غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

عبد شمس أبو هريرة

          836 # عبدُ شَمْسٍ، أبو هريرة، الدَّوْسِيُّ، الصَّحابيُّ.
          اعلم أنَّ حقَّ هذه التَّرجمة أن تذكر في عبد الله، أو [في] عبد الرحمن، لكنَّ الكلاباذيَّ ذكره هنا(1) ، فقلَّدته فيه، وندمت، وندم زيد، ولمَّا ينفعه النَّدم. قال البخاريُّ: حدَّثني ابن أبي الأسود قال: قال أبو هريرة: كان اسمي عبد شمس، فسمِّيت في الإسلام عبد الرحمن. وقيل: عبد الله. واعلم أنَّه اختلف في اسم أبي هريرة، واسم أبيه نحو ثلاثين اختلافاً(2) ، ولم يكن أحد في الجاهلية، ولا في الإسلام اختلف فيه هذا الاختلاف، ثمَّ لا طائل تحت ذكره، فأعرضت عن ذلك صفحاً. قال أبو هريرة: إنَّما كنِّيت بهذه(3) الكنية؛ لأنِّي وجدت أولاد هرَّة، فحملتها في كمِّي، فقيل لي: أبو هريرة. وقيل: رآه رسول الله صلعم وفي كمه هرَّة، فقال: «يا أبا هريرة». فاشتهر بذلك، وكان يقول: والله لهذه الكنية أحبُّ إليَّ من اسم سمَّاني والداي. قال عبد الله بن رافع: قلت لأبي هريرة: لم اكتنيت بهذه الكنية؟ قال: أما تفرق منِّي؟ قلت: بلى، والله إنِّي لأهابك. قال: كنت أرعى غنم أهلي، وكانت لي هرة صغيرة، فكنت أضعها باللَّيل في شجرة، فإذا كان النَّهار ذهبت بها [معي، فلقيت بها] ، فكنَّوني أبا هريرة.
          وكان سيدَ أهل الصُّفَّة، أسلم عام خيبر، سنة سبع من الهجرة، وبقي مع رسول الله صلعم ثلاث سنين، وروى عنه خمسة آلاف وثلاثمئة وأربعة وستِّين حديثاً، للبخاريِّ منها أربعمئة وثمانية عشر حديثاً، عند الكرمانيِّ(4) ، وأربعمئة وستَّة وأربعون عند ابن حجر(5) ، ولزم رسول الله صلعم، وواظبه رغبة في العلم، فدعا له، قال أبو هريرة: قلت: يا رسول الله، إنِّي أسمع منك أشياء(6) لا أحفظها. قال: «ابسط رداءك». فبسطته، فحدَّث حديثاً كثيراً، وفي رواية: «من يبسط ثوبه فلن ينسى شيئاً سمعه منِّي»؟ فبسطت ثوبي حتَّى قضى حديثه، ثمَّ ضممته إليَّ، / فما نسيت شيئاً سمعته بعد.
          وقال عمر لأبي هريرة: أنت كنت ألزمنا لرسول الله صلعم وأحفظنا لحديثه. وقال أبو هريرة: أنتم تقولون: أَكْثَرَ أبو هريرة الحديث عن رسول الله صلعم. واللهُ (الموعدُ)، كنت رجلاً مسكيناً أخدم رسول الله صلعم على مِلْءِ بطني، وكان المهاجرون يشغلهم الصَّفق بالأسواق، وكان الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم، وقال رسول الله صلعم: «من يبسط ثوبه فلن ينسى شيئاً سمعه(7) منِّي»؟ فبسطت ثوبي حتَّى قضى حديثه، ثمَّ ضممته إليَّ، فما نسيت شيئاً سمعته.
          وقال: قال رسول الله صلعم: «إذا عاد الرَّجل أخاه، أو زاره قال الله تعالى: طبت، وطاب ممشاك، وتبوَّأت من الجنَّة منزلاً».
