غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

عبد الله بن عثمان أبو بكر الصديق

          698 # عبدُ الله بنُ عثمانَ بنِ عامرِ بنِ عَمْرو بنِ كَعْب، أبو بكر الصِّدِّيق، الصَّحابيُّ بنُ الصَّحابيَّين(1) ، والد الصَّحابة.
          أوَّل من آمن بالنَّبيِّ صلعم من الرِّجال، الخليفة بالحقِّ، الدَّاعي إلى الهدى من غير أن يخاف [في الله] لومة لائم، القرشيُّ، التَّيميُّ، أبو بكر الصِّدِّيق بن أبي قُحَافة، وأمُّه أمُّ الخير، سَلْمَى بنت صَخْر بن عامر بن (عمرو بن) كَعْب، وهو صاحب رسول الله صلعم في الغار في الهجرة، والخليفة بعده، ويقال [له] : العتيق؛ لأنَّ النَّبيَّ صلعم قال له: «أنت عتيق من النَّار». وقيل: لحسن وجهه. وقيل: لطيبة أصله؛ لأنَّه لم يكن في نسبه ما يعاب به. _وسيأتي وجه آخر غير هذا_ شهد بدراً والمشاهد كلَّها.
          روى مئة واثنين وأربعين حديثاً. قال ابن حجر(2) : للبخاريِّ منها اثنان وعشرون حديثاً.
          روى عنه عبد الله بن عمر بن الخطَّاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وطارق بن شهاب.
          نقل عنه البخاريُّ بالواسطة، / في الصَّلاة [خ¦369] ، والأحكام [خ¦7191] ، واللُّقطة [خ¦2439] ، وغيرها.
          تولَّى الخلافة يوم الثُّلاثاء، الغد من وفاة رسول الله صلعم، لاثنتي عشرة(3) خلت من ربيع الأوَّل، سنة إحدى عشرة، إلى أن مات ليلة الأربعاء، لثمان بقين من جمادى الآخرة، سنة ثلاث عشرة، ودفن ليلاً، وهو ابن ثلاث وستِّين سنة، وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيَّام، واختلفوا في اسمه، فقيل: كان (اسمه) في الجاهليَّة عبد الكعبة، فسمَّاه رسول الله صلعم عبد الله. وقيل له: الصِّدِّيق؛ وذلك لأنَّه صلعم لمَّا أُسري (به)، وأصبح بمكَّة قعد حزيناً، فأتاه جبريل، فقال: مالك هكذا؟ قال: «أتيت بأمر عظيم، أخاف أن يكذِّبني النَّاس». (قال): فإن كان النَّاس يكذِّبونك، فإنَّ أبا بكر يصدِّقك. فلمَّا أصبح ورآه عدوُّ الله أبو جهل دعاه صلعم، وأعلمه أنَّه أتى البيت المقدس، فاستعظم عدوُّ الله، وقال: أحقيق ما تقول؟ قال: (نعم. قال): أو تقدر أن تقول بين النَّاس ما تقول. [قال: نعم. قال:] وتقول ذلك لصاحبك أبي بكر؟ قال: نعم. فنادى بأعلى صوته يا بني فِهْر، يا أهل الوادي، اسمعوا ما يقول محمَّد. فأتوه من كلِّ أوب، فمن مكذِّبٍ، متعجِّبٍ، ومُرْتَدٍّ، وواضعِ يده على رأسه، ومن(4) نسبه إلى الجنون، فاشتدَّ عدوُّ الله نحو أبي بكر، وقال: هلمَّ اسمع ما يقول محمَّد. قال: ما يقول؟ قال: يزعم أنَّه أتى اللَّيلة بيت المقدس؟ قال: أوقال ذلك؟ قال: نعم. قال: قد صدق، والله لو أخبرني أنَّه أتى السَّماوات السَّبع في غدوة أو روحة لصدَّقته؛ فلذلك سمِّي صدِّيقاً.
          وكان أبو بكر محبَّباً في قومه، مَأْلَفَاً فيهم، وهو من رؤسائهم، وكان إليه الأَشْنَاقُ في الجاهليَّة، والأشناقُ الدِّيَاتُ، كان إذا حمل شيئاً صَدَّقَتْه قريش، وأمضوا حَمَالته، وحَمَالةَ من قام معه، وإن احتملها غيره خذلوه، ولم يصدِّقوه، فلمَّا جاء الإسلام سبق إليه، وأسلم على يديه جماعة؛ لمحبَّتهم له، وميلهم إليه، حتَّى إنَّه أسلم على يده خمسة من العشرة المبشَّرة، _[كما سيأتي]_ وذهب جماعة إلى أنَّه أوَّل من أسلم، منهم ابنُ عبَّاس، وعَمْرو بن عنبسة، وإبراهيمُ النَّخَعِيُّ وغيرهم(5) ، وقيل: أوَّلهم عليٌّ. وقيل: زيد بن حارثة. وقيل: خديجة(6) . والأحسن أنَّ أوَّلهم من الرِّجال أبو بكر، ومن النِّساء خديجة، ومن العبيد زيد، ومن الصِّبيان عليٌّ، رضوان الله عليهم أجمعين.
          قال صلعم «ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلَّا كانت له كبوة وتردَّد ونظر (إلَّا أبا بكر)».
