غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

عبد الله بن زيد بن عاصِم

          668 # عبدُ الله بنُ زَيْدِ بنِ عَاصِم بنِ عَمْرو الأنصاريُّ(1) ، المازنيُّ، الصَّحابيُّ، أخو حَبيب بن زيد، الذي بعثه رسول الله صلعم إلى مُسيلمة الكذاب، وكان إذا قال له مسيلمة: أتشهد أن محمَّداً رسول الله؟ يقول: نعم. وإذا قال: أتشهد أنِّي رسول الله؟ يقول: أنا أصمُّ، لا أسمع شيئاً. ففعل ذلك مراراً، فقطَّعه قطعاً قطعاً، عضواً عضواً، فمات شهيداً، وأمُّهما نَسِيْبَةُ _بفتح النُّون، وكسر المهملة، وفتح الموحَّدة بعد المثنَّاة التَّحتيَّة(2)_ بنت كَعْب، تكنَّى أُمَّ عُمارة.
          شهدت بيعة العقبة وأُحُداً مع زوجها وابنيها، وشهدت بيعة الرِّضوان، وكانت نبيلة القدر(3) ، وشهدت مع ابنها عبد الله هذا وقعة اليمامة على زمن أبي بكر الصِّدِّيق، يقاتلان تحت راية خالد بن الوليد _وكان يوماً مشهوداً(4)_ وانكشف المسلمون مرَّات، وكذلك الكفَّار؛ حتَّى حفر سالم مولى أبي حذيفة، ☺، لرجليه إلى ركبتيه، وأخذ الرَّاية فاستشهد، وصعد عمَّار بن ياسر صخرة، وهو جريح، وأذنه متدلِّية، ونادى: إليَّ إليَّ، أيُّها المسلمون، فما كنَّا نقاتل بين يدي رسول الله صلعم هكذا. فحمل المسلمون حملة رجل واحد، وألجؤوا الكفَّار إلى حائط، وتحصَّنوا، فقال البراء بن مالك _أخو أنس_: ارموني إليهم في الحائط حتَّى يشتغلوا بي، فتكسروا الباب، فتدخلوا. ففعلوا ذلك، فدخل المسلمون، وتقدَّمت نَسِيْبَةُ هذه تقاتل [لله و] في الله، وتأخذ بثأر ابنها حَبيب، قاصدة في ذلك كلِّه إلى عدوِّ الله مسيلمة الكذَّاب، فضرب على يدها فقطعت، وهي مع هذا كلِّه تتقدَّم، فجرحت اثني عشر جرحاً، ومع هذا ابنها يقاتل كذلك، واشتدَّا(5) حتَّى وصلا إلى عدوِّ الله، فقيل: إنَّها ضربته أوَّل ضربة، وجرحَ ابنُها عبدُ الله مسيلمةَ وقتلَه، كما قال خليفة بن خيَّاط(6) وغيره، وإن كان المشهور أنَّ وحشيًّا هو الذي قتله، فإنَّه كان يقول: قتلت خير النَّاس وأنا مشرك، وقتلت شرَّ النَّاس وأنا مؤمن.
          قال ابن(7) الأثير: وأحبَّ عبد الله أن يأخذ بثأر أخيه، فقدَّر الله تعالى أن شارك وحشيًّا في قتل مسيلمة، رماه وَحْشِيٌّ بالحربة، وضربه عبد الله بالسَّيف، فقتله.
          ويكنَّى عبدُ الله أبا محمَّد.
          قال ابن حجر: لعبد الله في صحيح البخاريِّ تسعة أحاديث.
          روى عنه: ابن أخيه عَبَّاد بن تميم بن زيد، ويحيى بن عُمارة.
          نقل عنه البخاريُّ بالواسطة في مواضع، أوَّلها: في باب لا يتوضَّأ من الشَّكِّ، من كتاب الوضوء [خ¦137] .
          قال خليفة بن خيَّاط: ليس عبدُ الله هذا صاحبَ الأذان، وإن غلط فيه سفيان بن عيينة(8) ، بل إنَّما هو أبو محمَّد عبد الله بن زيد بن / عبد ربِّه الأنصاريُّ، من بلحارث(9) ، ولم يخرِّج له البخاريُّ من حديثه في الجامع شيئاً، قال البخاريُّ: لا يعرف لعبد الله بن زيد بن عبد ربِّه إلَّا حديث الأذان.
          قال الدَّميريُّ: إنَّ عبد الله صاحب الأذان لمَّا مات النَّبيُّ صلعم دعا على نفسه أن يُعميه الله؛ حتَّى لا يرى أحداً بعده، فقبل الله دعاءه، فعمي لساعته(10) . ونقل ذلك عن القرطبيُّ(11) ، وكان رؤياه الأذان في السَّنة الثَّانية من الهجرة. لكن قال النَّوويُّ: إنَّ صاحب الأذان روى أحاديث غيره، وروى بعضها في تهذيب الأسماء(12) .
          قال أبو نصر(13) : قتل عبد الله بن زيد بن عاصم يوم الحَرَّة لثلاث بقين من ذي الحجَّة، سنة ثلاث وستِّين، آخر ولاية يزيد بن معاوية، وله أربع وستُّون، أو له سبعون سنة.


[1] كذا نسبه المصنف، وهو يتابع الكلاباذي في رجاله:1/389، وفي تهذيب الكمال 14/538: عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب بن عمرو.
[2] وقيل: نُسيبة: مصغَّراً، وقيل: التي بالتصغير نسيبة أم عطية الأنصارية أسد الغابة:7/302.
[3] في (ن) تصحيفاً: (القدرة).
[4] في غير (ن): (مشهوراً).
[5] في (ن): (وأشدَّ).
[6] تاريخ خليفة:1/18.
[7] أسد الغابة:3/254.
[8] ووهَّمه البخاري في صحيحه برقم (1012) وقال: كان ابن عيينة يقول: هو صاحب الأذان، ولكنه وَهْم؛ لأن هذا عبدُ الله بن زيد بن عاصم المازنيُّ مازنُ الأنصار.
[9] في غير (ن): (بني الحارث).
[10] في غير (ن): (بساعته).
[11] الجامع لأحكام القرآن:5/271 عند تفسير الآية (69) من سورة النساء، وهي قوله: { وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ } الآية.
[12] 1/269، برقم (299).
[13] الهداية والإرشاد:1/389، وهو الذي قال نقلاً عن خليفة: إنه ليس هو بصاحب الأذان، قلت: ولم أجد كلام خليفة في المطبوع من تاريخ خليفة أو طبقاته.