133، نقلا عن الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد:4/668.