          قال أبو بكر(7) : كنت جالساً بفناء الكعبة، وكان زيد / بن عَمْرو بن نُفَيْل قاعداً، فمرَّ به أميَّة بن (أبي) الصَّلت، فقال: كيف أصبحت يا باغي الخير؟ قال: بخير. قال: هل وجدت؟ قال: لا. قال: ولم آلُ من طلب. ثمَّ أنشد _من البحر الخفيف_:
كلُّ دِيْنٍ يومَ القيامةِ إلَّا                     ما قَضَى اللَّهُ والحنيفةَ بُوْرُ
          [قال:] أمَّا هذا النَّبيُّ الذي يُنتظر، منَّا، أو منكم، أو من أهل فلسطين. قال: ولم أكن سمعت قبل ذلك بنبيٍّ ينتظر، فخرجت أريد وَرَقَةَ بنَ نَوْفَل، وكان كثير النَّظر في السَّماء، كثير همهمة الصَّدر، قال: فاستوقفته، ثمَّ اقتصصت عليه الحديث، فقال: نعم يا ابن أخي، أَبَى أهلُ الكتاب والعلماء إلَّا أنَّ هذا النَّبيَّ ينتظر من أوسط العرب نسباً، ولي علم بالنَّسب، وقومك أوسط العرب نسباً. قال: قلت: يا عمُّ، وما يقول النَّبيُّ؟ قال: يقول ما قيل له إلَّا أنَّه لا ظلم ولا تظالم. فلمَّا بعث صلعم آمنت وصدَّقت.
          قال عبد الله بن مسعود(8) : إنَّ أبا بكر قال: خرجت إلى اليمن قبل أن يبعث النَّبيُّ صلعم، فنزلت على شيخ من الأَزْدِ، عالم، قد قرأ الكتب، وعلم من علوم النَّاس كثيراً، أَتَتْ عليه _كما قال (المالِيْنيُّ)_ أربع مئة إلَّا عشر سنين، قال: فلمَّا رآني قال: أحسبك حَرَمِيَّاً؟ قلت: نعم. قال: وأحسبك قرشيًّا؟ قلت: نعم. قال وأحسبك تَيْمِيَّاً؟ قلت: نعم. قال: بقي لي فيك واحدة. قلت: ما هي؟ قال: تكشف عن بطنك. قلت: لا أفعل، أو تخبرني لم ذلك؟ قال: أجد في العلم الصَّحيح الصَّادق أنَّ نبّياً يبعث في الحرم، يعاونه على أمره فتًى وكهل، فأمَّا الفتى فَخَوَّاضُ غَمَراتٍ، ودافعُ مُعْضِلاتٍ، وأمَّا الكهل فأبيض نحيف، على بطنه شامة، وعلى فخذه اليسرى علامة، وما عليك أن تريني ما سألتك؟ فقد تكاملت [لي] فيك الصِّفة إلَّا ما خفي. قال أبو بكر: فكشفت له عن بطني، فرأى شامة سوداء فوق سُرَّتي، فقال: أنت هو وربِّ الكعبة، وإنِّي متقدِّم إليك في أمر(9) فاحذره. قال أبو بكر: قلت: ما هو؟ قال: إيَّاك والميلَ عن الهدى، وتمسَّك بالطَّريقة الوسطى، وخف الله فيما خَوَّلك وأعطاك. قال أبو بكر: فقضيت باليمن أَرَبي، ثمَّ أتيت الشَّيخ لأودِّعه. فقال: أحامل أنت عنِّي أبياتاً قلتها في ذلك النَّبيِّ؟ قلت: نعم. فذكر أبياتاً، قال أبو بكر: فقدمت، وقد بعث النَّبيُّ صلعم، فجاءني عُقبة بن أبي مُعيط، وشيبة بن ربيعة، وأبو جهل، وأبو البَختريِّ، وصناديد قريش، فقلت لهم: هل ظهر فيكم أمر؟ قالوا: يا أبا بكر، عظم الخطب، يتيم أبي طالب يزعم أنَّه نبيٌّ مرسل، ولولا أنت ما انتظرنا به، فإذ قد جئت فأنت الغاية [والنِّهاية] والكفاية. قال أبو بكر: فصرفتهم عنِّي أحسن شيء، وسألت عن النَّبيَّ صلعم، فقيل: في منزل خديجة. فقرعت عليه الباب، فخرج إليَّ، فقلت: يا محمَّد، فقدت(10) من / منازل أهلك، وتركت دين آبائك وأجدادك؟ قال: يا أبا بكر، إنِّي رسول الله إليك، وإلى النَّاس كلِّهم، فآمِنْ بالله. فقلت: وما الدَّليل على ذلك؟ قال: الشَّيخ الذي لقيته باليمن. قلت: وكم من شيخ لقيته باليمن؟! قال: الشَّيخ الذي أفادك الأبيات، وحمَّلك. قلت: ومن خبَّرك بهذا يا حبيبي؟ قال: المَلَكُ العظيم، الذي يأتي الأنبياء قبلي. فقلت: مدَّ يدك(11) ، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنَّك رسول الله. قال: فانصرفت، وما بين لابتيها أشدُّ سروراً من رسول الله صلعم بإسلامي.