          قال البخاريُّ: روى عن أبي هريرة أكثر من ثمانمئة رجل من صحاب وتابع(8) ، واستعمله عمر على البحرين، ثمَّ عزله، ثمَّ أراده على العمل، فامتنع، وسكن المدينة، وهو دَوْسِيٌّ، يمنيٌّ، واسم أمه أميمة. قاله ابن الأثير(9) ، وقيل: ميمونة. أسلمتْ بدعاء رسول الله صلعم، قال أبو هريرة: هاجرت من اليمن إلى رسول الله صلعم مسلماً، وهاجرت أمِّي لأجلي، فأسلمتُ وأَبَتْ، وكنت أذكر عندها رسول الله صلعم، وهي تكره ذلك، فأتيته صلعم، فقلت: يا رسول الله، لو دعوت الله ╡ أن تسلم أمِّي. فهمهم بشفتيه، وأمَّنت لكلامه، وعرفت أنَّ الكلام مقبول، فخرجت من عنده، وأتيت بيتي، فإذا الباب مردود، وأسمع خرير الماء، فاستحسَّتْ بي، وقالت: يا أبا هريرة. قلت: نعم. قالت: مهلاً، أجمع عليَّ ثيابي. فلمَّا لبست، قالت: دلَّني على رسول الله صلعم. فأتيته بها، فعرض كلمة الإسلام، فأسلمت، فقلت: يا رسول الله، ادع الله تعالى أن يحبَّنا(10) النَّاس. فدعا كذلك، فكذلك ترى النَّاس يحبُّوني وأمِّي، ولم يكونوا رأونا.
          ولمَّا دعاه عمر ليستعمله، فأبى أن يعمل له، فقال: أتكره(11) العمل، وقد طلبه من هو خير منك؟ قال: من؟ قال: يوسف بن يعقوب ♂ حيث قال: { اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ } [يوسف:55] فقال أبو هريرة: يوسف نبيٌّ ابن نبيٍّ، وأنا أبو هريرة ابن أميمة، أخشى ثلاثاً واثنتين(12) : أخشى أن أقول بغير علم، وأقضي بغير حلم، وأن يضرب ظهري، وينتزع مالي، ويشتم عرضي. وقال: نشأت يتيماً، وهاجرت مسكيناً، وكنت أجيراً لبُسْرَةَ بنتِ غَزوانَ، خادماً لها، فزوَّجنيها الله، فالحمد لله الذي جعل الدِّين قواماً، وجعل أبا هريرة إماماً.
          وهو أكثر الصَّحابة رواية بإجماع العلماء، وكان يدور مع رسول الله صلعم حيثما دار، وكان آدم، ذا ضفيرتين، يُحْفِي شاربه، وكان مزَّاحاً، وكان مروان ربَّما استخلفه على المدينة، فيركب حماراً قد شدَّ عليه بَرْدَعَتَهُ، وفي رأسه شيء من اللِّيف، فيسير فيلقى(13) الرَّجل، فيقول: الطَّريقَ الطَّريقَ قد جاء الأمير. ونزل بذي الحليفة، وله بها دار، تصدَّق بها على مواليه.
          قال الشَّافعيُّ: أبو هريرة أحفظ من روى الأحاديث في دهره.
          قال الكلاباذيُّ(14) : روى عنه أنس، وأبو سلمة، وأبو حازم(15) [سلمة] ، وسعيد بن المسيَّب، / والأعرج، وأبو صالح، وسعيد المقبريُّ، وابن سيرين، وغيرهم. نقل عنه البخاريُّ بالواسطة في مواضع، أوَّلها: في باب أمور الإيمان، من أوائل كتاب الإيمان [خ¦9] .
          ومن بعض كراماته: ما روي في تاريخ ابن النَّجَّار، عن الشَّيخ أبي إسحاق الشِّيرازيِّ أنَّه قال: سمعت القاضي أبا الطَّيِّب يقول: كنَّا في حلقة النَّظر، بجامع المنصور، فجاء شابٌّ(16) خراسانيٌّ، سأل عن مسألة المُصَرَّاة، وطالب بالدَّليل، فاحتجَّ المستدلُّ بحديث أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: «لا تصرُّوا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النَّظرين، إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردَّها وصاعاً من تمر». فقال الشَّاب _ وكان حنفيًّا_: أبو هريرة غير مقبول الحديث. قال القاضي: فما استتمَّ كلامه حتَّى سقطت عليه حيَّة عظيمة من سقف الجامع، فهرب النَّاس، وتبعت الشَّاب دون غيره، فقيل له: تُب تُب. فقال: تبت. فغابت الحيَّة، كأن لم يكن لها أثر، وفي البيهقيِّ عن أبي هريرة أنَّه قال: إنِّي لأستغفر الله في كلِّ يوم على قدر ديتي(17) ، اثني عشر ألفاً. قاله الدَّميريُّ في باب الدِّيات(18) .
