غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

عبد الله بن الزبير

          665 # عبدُ الله بنُ الزُّبير بن عِيْسَى، أبو بكر الحُمَيْدِيُّ _بضمِّ المهملة، وفتح الميم_ القرشيُّ المكيُّ، تلميذ الشَّافعيِّ.
          سمع: سفيان بن عيينة _وجالسه تسع عشرة سنة_ والوليدَ بن مُسْلِم، ووكيعَ بن الجَرَّاح، ومروان بن معاوية، وبشر بن بُكَيْر.
          روى عنه البخاريُّ بلا واسطة أوَّل الصَّحيح [خ¦1] ، وغير موضع.
          قال الكرمانيُّ(1) : الحميديُّ منسوب إلى جدِّه الأعلى، وهو أَسَدِيٌّ، رئيس أصحاب ابن عيينة.
          قال السُّبكيُّ في الطَّبقات الكبرى(2) : هو محدِّث مكَّة وفقيهها، تفقَّه بالشَّافعيِّ، وذهب معه إلى مصر. قال الإمام أحمد: الحميديُّ عندنا إمام. قال أبو حاتم: أثبت النَّاس في ابن عيينة الحميديُّ. قال الشَّافعيُّ: ما رأيت صاحب بلغم أحفظ من الحُميديِّ، كان يحفظ لابن عيينة عشرة آلاف حديث. قال(3) يعقوب بن سفيان: ما رأيت أنصح للإسلام وأهله منه. قال ابن راهويه: الأئمَّة في زماننا الشَّافعيُّ، والحميديُّ، وأبو عُبيد.
          قال الحميديُّ: ما دمت في الحجاز، وأحمد بالعراق، وإسحاق بخراسان لا يغلبنا أحد. قال الحاكم: الحميديُّ لأهل الحجاز في السُّنَّة كأحمد لأهل العراق. قال البخاريُّ: الحميديُّ إمام في الحديث.
          قال الحميديُّ: قدم الشَّافعيُّ من صنعاء إلى مكَّة بعشرة آلاف دينار في منديل، فضرب خباءه خارجها، وأتاه النَّاس، فما برح حتَّى وهب كلَّها.
          قال الحُمَيْدِيُّ: ذكر رجل للشَّافعيِّ حديثاً، وقال: أتقول به؟ فقال: أرأيت في وسطي زناراً؟ أتراني خرجت من كنيسة حتَّى تقول لي هذا؟ ولمَّا مات الشَّافعيُّ قصد ابنُ عبد الحكم أن يجلس مكانه ويتصدَّر في حلقته، فقال البويطيُّ: أنا أحقُّ بذلك، ووصَّى لي به الشَّافعيُّ. فشهد له الحميديُّ بذلك، فغضب ابنُ عبد الحكم، وقال للحميديِّ: كذبت (أنت). فقال الحميديُّ: كذبت أنت وأبوك وأمُّك. فرجع ابن عبد الحكم عن مذهب الشَّافعيِّ، وصار مالكيًّا(4) .
          تتمَّة:
          قال الحُميديُّ: تناظر الشَّافعيُّ ومحمَّد بن الحسن، فقال محمَّد: ما تقول في رجل غصب ساجة، فبنى عليها بناء أنفق عليه ألف دينار، ثمَّ جاء صاحب / السَّاجة بشاهدين أنَّ هذا اغتصب السَّاجة منِّي؟ قال الشَّافعيُّ: أقول: لِصاحبِها خُذْ(5) قيمتها، فإن رضي فالقيمة، وإلَّا قَلَعها، ورددتُها عليه. فقال محمَّد: فما تقول فيمن اغتصب من آخر خيطاً، وخاط به جرحه، وأثبت(6) صاحب الخيط بعَدْلَين خيطه؟ أكنت تنزع الخيط؟ قال الشَّافعيُّ: لا. قال محمَّد: الله أكبر، تركتَ قولك؟ قال الشَّافعيُّ: لا تعجل، أخبرني لو لم يغصب(7) السَّاجة من أحد، وأراد أن يقلع(8) هذا البناء عليها، أمباحٌ ذلك له؟ أم محرَّم؟ قال محمَّد: بل مباح ذلك له. فقال الشَّافعيُّ: أرأيت لو كان الخيط لصاحب الجرح الذي خاط به نفسه، فأراد أن ينزعه من جرحه، أمباح له ذلك؟ أم محرَّم؟ فقال محمَّد بن الحسن: بل محرَّم. فقال الشَّافعيُّ: الله أكبر، كيف تقيس حلالاً على محرَّم؟ فقال محمَّد: أرأيت لو أدرج غاصب السَّاجة في سفينة ولجَّ في البحر، أكنت تنزعها من(9) السَّفينة؟ قال الشَّافعي: بل آمره أن يقرِّب سفينته(10) إلى أقرب المراسي إليه، ثمَّ أنزع اللَّوح، وأدفعه إلى صاحبه. قال محمَّد: أليس قد قال رسول الله صلعم: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام»؟ فقال الشَّافعيُّ: هو أضرَّ بنفسه، لم يضرَّ به أحد. ثمَّ قال الشَّافعيُّ: ما تقول في رجل اغتصب جارية، فأولدها عشرةً كلُّهم قد قرأوا(11) القرآن، وخطبوا على المنابر، وحكموا بين المسلمين، فأثبت(12) صاحب الجارية بعدلين أنَّ هذا اغتصبها منه، فأنشدك الله ماذا كنت تحكم؟ قال: كنت أحكم بأنَّ(13) أولاده أَرِقَّاء لصاحب الجارية. فقال الشَّافعيُّ: أيُّهما أعظم عليه ضرراً أن تجعل أولاده العشرة أَرِقَّاء، أو يقلع البناء عن السَّاجة(14) ؟
          ونقل الرَّافعيُّ في الكبير عن الحُميديِّ _كما أفاده في المهمَّات_ في كتاب الحجِّ أنَّه روى عن الشَّافعيِّ أنَّ الشَّعرة الواحدة يجب فيها ثلث دم، وفي الشَّعرتين ثلثان.
          توفِّي بمكَّة في ربيع الأوَّل، سنة تسع عشرة ومئتين، وقيل: سنة عشرين.


[1] شرح البخاري:1/16.
[2] 2/140.
[3] تكررت (قال) في (ن).
[4] في (ن) هنا زيادة: (قال السُّبكيُّ في طبقاته). والظاهر أنه سبق نظر من الناسخ.
[5] في غير (ن): (أخذ).
[6] في غير (ن): (وثبت).
[7] في غير (ن): (يغتصب).
[8] في (ن) تصحيفاً: (يبلغ).
[9] في (ن): (في).
[10] في غير (ن): (بسفينته).
[11] في غير (ن): (قرأ).
[12] في (ن) تصحيفاً: (فأتيت).
[13] في غير (ن): (أن).
[14] ما سبق من أخبار الشافعي عن الحميدي في حلية الأولياء:9/1578؛ إلا المناظرة فهي في طبقات الشافعية الكبرى للسبكي:2/141، مع بقية أخباره.