          قال الشَّعبيُّ: سألت ابن عبَّاس: من أوَّل من أسلم؟ قال: أبو بكر، أما سمعت(12) قول حسَّان؟ _يعني من البسيط_:
إذا تذكَّرتَ شَجْوَاً من أخي ثقةٍ                     فاذكرْ أخاكَ أبا بكر بما فَعَلا
خيرَ البريَّةِ أتقاها وأعدلَها                     بعدَ النَّبيِّ وأوفاها بما حَمَلا
الثَّانيَ التَّاليَ المحمودَ مَشْهَدُهُ                     وأوَّل النَّاسِ منهم صَدَّقَ الرُّسُلاَ
          وقال في روض الأفكار: إنَّ أبا بكر كان رجلاً تاجراً، له أموال كثيرة، وكان أكثر سفره إلى الشَّام، فحضر إلى دمشق، فرأى في منامه كأنَّ القمر قد نزل من السَّماء إلى الأرض في حجر أبي بكر، فأخذه أبو بكر، وضمَّه إلى صدره، وانتبه وهو على هذا الحال، وكان نازلاً في دار صاحب له، فأيقظه، وقال: إنِّي قد رأيت هذا المنام، فهل تدلُّني على من يفسِّره لي؟ قال: نعم. فأحضره عند المعبِّرين، فقالوا: ما نعرف تفسير هذا. فطاف به صاحبه دمشق على من عنده علم التَّعبير، فلم يعبِّره أحد، فقيل له: إن أردت تفسيره فامض إلى ساحل البحر عند طرابلس الشَّام، فإنَّ هناك رجلاً راهباً يقال له: تمليخا _وقيل: كان اسمه بحيرا_ فقد علم وقرأ كتباً كثيرة، فامض إليه، فإنَّه يفسِّر رؤياك. فسار أبو بكر، فوصل طرابلس، واستدلَّ على الرَّاهب، فدلُّوه على ظاهر المدينة، فوجده في صومعة، فحضر عنده، فقال له الرَّاهب: ما حاجتك؟ قال له أبو بكر: إنِّي رأيت مناماً، وقد رعبت منه. قال: وما هو؟ قال: رأيت كأنَّ قمر السَّماء نزل إلى الأرض في حجري، فأخذته بيدي، وضممته إلى صدري، وانتبهت على هذا الحال. قال الرَّاهب: من أين أنت؟ قال: من الحجاز. قال: وما تصنع؟ قال(13) : أتَّجر. فضحك الرَّاهب، وقال: يا أخا العرب، إنَّ في منامك هذا بشارة عظيمة لك، فإن أردت تفسيره، فأعطني جائزة على تفسيره. فأخرج أبو بكر اثني عشر ديناراً، ودفعها إليه، فقال: يا أخا العرب، إنَّ القمر الذي نزل إليك هو نبيُّ آخر الزَّمان، سيظهر عن قريب، وتكون أنت وزيره في حياته، وخليفته في مماته، فأبشر، وبالله عليك إن أدركته وأنا حيٌّ، فأرسل إليَّ، وإن كنت ميتاً، فأعلمه أنِّي مسلم على دينه، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمَّداً عبده ورسوله. قال أبو بكر: أعطني خَطَّكَ إن كان الأمر على ما ذكرت، ولك عندي مئة دينار / وجائزة. فكتب الرَّاهب: بسم الله الواحد الأحد؛ أمَّا بعد، فهذا كتابي مع أبي بكر بن أبي قُحافةَ المكيِّ إلى محمَّد بن عبد الله المكيِّ، المدنيِّ، التِّهاميِّ(14) ، نبيِّ آخر الزَّمان بأنَّك _يا محمَّد_ تكون رسول ربِّ العالمين، وأنا تمليخا الرَّاهب، وحضر عندي أبو بكر بن أبي قُحافةَ، وقد فسَّر عليَّ مناماً يدلُّ على أنَّه وزيرك في حياتك، وخليفتك في مماتك، فإن أنا لحقتك جاهدت بين يديك، وإن [أنا] متُّ قبل مبعثك(15) فلا تنسني يا محمَّد، وهذا خطِّي شاهد عليَّ، والله على ما أقول (وكيل). وكان عدَّة السُّطور اثني عشر سطراً، فأخذ أبو بكر الكتاب، وحضر مكَّة، فلمَّا بعث الله نبيَّه طلع على جبل أبي قبيس، وقال في ظلمة اللَّيل: أجيبوا داعي الله، وقولوا: لا إله إلا الله. وكان أبو بكر نائماً على سريره، فلمَّا سمع هذا الكلام قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّك _ (يا) محمَّد _ رسول الله، النَّبيُّ، الأميُّ الذي(16) ، أخبرني عنك الرَّاهب. وكان ذلك بعد مضي اثنتي عشرة(17) سنة من تاريخ كتبه الكتاب، فلمَّا كان بعد ذلك بأيَّام قلائل وجده النَّبيُّ صلعم في بعض أزقَّة مكَّة، فعارضه، وقال: يا أبا بكر، لو جئت إلى الإسلام. قال: إن كنت نبيًّا فلا بدَّ لك من آية. فأسنده صلعم وعصره حتَّى جَهِدَه، فقال: يا أبا بكر، وما يكفيك الآية التي في بيتك منذ اثنتي عشرة سنة، والرُّؤيا التي رأيتها في دمشق، وذهابك إلى الرَّاهب بطرابلس، وأنَّه أودعك وديعة، وعاهدك عهداً، فبلغ العهد، وذلك مدَّة اثنتي عشرة سنة، والكتاب اثنا عشر سطراً، والدَّنانير التي دفعتها إليه اثنا(18) عشر ديناراً، ووعدته(19) إن حصل ما قاله تعطيه مئة دينار، وكلُّ ذلك قد اطَّلعت عليه. فلمَّا سمع ذلك أبو بكر عرف الحقَّ، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمَّداً رسول الله، وأنَّك النَّبيُّ، الأميُّ، التِّهاميُّ، الأبطحيُّ، المكِّيُّ، الذي أخبرني عنك الرَّاهب.