          ومنها: وهي من بعض معجزات رسول الله صلعم قصَّة المزود(19) ، وهي أنَّ رسول الله صلعم قال لأبي هريرة _لمَّا أصاب النَّاس مخمصة شديدة_: «هل من شيء»؟ قال: نعم، شيء من التَّمر في المزود. قال: «فأتني به». فأدخل يده، وأخرج(20) (قبضة فبسطها، ودعا بالبركة، ثمَّ قال: ادع عشرة. فأكلوا حتَّى شبعوا، ثمَّ عشرة كذلك، حتَّى أطعم) الجيش كلَّهم وشبعوا، قال: «خذ ما جئت به، وأدخل يدك، واقبض منه ولا تكله». فقبضت على أكثر ممَّا جئت به، وأكلت منه، وأطعمت حياة رسول الله صلعم، وأبي بكر، وعمر، إلى أن قتل عثمان، فانتهب منِّي فذهب. وفي رواية: فقد حملت من ذلك التَّمر كذا وكذا من وسق في سبيل الله. وذكرت مثل هذه الحكاية في غزوة تبوك، وأنَّ التَّمر كان بضع عشرة(21) تمرة.
          توفِّي سنة ثمان، أو سبع وخمسين، بالعقيق، ودفن بالبقيع، وقال النَّوويُّ(22) : مات سنة تسع. قلت: وهو الظَّاهر؛ لأنَّه صلَّى على عائشة، وهي ماتت سنة ثمان، فلا يمكن أن يكون موت أبي هريرة سنة سبع، وإن كان المذكور في الكرمانيِّ(23) هو سنة سبع فقط، فتأمَّل، فإنَّه رواية خليفة بن خيَّاط، وقال الهيثم بن عديٍّ: توفِّي سنة ثمان وخمسين، وهو ابن ثمان وسبعين، بالعقيق، وحمل إلى المدينة، وصلَّى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وكان أميراً على المدينة(24) لعمِّه معاوية بن أبي سفيان، قاله ابن الأثير(25) .
          فوائد:
          قال أبو عبيد(26) : في حديث أبي هريرة أنَّه أردف غلامه خلفه، فقيل له: لو أنزلته يسعى خلفك. فقال: لأَنْ يسير معي ضغثان من نار، يحرقان منِّي ما أحرقا أحبُّ(27) إليَّ من أن يسعى غلامي خلفي. قال الكسائيُّ: / الضِّغث كلَّ شي جمعته، فحزمته، من عيدان، أو قصب، أو غير ذلك، فكأنَّه أراد نيراناً مجتمعة، تسير عن يمينه وعن شماله.
          وقال: في حديثه أنَّ الشَّيطان إذا سمع الأذان خرج وله حُصَاص، بضمِّ المهملة، وألف بين المهملتين، والأولى خفيفة، نقلاً عن حمَّاد بن سلمة أنَّه سأل عاصم بن أبي النُّجود، ما الحُصَاص؟ قال: أما(28) رأيت الحمار إذا صَرَّ بأذنيه، ومَصَعَ بذنبه، وعدا؟ فذلك حُصَاصُه.
          وقال: في حديثه أنَّ رجلاً ذهبت له أينق، فطلبها، فأتى على وادٍ خَجِلٍ، مُغِنٍّ، مُعْشِب، فوجد أَيْنُقَهُ. الوادي الخَجِل: الكثيرُ العشبِ الملتفُّ، والمُغِنُّ: الذي فيه صوت الذُّباب، ولا يكون الذُّباب إلَّا في واد مخصب، ولهذا قيل للقرية الكثيرة الأهل والعشب: غَنَّاء(29) .
