غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

عروة بن الزبير

          900 # عروة بن الزُّبير بن العوَّام، التَّابعيُّ، أبو عبد الله القرشيُّ، الأَسَدِيُّ، المدنيُّ.
          ثقة فقيه، مشهور، جليل القدر، مجمع على جلالته وإمامته، وكثرة علمه وبراعته، وهو أحد الفقهاء السَّبعة بالمدينة، وهم سعيد بن المسيَّب، وعُبيد الله بن عبد الله بن عتبة، والقاسم بن محمَّد بن أبي بكر، وعروة، وسليمان بن يَسَار، وخارجة _بالمعجمة، والرَّاء المهملة_ بن زيد بن ثابت، والسَّابع اختلفوا فيه، فقيل: أبو سلمة بن عبد الرَّحمن بن عوف. وقيل: أبو بكر بن عبد الرَّحمن بن الحارث. وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر. وقد جمعهم الشَّاعر في بيت _من البحر الطَّويل_:
فخذهم عبيدُ اللهِ عروةُ قاسمٌ                     سعيدٌ أبو بكرٍ سليمانُ خارجهْ
          وأمُّ عروة هي أسماء ذات النِّطاقين، بنت أبي بكر الصِّدِّيق. إحدى(1) عجائز الجنَّة، أخت عائشة لأبيها، وهي أكبر من عائشة بكثير.
          قال سفيان بن عيينة: أعلم النَّاس بحديث عائشة ثلاثة: القاسم بن محمَّد، وعروة، وعَمْرَةُ(2) ؛ وعروة شقيق أخيه عبد الله، بخلاف أخيهما مصعب، فإنَّه لم يكن من أمِّهما.
          وقد وردت عنه الرِّواية في حروف القرآن، وسمع خالته عائشة، وأمَّه أسماء، وأباه الزُّبير، وأخاه عبد الله، وسمع ابن عمر، وابن عمرو، وعبد الله بن زَمْعة، وأبا جميل، وأبا هريرة، وأبا أيُّوب، وابن عبَّاس، وعمر بن أبي سَلَمة، ربيبَ النَّبيِّ صلعم.
          روى عنه: بنوه: هشام، ويحيى، وعثمان، وعبد الله(3) ، ونافلته عمر بن عبد الله، والزُّهريُّ، وصالح بن كيسان، وأبو سلمة بن عبد الرَّحمن، وعطاء بن أبي رباح، وأبو الأسود محمَّد، وعراك بن مالك، وأبو بكر بن حفص.
          نقل عنه البخاريُّ بالواسطة في مواضع، أوَّلها: في أوَّل الصَّحيح، في باب كيف (كان) بدء الوحي [خ¦2] . /
          وكان عروة عالماً صالحاً، أصابته الأكلة في رجله _وهو بالشَّام عند الوليد بن عبد الملك_ فقطعت رجله في مجلس الوليد، والوليد مشغول عنه بمن يحدِّث، فلم يتحرَّك، ولم يشعر الوليد أنَّها قطعت حتَّى كويت، فشمَّ رائحة الكيِّ، ولم يترك ورده تلك اللَّيلة، ويقال: إنَّه مات ولده محمَّد في تلك السَّفرة، فلمَّا عاد إلى المدينة، قال: { لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا } [الكهف:62]
          ولمَّا قتل أخوه عبد الله بن الزُّبير قدم عروة على عبد الملك، فقال له يوماً: أريد أن تعطيني سيف أخي عبد الله. قال: هو بين السُّيوف، ولا أميِّزه من بينهم. فقال عروة: إذا حضرت السُّيوف ميَّزته من بينها. فأمر عبد الملك بإحضارها، فلمَّا حضرت أخذ منها سيفاً مفلَّل(4) الحدِّ، فقال: هذا سيف أخي. فقال عبد الملك: أكنت تعرفه قبل الآن؟ قال: لا. قال: فكيف عرفته؟ قال: بقول النَّابغة، فأنشد _من البحر الطَّويل_:
ولا عيبَ فيهم غيرَ أنَّ سيوفَهمْ                     بهنَّ فُلُولٌ من قِرَاعِ الكتائبِ
          وعروة هو الذي حفر بئر عروة بالمدينة، وهي منسوبة إليه، وليس بالمدينة بئر أعذب منها ماء، ومن العجائب أنَّ المسجد الحرام جمع بين عبد الملك بن مروان، وعبد الله بن الزُّبير، وأخويه مصعب، وعروة هذا أيَّام إلفتهم واتِّفاقهم زمن معاوية بن أبي سفيان، فقال بعضهم: هلمَّ فلنتمنَّ على الله تعالى. فقال عبد الله: منيتي أن أملك الحرمين، وأنال الخلافة. وقال مصعب: منيتي أن أملك العراقين، وأجمع بين عقيلتي قريش، سُكينة بنت الحسين، وعائشة بنت طلحة. وقال عبد الملك: منيتي أن أملك الأرض كلَّها، وأخلف معاوية. فقال عروة: لست في شيء ممَّا أنتم فيه، منيتي الفوز بالجنَّة في الآخرة، والزُّهد في الدُّنيا، وأن أكون ممَّن يروى عنه هذا العلم. فضرب الدَّهر ضروبه إلى أن بلغ كلٌّ منهم مناه، فكان عبد الملك بن مروان يقول: من سرَّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنَّة في الدُّنيا فلينظر إلى عروة بن الزُّبير.
          ولد عروة سنة عشرين، أو اثنتين(5) وعشرين، أو ستٍّ وعشرين، أوائل خلافة عثمان، ولذا قال يحيى بن معين: استصغر عروة يوم الجمل.
          وتوفِّي سنة (الفقهاء) سنة ثلاث، أو أربع، أو خمس وتسعين، وقيل مات سنة مئة، أو بعدها.


[1] في غير (ن): (أحد).
[2] في غير (ن): (عمر) وهو تصحيف، وعَمْرَةُ هي بنت عبد الرحمن الأنصارية، وكانت في حجر عائشة ♦. الجرح والتعديل لابن أبي حاتم:1/45.
[3] في غير (ن): (وابن عبد الله وعبد الله) والنافلة: ولد الولد (اللسان: نفل).
[4] في غير (ن): (مفلول).
[5] في (ن): (اثنين).