          قال الحافظ أبو القاسم الأصبهاني: قيل لأبي بكر: أخبرنا عن نفسك، هل رأيت شيئاً قطُّ قبل الإسلام من دلائل نبوَّة محمَّد صلعم ؟ فقال أبو بكر: نعم، وهل بقي أحد من قريشٍ أو غير قريش لم يجعل الله تعالى لمحمَّد في نبوَّته حجَّة، وفي غيرها، ولكنَّ الله هدى به من شاء، وأضلَّ (به) من شاء، بينا أنا قاعد في ظلِّ شجرة في الجاهليَّة إذ تدلَّى عليَّ غصن من أغصانها حتَّى صار على رأسي، فجعلت أنظر إليه، وأقول: ما هذا؟ فسمعت صوتاً منها (يقول): هذا النَّبيُّ يخرج في وقت كذا وكذا. فقلت: من هذا النَّبيُّ؟ قالت: محمَّد بن عبد الله بن عبد المطَّلب الهاشميُّ. قال أبو بكر: فقلت: صاحبي وحبيبي وأليفي. فتعاهدت الشَّجرة حتَّى تبشِّرني بخروج النَّبيِّ، فلمَّا أتاه الوحي سمعت صوتاً من الشَّجرة: جدَّ وتشمَّرْ يا ابن أبي قحافة، / فقد جاء الوحي وربِّ موسى، لا يسبقك(20) إلى الإسلام أحد. قال أبو بكر: فلمَّا أصبحت غدوت إلى النَّبيِّ صلعم، فلمَّا رآني قال: يا أبا بكر، إنِّي أدعوك إلى الله وإلى رسوله. قلت: أشهد أنَّك رسول الله، بعثك بالحقِّ سراجاً منيراً. فآمنت به وصدَّقت.
          قال: ولم يفته مشهد واحد مع رسول الله صلعم، وثبت معه يوم أحد، ودفع إليه النَّبيُّ صلعم رايته العظمى يوم تبوك، وكان يملك يوم أسلم أربعين ألف درهم، فكان يعتق منها، ويقوِّي المسلمين، وقال صلعم: «ما نفعني مال أحد ما نفعني مال أبي بكر».(21) فبكى(22) ، وقال: هل أنا ومالي إلَّا لك يا رسول الله. وهو صاحب النَّبيِّ صلعم في الغار لمَّا هاجر، وأنيسه فيه، ووقاه بنفسه.
          قال بعض العلماء: لو قال قائل: إنَّ جميع الصَّحابة ما عدا أبا بكر، ليست لهم صحبة. لم يكفر، ولو(23) قال: إنَّ أبا بكر لم يكن صاحب رسول الله. كفر؛ فإنَّ القرآن العزيز(24) نطق بأنَّه صاحبه.
          قال أبو بكر: قلت للنَّبيِّ صلعم ونحن في الغار: لو أنَّ أحداً نظر إلى تحت قدميه لأبصرنا. فقال: «يا أبا بكر، ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما». قاله ابن(25) الأثير.
          قال في روض الأفكار _نقلاً عن ابن فرحون القرطبيِّ_: إنَّ أنساً قال: قال رسول الله صلعم: «لمَّا أن حصلتُ مع أبي بكر في الغار مكثنا ثلاثة أيَّام ولياليهن(26) ، فكانت من أبي بكر التفاتة إلى أعلى الغار، فنظر طائراً، ثمَّ طالت(27) مدَّته ولا يأكل ولا يشرب، فعجب أبو بكر من ذلك، وقال: واعجباً من هذا الطائر! من أين مأكله ومشربه؟ وقد قال الله تعالى: { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا } [هود:6] فلمَّا اختلج هذا في خاطر أبي بكر هبط الأمين، فوقف في الهواء، ونادى: إنَّ العليَّ الأعلى يقرئك السَّلام، ويقول: قد علمتُ ما اختلج في سرِّ أبي بكر، فقل لأبي بكر يكلِّم الطَّائر، فإنِّي أمرت الطَّائر أن يكلِّمه». فقال صلعم: «يا أبا بكر، ما الذي اختلج في سرِّك من أمر هذا الطَّائر؟» فقال: يا رسول الله، لنا وله منذ ثلاثة أيَّام في هذا الغار(28) ، لا أراه يأكل ولا ويشرب. فقال صلعم: هذا جبريل يخبرني عن ربِّ العالمين أن تكلِّم الطَّائر، فإنِّي أَمرتُ الطَّائر أن يكلِّمه. فعند ذلك فرح أبو بكر، وقال: أيُّها الطَّائر كلِّمني بإذن الله، فإنِّي عبد مملوك مثلك، فأخبرني من أين مأكولك ومشروبك؟ فبكى الطَّائر حتَّى سقط إلى الأرض، ثمَّ تبسَّم، وقال: سلني عمَّا شئت، ولا تسألني عن هذا، فإنَّ هذا سرٌّ بيني وبين الله تعالى، ولا أريد أن يطَّلع عليه أحد سوى الله تعالى. فقال أبو بكر: أيُّها الطَّائر، إن كنت مأموراً لي بالسَّمع والطَّاعة تقول لي عمَّا أسألك. /
          فقال: والذي فلق الحبَّة، وبرأ النَّسمة، وارتدى العظمة(29) لقد خلقني الله في هذه الكوَّة قبل أن يخلق أباك آدم بألفي عام، ومأكولي ومشروبي في كلمتين. قال: ما هما؟ قال: إذا جُعْتُ ألعنُ مبغضَك فأشبع، وإذا عطشت أستغفر لمحبِّيك(30) فأروى. فعند ذلك بكى صلعم لشقاوة بعض أمَّته لبغض(31) أبي بكر.