          وقال: في حديثه أنَّ للإسلام صُوَىً، ومناراً كمنار الطَّريق. الصُّوَى: أعلام من أحجار(30) منصوبة في الفيافي المجهولة، يستدلُّ (بها) على طرقها(31) ، واحدها صوَّة، يعني للإسلام علامات وشرائع، بها يعرف الإسلام، فذكر شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصَّلاة وغير ذلك.
          وقال: في حديثه، يعني حديث أبي هريرة أنَّه سئل عن القُبلة للصَّائم؟ فقال إنِّي لأَرُفُّ شفتيها(32) وأنا صائم. أي أمصُّ، وهو بضمِّ الرَّاء، وأمَّا بكسرها، فبمعنى البريق واللَّمعان.
          وقال: في حديث أبي هريرة، أتقبِّل وأنت صائم؟ قال: نعم، وأكفحها. وقال بعضهم: أقفحها(33) ، فبالكاف، معناه المباشر بالجلد، وبالقاف، معناه شرب الرِّيق.
          وقال: في حديث أبي هريرة أنَّه مرَّ بمروان وهو يبني بنياناً له، فقال: ابنوا شديداً، وأَمِّلوا بعيداً، واخضموا، فسنقضم. الخضم أبلغ من القضم، فإنَّه بأقصى الأسنان، والقضم بآخرها(34) ، وأراد أبو هريرة بهذا مثلاً ضربه، يقول: استكثروا من الدُّنيا، فإنَّا سنكتفي منها بالدُّون. وهذا شبيه قول أبي ذرٍّ لقريش: عليكم بدنياكم، فاغذموها. الغذم: الأكل بجفاء وشدَّة نهم.
          وقال في حديث أبي هريرة: لو حدَّثتكم بكل ما أعلم لرميتموني بالقشع(35) . يعني الجلود اليابسة.
          وقال في حديث أبي هريرة: لتخرجنَّكم الرُّوم منها كَفْراً كَفْراً، إلى سُنْبُكٍ من الأرض. قيل: وما ذلك السُّنْبُك؟ قال: حِسْمَى(36) جُذَام يعني: قرية قرية، وأكثر من يتكلَّم بهذه الكلمة أهل الشَّام، يسمُّون القرية كَفْراً(37) ، ولهذا قالوا: كَفَر تُوثا، وكفر تعقاب. وإنَّما هي قرى نسبة إلى رجال. قال معاوية: أهل الكفور هم أهل القبور. يعني بالكفور القرى، يقول: إنَّهم بمنزلة الموتى، لا يشاهدون الأمصار والجُمع. والسُّنبك الحافر، شبَّه الأرض التي يخرجون إليها بالسُّنبك في غلظه وقلَّة خَيْرِه.
          وقال في حديث أبي هريرة أنَّه دخل على عثمان وهو محصور، فقال: طابَ امْضَرْب. فأمره عثمان أن يلقي سلاحه. أنَّه أراد الضَّرب، فقلب اللَّام ميماً، وهو لغة حِمْير، وأهل اليمن، يعني: قد حلَّ القتال، وطاب الضَّرب. /
          وقال: في حديث أبي هريرة أنَّه ذكر النَّبيَّ صلعم فنشغ. النَّشغ: النَّهيق وما أشبهه، حتَّى يكاد يبلغ الغشي، وإنَّما يفعل ذلك الرَّجل شوقاً إلى صاحبه، وأسفاً عليه، وقد روي بالمهملة والمعجمة، والثَّاني أكثر.
          وقال _في حديثه_: إنَّه كره السَّراويل المُخَرْفَجَةَ. يعني التي تقع على ظهر القدمين، وهو مأخوذ من السَّعة، ولهذا يقولون: عيشٌ مُخَرْفَجٌ. إذا كان واسعاً رغداً، وقال بعضهم: المُخَرْفَشَة. بالشِّين(38) ، وليس بشيء.
