غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

عوف بن مالك بن أبي عوف

          1029 # عَوْفُ بن مالك بن أبي عَوْف، الأَشْجَعِيُّ، الشَّاميُّ، يكنَّى أبا عبد الرَّحمن، وأبا حمَّاد، وأبا عمرو، وأوَّل مشاهده خيبر، وكانت معه راية أشجع يوم الفتح، وسكن الشَّام، هكذا قال ابن الأثير(1) ، فعلى هذا غلط من قال: إنَّه من مُسْلِمَةِ الفتح. وقدم مصر.
          وحدَّث عن رسول الله صلعم سبعة وستِّين(2) حديثاً، للبخاريِّ منها حديث واحد، في باب الجزية [خ¦3176](3) .
          ورأى عوف كعباً يقصُّ(4) في مسجد حمص، فقال: يا ويحه! أما سمع النَّبيَّ صلعم يقول: «لا يقصَّ على النَّاس إلَّا أمير أو مأمور أو مختال»؟
          وروى أبو المَليح عن عوف الأشجعيِّ، قال: قال رسول الله صلعم: /
           «أتاني آت، فخيَّرني بين أن يدخل نصف أمَّتي الجنَّة وبين الشَّفاعة، فاخترت الشَّفاعة، وهي لمن مات لا يشرك بالله شيئاً». قلت: فهذا أدلُّ دليل على صحَّة الشَّفاعة وحقيقتها، لا كما زعمت المعتزلة، محتجِّين(5) بقوله تعالى: { وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً } [البقرة:48] والجواب: لا تجزي نفس مؤمنة عن نفس كافرة شيئاً. قاله سعد الدِّين التَّفتازانيُّ، ولنا أدلَّة كثيرة أوضحناها في أصول الدِّين، ومن أعظمها، كما قال التَّفتازانيُّ، قوله ╡: { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [محمد:19] وهذا أمر منه تعالى لنبيِّه بالاستغفار للمؤمنين، وهل الشَّفاعة إلَّا ذلك؟ وأيضاً من أعظم ما يستدلُّ به قوله ╡: { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ } [المدثر:48] يعني الكفَّار، وهذا تعيير عليهم بذلك، ولولا أنَّ الشَّفاعة تنفع المؤمنين لما عيَّرهم الله تعالى بذلك، أما ترى إلى قولهم، كما حكاه ربُّنا تبارك وتعالى: { فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا } [الأعراف:53] يعني كما شفعوا(6) للمسلمين. قال علماء المعاني: وإنَّما عدلوا عن همزة الاستفهام التي هي أمُّ الباب إلى هل لشدَّة الاعتناء والاهتمام. وممَّا يصرِّح بجواز الشَّفاعة بل بوقوعها قوله تعالى: { رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ } [الحجر:2] ، وذلك حيث رأوا النَّار خالية من المسلمين، وخرجوا من النَّار بالشَّفاعة وبرحمة الله، فتمنَّوا ذلك، ويؤيِّده قوله ╡، حكاية عن الكفَّار: { مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ } [ص:62] قال صلعم: «يشفع الأنبياء، ثمَّ العلماء، ثمَّ الشهداء». فاظفر بمرتبة بين المرتبتين، ولعمري إنَّ آيات الشَّفاعة وأحاديثها أشهر من أن يؤتى عليها ببرهان، أو يطلب عليها بيان، ومنكرها مكابر للبديهي الصِّرف، لا يشوبه ريبة، فإنَّه إذا جاز العفو بلا شفاعة، فبالشَّفاعة أولى، فتأمَّل.
          رجعنا إلى ما نحن(7) بصدده، وإن خرجنا عنه، فلا يخلو عن فائدة. قال أبو نصر الكلاباذيُّ(8) : روى عنه أبو إدريس الخولانيُّ. نقل عنه البخاريُّ بالواسطة، في كتاب الجزية [خ¦3176] .
          توفِّي بالشَّام في خلافة معاوية، وقال ابن(9) الأثير: مات بدمشق سنة ثلاث وسبعين، وهو قول الواقديِّ.


[1] أسد الغابة:4/300.
[2] في (ن): (سبعة وستون) وهو لحن.
[3] جاء في هامش (ف) عند هذه العبارة ما نصه: ما أعظم قدرك عند الله أيها المؤمن. وإلى جانبها كلمة صح.
[4] في (ن) تصحيفاً: (يقضي) في الموضوعين.
[5] في (ن) تصحيفاً: (محتجاً).
[6] في غير (ن): (كما شفع).
[7] في غير (ن): (كنا).
[8] الهداية والإرشاد:2/586.
[9] أسد الغابة:4/300- 301، وحديث عوف بن مالك برقم (3176).