          قال ابن الأثير(32) إنَّ النَّبيَّ صلعم قال لأبي بكر: أنت أخي وصاحبي في الغار. وعن عليِّ بن أبي طالب قال: [قال:] لي رسول الله صلعم، ولأبي بكر يوم بدر: «مع أَحَدِكُما جبريل، ومع الآخر ميكائيل، وإسرافيل مَلَكٌ عظيم يشهد القتال، ويكون في الصَّف». ودفع صلعم إليه رايته العظمى يوم تبوك، وكانت سوداء، وكان فيمن ثبت مع رسول الله صلعم يوم أُحُد، ويوم حُنين حين ولَّى النَّاس، ولم يختلف أهلُ السِّير أنَّ أبا بكر لم يتخلَّف عن رسول الله صلعم في مشهد من مشاهده، وتصدَّق ☺ بجميع ماله حتَّى تخلَّل بعباءة، فنزل جبريل، وقال: يا محمَّد، إنَّ الله يقرئك السَّلام، ويقول: قل لعتيق بن أبي قحافة: أنا راض عنه، فهل هو راض عنِّي؟ فبكى أبو بكر، وقال: أنا راض من ربِّي، أنا راض من ربِّي.
          قال ابن عيينة: عاتب الله المسلمين كلَّهم في رسول الله صلعم إلَّا أبا بكر، فإنَّه خرج من المعاتبة، فقال: { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ } [التوبة:40]
          عن أبي هريرة ☺ قال صلعم: «من أصبح منكم صائماً»؟ قال أبو بكر: أنا. قال: «من شهد جنازة»؟ قال أبو بكر: أنا. قال: «من أطعم اليوم مسكيناً»؟ قال أبو بكر: أنا. قال: «من جمعهنَّ في يوم واحد وجبت له الجنَّة، أو غفر له».
          عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى، قال: وفد ناس من أهل الكوفة، وناس من أهل البصرة إلى عمر بن الخطَّاب، فلمَّا نزلوا بالمدينة(33) تحدَّثوا بينهم(34) ، إلى أن ذكروا أبا بكر وعمر، ففضَّل بعض القوم أبا بكر على عمر، وفضَّل بعضهم عمر على أبي بكر، وكان الجارودُ بن المعلَّى(35) ممَّن فضَّل أبا بكر على عمر، فجاء عمر، ومعه درَّته، فأقبل على الذين فضَّلوه على أبي بكر، فجعل يضربهم بالدُّرَّة، فقال الجارود: أَبْقِ(36) يا أمير المؤمنين، (فإنَّ الله لم يكن ليرانا) نفضِّلك على أبي بكر، وأبو بكر(37) أفضل منك في كذا، وأفضل منك في كذا. فسرِّي عن عمر، ثمَّ انصرف، فلمَّا كان من العشيِّ صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثمَّ قال: ألا إنَّ خير هذه الأمَّة بعد نبيِّها أبو(38) بكر، فمن قال بعد مقامي هذا، فهو مفترٍ، عليه ما على المفتري.
          قال النَّزَّالُ بنُ سَبْرَةَ: وافقنا من عليٍّ طيب نفس ومزاج، فقلنا: يا أمير المؤمنين حدِّثنا عن أصحابك. قال: كلُّ أصحاب رسول الله صلعم أصحابي. قلنا: حدِّثنا عن أصحاب رسول الله. قال: سلوني. /
           قلنا(39) : حدِّثنا عن أبي بكر. قال: ذاك امرؤ سمَّاه الله تعالى على لسان جبريل، ولسان محمَّد صلعم صِدِّيقاً، وكان خليفته على الصَّلاة، رضيه لديننا، فرضيناه لدنيانا.
          وعن زيد بن أرقم قال: دعا أبو بكر بشراب، فأُتي بماء وعسل، فلمَّا أدناه من فيه نحَّاه، ثمَّ بكى حتَّى بكى أصحابه، فسكتوا وما سكت، ثمَّ عاد فبكى حتَّى ظنُّوا أنَّهم لا يقوون على مسألته، ثمَّ أفاق، فقالوا: يا خليفة رسول الله، ما أبكاك؟ قال: كنت مع رسول الله صلعم فرأيته يدفع عن نفسه شيئاً، ولم أر أحداً معه، قلت: يا رسول الله، ما هذا الذي تدفع، ولا أرى معك أحداً؟ قال: هذه الدُّنيا تمثَّلت (لي)، فقلت لها: إليك عنِّي. فتنحَّتْ، ثمَّ رجعت، فقالت: «أما إنَّك إن أفلتَّ منِّي فلن يفلت منِّي من بعدك». فذكرت ذلك، فخفت أن تلحقني.