          وقال: في حديثه أنَّ رجلاً سأله، فقال: إنِّي رجل مِصْراد، فأُدْخِلُ المِبْوَلَةَ معي في البيت؟ (فقال: نعم،) وَادْحَلْ في الكِسْرِ. يعني بالمصراد: الذي يشتدُّ عليه البرد، ويَقِلُّ صبرُه عليه، وقوله: ادْحَلْ _بالمهملتين_ مأخوذ من الدَّحْل، وهو هُوَّة في الأرض، وأسفل الأودية فيها ضيق، ثمَّ يتَّسع، شبَّه جوانب الخباء ومداخله بذاك، يريد(39) : صِرْ فيها(40) كالذي يصير في الدَّحْل، والكسْر _بفتح الكاف وكسرها_: الشُّقَّة التي تلي الأرض من الخبَاء، أو التي في أقصى الخباء.
          وقال: في حديث أبي هريرة أنَّه سئل عن الضَّبع، فقال: الفُرْعُل؟ تلك نعجة من الغنم. فجعل الضَّبع فُرْعُلاً، والفُرْعُلُ عند العرب: ولد الضَّبع إذا كان الأب والأم ضبعاً، وإذا كان بين الذئب والضَّبع، فذلك عِسْبَار(41) ، أراد أنَّ الضَّبع حلال بمنزلة الغنم، يؤكل.
          وقال _في حديث أبي هريرة_: لمَّا افتتحنا خيبرَ، إذا ناس من اليهود مجتمعون على خُبزةٍ يَمُلُّونَها، فطردناهم عنها، فأخذناها فاقتسمناها، فأصابتني كسرة، وقد كان بلغني أنَّه من أكل الخبز سمن، فلمَّا أكلتها جعلت أنظر في عِطْفَيَّ هل سمنت؟ المَلَّةُ: الحفرةُ التي فيها الخُبزة، وقوله: يَمُلُّونها إذا عملوها في المَلَّة، وفلان يتململ على فراشه، إذا كان يتضوَّر عليه، كأنَّه على مَلَّةٍ، فهو قلق.
          وقال: في حديث أبي هريرة أنَّه كان يسبِّح بالنَّوى المُجزَّع. يعني الذي حكَّ بعضه ببعض حتَّى ابيضَّ شيء منه، وترك الباقي على لونه، وكذلك كلُّ أبيض مع سواد، والمراد [أنَّه] كان يُحصي تسبيحه، ويسبِّح بالنَّوى، كنحوٍ من فعل النِّساء.
          وقال: في حديث أبي هريرة في يأجوجَ ومأجوجَ: يسلَّط عليهم النَّغَفُ، فيأخذ في رقابهم. هو الدُّود الذي يكون في أنوف الإبل والغنم، وأيضاً الدُّود الأبيض يكون في النَّوى إذا(42) أُنْقِع، وما سوى ذلك فليس بنَغَفٍ.
          وقال: في حديث أبي هريرة حين ذكر حديثاً عن رسول الله صلعم فقال: أسمعته من رسول الله صلعم ؟ فقال: أنا ما طَهْوِيٌّ(43) ؟! هذا مثل ضربه؛ لأنَّ الطَّهْوَ إنضاجُ(44) الطَّعام، فجعل إحكامه للحديث وإتقانه كالطَّاهي المُجيدِ المُنْضِجِ لطعامه، يقول: فما كان عملي إن كنت لم أُحْكِمْ هذه الرِّواية التي حكيتها عن النَّبيِّ صلعم كإحكام الطَّبَّاخ؟ وكان وجه الحديث أن يقول: فما كان طَهْوِي؟ وممَّا(45) كان إذاً طَهْوِي؟ ولكنَّ الحديث جاء على هذا اللَّفظ.
          وقال: في حديث أبي هريرة: يوشك أن يعمل عليكم بُقْعَانُ أهل الشَّام. أراد البِيْض؛ لأنَّ خدم / الشَّام إنَّما هم الرُّوم والصَّقَالِبَة، وهم بيض.
          وقال: في حديث أبي هريرة أنَّه قال: يا رسول الله، إنِّي إذا رأيتك قَرَّتْ عيني، وإذا لم أرك تبعثرتْ(46) نفسي، أي خَبُثَتْ ولَقِسَتْ.
