غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

عبد الله بن قيس

          709 # عبدُ الله بنُ قَيْس بن سُلَيم، أبو موسى الأشعريُّ، الصَّحابيُّ.
          سمع رسول الله صلعم، وحدَّث عنه ثلاث مئة وستِّين حديثاً، للبخاريِّ منها أربعة وخمسون عند الكرمانيِّ، وسبعة وخمسون عند ابن حجر(1) .
          نقل عنه البخاريُّ بالواسطة في مواضع، (أوَّلها): في باب أيُّ الإسلام أفضل، من كتاب الإيمان [خ¦11] .
          روى عنه: أنس بن مالك، وطارق بن شهاب، وأبو وائل، وسعيد بن المسيَّب، وعُبيد بن عُمير، وابناه أبو بُردة وأبو بكر.
          وهو جدُّ(2) الأعلى للإمام أبي الحسن الأشعريِّ، إمام أهل السُّنَّة، وأمُّه ظَبْيَةُ بنت وهب، امرأة من عَكٍّ، أسلمت وماتت بالمدينة.
          ذكر الواقديُّ أنَّ أبا موسى قدم مكَّة، فحالف سعيد بن العاص، وكان قدومه مع إخوته في جماعة من الأشعريِّين، ثمَّ أسلم وهاجر إلى أرض الحبشة، وقالت طائفة من العلماء: إنَّه لمَّا قدم مكَّة انصرف إلى بلاد قومه، ولم يهاجر إلى أرض الحبشة، ثمَّ قدم مع إخوته، فصادف قدومه قدوم السَّفينتين من أرض الحبشة. قال أبو عمر(3) : وهذا هو الصَّحيح؛ فإنَّه ركب كما قال أبو موسى(4) : بلغَنا مخرَجُ رسول الله صلعم، ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين أنا وأخوان(5) _(أنا) أصغرهما_ أبو بردة وأبو رُهْم، في ثلاثة وخمسين رجلاً من قومي، فركبنا السَّفينة، فألقتنا إلى النَّجاشيِّ بالحبشة، فوافقنا جعفراً وأصحابه، فقال جعفر: إنَّ رسول الله صلعم بعثنا (إلى) ههنا، وأمرنا بالإقامة، فأقيموا. فأقمنا جميعاً؛ حتَّى قدمنا عليه، فوافقناه قد فتح خيبر، فأسهم لنا، وما قسم لأحد غاب عن خيبر منها إلَّا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه. وقيل: إنَّ رسول الله صلعم لم يقسم لهم. واستعمله عمر على البصرة بعد المغيرة بن شعبة، ثمَّ عزله عثمان، ولمَّا منع أهل الكوفة سعيد بن العاص أميرهم عن الكوفة، طلبوا(6) من عثمان أن يستعمل عليهم أبا موسى، فاستعمله، فلم يزل عليها(7) حتَّى استخلِف عليٌّ، فأقَّره عليها، فلمَّا سار عليٌّ إلى البصرة لمنع(8) طلحة والزُّبير عنها، أرسل إلى أهل الكوفة يدعوهم لينصروه، فمنعهم أبو موسى، وأمرهم بالقعود في الفتنة، فعزله عليٌّ عنها، وصار أحد الحكمين، فخُدِع فانخدع. قال عكرمة: لمَّا كان يوم الحَكَمين حَكَّم معاويةُ عمرو بن العاص، قال الأحنف بن قيس لعليٍّ: يا أمير المؤمنين، حكِّم ابن عبَّاس، فإنَّه نحوه(9) . قال اليمانيُّون: يكون / أحد الحكمين منَّا. واختاروا أبا موسى، فقال ابن عبَّاس لعليٍّ: عَلاَمَ تحكِّم أبا موسى؟ فوالله لقد رأيت رأيه فينا، فوالله ما نصرنا وهو يرجونا، فندخله الآن في معاقد الأمر، مع أن أبا موسى ليس بصاحب ذلك، فاجعل الأحنف، فإنَّه قِرْنٌ لعمرو. فقال: أفعل. فقال اليمانيُّون، منهم الأشعث بن قيس: لا يكون فيها إلَّا يَمَانٍ، ويكون أبا موسى. فجعله عليٌّ، وقال له ولعمرو: أحكِّمُكُما على أن تحكما بكتاب الله، وكتاب الله كلُّه معي، فإن لم تحكما بكتاب الله، فلا حكومة لكما. فخادعه عمرو فانخدع.
          وكان أبو موسى عامل رسول الله صلعم على زَبيد(10) وعَدَن، واستعمله عمر على البصرة، وشهد وفاة أبي عبيدة بن الجرَّاح بالشَّام، وكان من أكابر الصَّحابة، وفضلائهم، وفقهائهم، وقدم دمشق على معاوية، وكان حسن الصَّوت بالقرآن، وقد أوتي مزماراً من مزامير آل داود، وبلغه أن قوماً يمنعهم من الجمعة أن ليس لهم ثياب، فخرج على النَّاس في عباءة.
          قال ابن إسحاق: في سنة تسع عشرة بعث سعد بن أبي وقَّاص عِيَاضَ بنَ غَنْم [بن تميم] إلى الجزيرة، وبعث معه أبا موسى، وابنه عمر بن سعد، فبعث عياض أبا موسى إلى نصيبين، فافتتحها في تلك السَّنة، وقيل: إنَّ الذي أرسل عياضاً أبو عبيدة بن الجرَّاح، فوافق أبا موسى، فافتتحا حَرَّانَ ونَصِيبْينَ. وقال عاصم بن حفص: قدم أبو موسى إلى البصرة سنة سبع عشرة والياً بعد عزل المغيرة، وكتب إليه عمر: أن سِرْ إلى الأهواز. فأتى الأهواز فافتتحها عنوة، وقيل: صلحاً. وافتتح أبو موسى أصبهان سنة ثلاث وعشرين.
          وتوفِّي بمكَّة، أو بالكوفة، سنة اثنتين(11) ، أو أربع وأربعين، عن ثلاث وستِّين سنة، وقيل: مات سنة خمسين، أو اثنتين، أو ثلاث وخمسين.


[1] شرح البخاري:1/91، ومقدمة الفتح: ص475.
[2] في (ن) تصحيفاً: (جدد).
[3] الاستيعاب:3/980، وأسد الغابة لابن الأثير:3/376.
[4] الحديث في البخاري برقم (3136)، وجاء في النسخ كلها (فأقسم لنا) بدل فأسهم، وهو تصحيف، والمثبت من صحيح البخاري.
[5] في (ن) تصحيفاً: (أخوات).
[6] في غير (ن): (فتطلبوا).
[7] في غير (ن): (فيها).
[8] في غير (ن): (ليبين).
[9] ما عندنا يوافق أسد الغابة:3/365، وفي سير أعلام النبلاء:3/347: فإنه مجرَّب.
[10] في غير (ن): (بزبيد).
[11] في (ن): (اثنين).