          قال الأصمعيُّ: كان أبو بكر إذا مُدح قال: اللهم أنت أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيراً ممَّا يظنُّون، واغفر لي ما يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون.
          قال أبو السَّفَر: دخلوا على أبي بكر في مرضه، فقالوا: يا خليفة رسول الله، ألا ندعو لك طبيباً ينظر إليك؟ قال: قد نظر إليَّ. قالوا: ما قال لك؟ قال: إنِّي فعَّال لما أريد.
          عن الشَّعبيِّ قال: لمَّا نزلت { إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ } [البقرة:271] إلى آخر الآية، جاء (عمر) بنصف ماله، يحمله إلى رسول الله صلعم على رؤوس النَّاس، وجاء أبو بكر بماله أجمع، يكاد يخفيه عن نفسه، فقال صلعم: «ما تركت لأهلك»؟ قال: عِدَةُ الله وعِدَةُ رسوله. قال: يقول عمر لأبي بكر: بنفسي أنت وبأهلي، ما استبقنا باب خير (قطُّ) إلَّا سبقتنا إليه.
          وعن عمر قال: أمرنا رسول الله صلعم أن نتصدَّق، ووافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته، قال: فجئت بنصف (مالي)، فقال: «ما أبقيت لأهلك»؟ [قال:] قلت: مثله. وجاء أبو بكر بكلِّ ما عنده، فقال: «يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك»؟ قال: أبقيت الله لهم ورسوله. قال: قلت: لا أسبقه إلى شيء أبداً.
          قال عروة: أسلم أبو بكر وله أربعون ألفاً، فأنفقها في الله، وأعتق سبعة كلُّهم يعذَّب في الله، أعتق بلالاً، وعامِرَ بن فُهيرة، وزِنِّيْرَةَ _بكسر الزَّاي، وشدَّة النُّون، بعدها [ياء] تحتيَّة [نقطتان] ، ثمَّ راء وهاء_ وعُبَيْسَ _بضمِّ المهملة، وفتح الموحَّدة، وسكون التَّحتيَّة المثنَّاة، آخرها مهملة_ والنَّهْديَّة وابنتها، وجارية بني مؤمِّل.
          قال سعيد بن المسيَّب _كما قال محيي(40) السُّنَّة_: بلغني أنَّ أميَّة بن خلف قال لأبي بكر في بلال حين قال: أتبيعه؟ قال: ابتعه بنِسْطَاسَ. عبدٍ لأبي بكر صاحب عشرة آلاف دينار، وغلمان، وجوارٍ، ومواشي، وكان مشركاً، حمله أبو بكر على الإسلام على أن يكون ماله له، فأبى، فأبغضه أبو بكر، فلمَّا قال له أميَّة: ابتعه بغلامك نِسْطَاس. اغتنمه أبو بكر(41) ، وقال المشركون: ما فعل ذلك أبو بكر إلَّا ليد كانت لبلال عنده، فأنزل الله تعالى { وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى } [الليل:19] الآية.
          عن أبي صالح الغِفَاريِّ أنَّ عمر بن الخطَّاب كان يتعاهد عجوزاً كبيرة عمياء في بعض حواشي اللَّيل، فيسقي لها، ويقوم بأمرها، فجاءها غير مرَّة، وإذا غيره قد سبقه(42) إليها، فرصده عمر، فإذا هو بأبي بكر الصِّدِّيق الذي يأتيها، وهو يومئذ خليفة، فقال عمر: أنت هو لعمري.
          وأقام بالسُّنْح بعدما بويع له سبعة أشهر، يغدو على رِجْليه، وربَّما ركب على فرس له، فيوافي المدينة يصلِّي الصَّلوات بالنَّاس، فإذا صلَّى العشاء الآخرة رجع إلى أهله، وكان يحلب للحيِّ أغنامهم، فلمَّا بويع بالخلافة قالت جارية من الحيِّ: الآن لا يحلب لنا. فسمع أبو بكر، فقال: بلى، لأحلبنَّها لكم، وإنِّي لأرجو أن لا يغيِّرني ما دخلت فيه عن خُلُقٍ كنت عليه. فكان يحلب لهم، فربَّما قال للجارية: أتحبِّين أن أُرْغِيَ لك أو أُصرح(43) ؟ (فأيَّ) ذلك قالت فعل. قاله ابن الأثير(44) ، ثمَّ قال: وله في تواضعه أخبار كثيرة نقتصر منها على هذا القدر.
          قال محمد بن (الزُّبير): أرسلني عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصريِّ أسأله عن أشياء، فصعدت إليه، فإذا هو متَّكئ على وسادة من أَدَم، فقلت: أرسلني إليك عمر؛ أسألك عن أشياء. فأجابني إلى ما سألته عنه، وقال(45) : اشفني فيما اختلف فيه، هل كان رسول الله صلعم استخلف أبا بكر؟ فاستوى الحسن قاعداً، فقال: أوفي شكٍّ هؤلاء؟ لا أبا(46) لك! إي والله الذي لا إله إلا هو، لقد استخلفه، ولهو(47) أعلم بالله، وأتقى له، وأشدُّ مخافة من أن يموت عليها [لو] لم يأمره. قالت عائشة: قال صلعم: «ليصلِّ أبو بكر بالنَّاس». قالوا: لو أمرت غيره. قال: «لا ينبغي لأمَّتي أن يؤمَّهم إمام وفيهم أبو بكر».