          واعلم أنِّي ندمت على تقليدي أبا نصر الكلاباذيَّ ندامة الكُسْعِيِّ في ذكر هذه التَّرجمة، وكان الحقُّ _كما أشرت إليه_ أن أذكره في عبد الله، أو عبد الرَّحمن، اسم سمَّاه رسول الله صلعم كيف، وهو أحبُّ الأسماء إلى الله؟ لا في هذه التَّرجمة، اسم سمَّاه أبوه به، كيف وهو أبغض الأسماء إلى الله تعالى؟ لكن سارت به الرُّكبان، فلا أستطيع التَّغيير. فتأمَّل.
          وذكر ابن السَّمعانيِّ أبياتاً في أنسابه(47) _من البحر الوافر أحببت ذكرها ههنا_:
تبشِّرني المُنَى ببقاء نفسي                     وشيبُ الرَّأس ينذر بالتَّفاني
إلى كم ذا التَّسلِّي بالتَّمنِّي                     وكم هذا التَّمادي في التَّواني
أترضَى أن تعيش وأنتَ راضٍ                     من الدُّنيا بتعليل الأماني
وَجَدُّ المرءِ مقرونٌ بِجِدٍّ                     فَجُدَّ ولم يكن جدٌّ لِوَانِي
وموتُ المرء في الإكرام خيرٌ                     من العيش المُزَجِّي في الهوانِ


[1] الهداية والإرشاد:2/491.
[2] في (ن): (خلافاً).
[3] في غير (ن): (هذه).
[4] شرح البخاري:1/82، وجاء في أصولنا: (وسبعين) بدل (وستين) والمثبت منه.
[5] مقدمة الفتح: ص476.
[6] في (ن): (شيئاً).
[7] في غير (ن): (سمع).
[8] في غير (ن): (صاحبي وتابعي).
[9] أسد الغابة:6/314، وفيه: (وواظب عليه) بدل (وواظبه).
[10] في غير (ن): (يحببنا).
[11] في غير (ن): (تكره).
[12] في (ن): (ثلاثين وثلاثاً).
[13] في (ن): (فيسير الرجل فيقول فيلقى الطريق) وهو خطأ بين.
[14] الهداية والإرشاد:2/492.
[15] تأخر في غير (ن) إلى آخر المذكورين.
[16] في غير (ن): (كاتب).
[17] النجم الوهاج:8/465.
[18] في الأصول: (ذنبي) والمثبت من المصدر.
[19] في غير (ن): (المزادة).
[20] في (ن) تصحيفاً: (وخرج).
[21] في (ن): (عشر).
[22] شرح النووي على مسلم:1/68.
[23] شرح البخاري:1/82.
[24] في غير (ن): (أمير المدينة).
[25] أسد الغابة:6/315.
[26] الخبر أجمع في غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام:4/179، طبعة الهند.
[27] في (ن): (أحبه).
[28] في (ن): (ما).
[29] في (ن): (أغناء).
[30] في غير (ن): (حجارة).
[31] في غير (ن): (طريقها).
[32] في (ن): (شفتها).
[33] كذا في الأصل، بتقديم القاف على الفاء، وفي اللسان (كفح): أقحفها، من قحف الرجل ما في الإناء، إذا شرب ما فيه.
[34] في غير (ن): (بأدناها).
[35] في (ن): (بالقشعى) والمثبت موافق لغريب الحديث.
[36] في (ن) تصحيفاً: (حمى).
[37] تكررت كلمة (كفراً) في (ن).
[38] في (ن) تصحيفاً: (بالسين).
[39] في غير (ن): (يقول).
[40] في (ن): (اصرفها).
[41] في (ن): (عسبر).
[42] في (ن) تصحيفاً: (أو).
[43] في (ن) تصحيفاً: (ما طهوري) وكذلك الموضع بعده.
[44] اضطربت العبارة في (ن): (الطهور المنضاج للطعام).
[45] في غير (ن): (أو فما).
[46] تبعثرت وتبغثرت بإعجام العين وإحمالها بمعنى واحد.
[47] الأنساب:4/310، والشعر لأبي عبد الله الحسين بن عبد الله السرخسي، وفيه: المرخِّى بدل المزجِّي.