          قال جُبير بن مُطْعِم: أتت امرأةٌ النَّبيَّ صلعم فأمرها بأمر، فقالت: أرأيت إن لم أجدك يا رسول الله؟ قال: «إن لم تجديني، فأْتِي أبا بكر»(48) .
          عن عليِّ بن أبي طالب قال: قدَّم رسولُ الله صلعم أبا بكر، فصلَّى بالنَّاس، وإنِّي لشاهد غير غائب، وصحيحٌ غير مريض، ولو شاء أن يقدِّمني لقدَّمني، فرضينا لدنيانا من رضيه الله ورسوله لديننا.
          عن سالم بن عُبيد(49) _وكان من أصحاب الصُّفَّةِ_ أنَّ النَّبيَّ صلعم لمَّا اشتدَّ مرضه أغمي عليه، فلمَّا أفاق قال: «مروا بلالاً فليؤذِّن، ومروا أبا بكر فليصلِّ بالنَّاس». ثمَّ أغمي عليه، فقالت عائشة: إنَّ أبي رجل أَسِيف، فلو أمرت غيره؟ فقال: «مروا أبا بكر فليصلِّ بالنَّاس». فقالت عائشة كما قالت أوَّلاً، فقال: «إنَّكنَّ صواحبُ يوسف، مروا أبا بكر فليصلِّ بالنَّاس». ثمَّ قال: «أقيمت الصَّلاة»؟ قالوا: نعم. قال: «ادعوا لي إنساناً أعتمد عليه». فجاءت (بَريرة) وإنسان آخر، فانطلقا يمشيان [به] ، وإنَّ رِجْلَيه تخطَّان في الأرض، قال: فأجلسوه إلى جنب أبي بكر، فذهب أبو بكر يتأخَّر، فحبسه حتَّى فزع النَّاس، فلمَّا توفِّي قال _وكانوا قوماً أمِّيِّين، لم يكن فيهم نبيٌّ قبله_ فقال عمر: لا يتكلَّم أحد بموته إلَّا ضربته بسيفي هذا. قال: فقلت: اذهب إلى صاحب رسول الله صلعم _يعني أبا بكر_ فادعه. فذهبت، فوجدته في المسجد [_وفي رواية: أنَّه كان بالسُّنح، اسم موضع_] قال: فأجهشت أبكي، قال: لعلَّ نبيَّ الله توفِّي؟ قال: قلت: إنَّ عمر قال: لا يتكلَّم أحد بموته إلَّا ضربته بسيفي هذا. فأخذ بساعدي، ثمَّ أقبل يمشي حتَّى دخل، فأوسعوا له، فأكبَّ على رسول الله صلعم حتَّى كاد وجهه يمسُّ وجه رسول الله صلعم، فنظر نَفَسَه حتَّى استبان أنَّه توفِّي، فقال: { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ } [الزمر:30] { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ } [آل عمران:144] . { فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ } [آل عمران:149] قالوا: يا صاحب رسول الله، توفِّي رسول الله؟ قال: نعم. فعلموا أنَّه كما قال، قالوا: يا صاحب رسول الله، هل نصلِّي عليه؟ قال: نعم، يجيء نفر منكم فيكبِّرون ويذهبون، حتَّى يفرغ النَّاس. فعلموا أنَّه كما قال، فقالوا: يا صاحب رسول الله، هل يدفن رسول الله؟ قال: نعم. قالوا: أين يدفن؟ قال: حيث قبض الله روحه، فإنَّه لم يقبض إلَّا وهو في موضع طيِّب. فعرفوا أنَّه كما قال، ثمَّ خرج إليه المهاجرون، أو من اجتمع إليه، فقالوا: انطلقوا إلى إخواننا من الأنصار، فإنَّهم ليتآمرون(50) ؛ إذ قال رجل من الأنصار: منَّا أمير ومنكم أمير. فقام(51) عمر، وأخذ بيد أبي بكر، فقال: سيفان في غمد إذن لا يصطحبان. ثمَّ قال: من له هذه الثَّلاثة { إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا }؟ [التوبة:40] فبسط عمر يد أبي بكر، فضرب عليها، ثمَّ قال للنَّاس: بايعوا. فبايع النَّاس أحسن بيعة.
          وروي أنَّ الأنصار لمَّا قالوا: منَّا أمير ومنكم أمير. أتاهم عمر، فقال: يا معشر الأنصار، ألستم تعلمون أنَّ رسول الله صلعم أمر أبا بكر أن يؤمَّ النَّاس؟ فأيُّكم تطيب نفسه أن يتقدَّم أبا بكر، وأن يزيله من مقامه الذي / أقامه فيه رسول الله صلعم ؟ فقالوا: نعوذ بالله، كلُّنا لا تطيب نفسه بذلك. واستغفروا، فكان رجوع الأنصار يوم سقيفة بني ساعدة بكلام عمر.
          ولمَّا توفي رسول الله صلعم ارتجَّتْ مكة، فسمع بذلك أبو قحافة، فقال: ما هذا؟ قالوا: قبض رسول الله صلعم. قال: أمر جليل، فمن ولي بعده؟ قالوا: ابنك. قال: فرضيت بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم. قال: لا مانع لما أعطى(52) الله، ولا معطي لما منع. وكان عمر أوَّل من بايعه تحت سقيفة بني ساعدة يوم وفاة رسول الله صلعم، ثمَّ كانت بيعة العامَّة من غد، وتخلَّف عن بيعته عليٌّ، وبنو(53) هاشم، والزُّبير بن العوَّام، وخالد بن سعيد بن العاص، وسعد بن عبادة، ثمَّ إنَّ الجميع بايعوا بعد موت فاطمة بعد ستَّة أشهر. قاله ابن الأثير(54) .
          وقام في قتال الرِّدَّة مقاماً عظيماً، قالت عائشة: نزل بأبي بكر ما لو نزل بالجبال الرَّاسيات لهاضها.
          وقال عليٌّ: كنت إذا سمعت من رسول الله صلعم حديثاً نفعني الله بما شاء أن ينفعني، وإذا حدَّثني غيره استحلفته، وإذا حلف صدَّقته، وإنَّه حدَّثني أبو بكر _وصدق أبو بكر_ أنَّه سمع رسول الله صلعم يقول: «ما من رجل يذنب ذنباً فيتوضَّأ، فيحسن الوضوء، ويصلِّي ركعتين، يستغفر الله إلَّا غفر له».
          قال في روض الأفكار: إنَّ رسول الله صلعم قال: «لمَّا كان اللَّيلة التي ولد فيها أبو بكر الصِّدِّيق أوصى ربُّكم إلى جنَّة عدن، فقال لها: وعزَّتي وجلالي، لا أسكنت فيك إلَّا من أَحَبَّ هذا المولود».
          قال العبَّاس بن عبد المطَّلب: إنَّ أمَّ أبي بكر كانت تدعى أمَّ الخير، وكانت كلَّما ولد لها ولد مات؛ حتَّى مات لها عشرة من الولد، فلمَّا ولدت أبا بكر احتضنته وحملته، وأتت به إلى المقام، وطافت به الأركان، ثمَّ عادت إلى المقام، وقالت: اللهم إنَّك لست بربٍّ استحدثناك، ثناك اللهم، فهب لي ولدي هذا من الموت. فإذا بكفٍّ بيضاء قد خرجت من المقام، لا مِعْصَمَ(55) لها، فقبضت على ناصية أبي بكر، وهاتف يقول _من البحر الرَّجز(56)_:
يا أَمَةَ اللَّهِ على التَّحقيقِ
فُزْتِ بحَمْلِ الولدِ العتَيقِ
وصاحبِ الرَّسولِ والرَّفيقِ
          وقد وهبه الله لك من الموت، وجعله الخليفة من بعد نبيِّه.
          قال أبو هريرة: اجتمع المهاجرون والأنصار عند رسول الله صلعم، فقال أبو بكر: وعيشِك إنِّي لم أسجد لصنم قطُّ، فغضب عمر، وقال: تحلف بعيش رسول الله، وقد كنت في الجاهليَّة كذا كذا سنة. فقال أبو بكر: إنَّ أبا قحافة أخذ بيدي، فانطلق / بي إلى بيت الأصنام، فقال: هذه آلهتك الشُّمُّ العُلا، فاسجد لها. وخَلاَّني وذهب، فدنوت من الصَّنم، وقلت: أنا جائع فأطعمني. فلم يجبني، فقلت: أنا عطشان فاروني. فلم يجبني، فقلت: أنا عار فاكسني. فلم يجبني، فأخذت صخرة، وقلت: إنِّي ملقٍ عليك هذه الصَّخرة، فإن كنت إلهاً فامنع نفسك. فلم يجبني، فألقيت الصَّخرة عليه فخرَّ لوجهه، وأقبل والدي، فقال: ما هذا يا بنيَّ؟ فقلت: هذا الذي ترى. فانطلق بي إلى أمِّي فأخبرها، فقالت: دعه، فإنَّ هذا هو الذي ناجاني الله به. فقلت: وما ناجاك الله به؟ فقالت: ليلة أصابني المخاض، ولم يكن عندي أحد، سمعت هاتفاً يقول_أسمع الصَّوت ولا أرى الشَّخص_:
يا أَمةَ اللَّهِ على التَّحقيقِ                      ألا ابشري بالولدِ العتيقِ
          اسمه في السَّماء الصِّدِّيق، لمحمَّد صاحب ورفيق. قال أبو هريرة: فلمَّا انقضى كلام أبي بكر نزل جبريل، وقال: صدق أبو بكر ثلاثاً.
          عن أنس ☺ قال: قال رسول الله صلعم: «إنَّ الله تعالى خلقني من نوره، وخلق أبا بكر من نوري، وخلق عمر وعائشة من نور أبي بكر، وخلق المؤمنين من أمَّتي من نور عُمر، وخلق المؤمنات من نور عائشة، فمن لم يحبَّني، ويحبَّ أبا بكر وعمر وعائشة، فما له من نور». فنزل جبريل، وتلا الآية { وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ } [النور:40](57)
          قال محمَّد بن الحنفيَّة(58) _هو ابن عليِّ بن أبي طالب_: قلت لأبي: أيُّ النَّاس خير بعد رسول الله صلعم ؟ قال: أبو بكر. قلت: ثمَّ من؟ قال: عمر. قال: وخشيت أن أقول: ثمَّ من؟ فيقول: عثمان. فقلت: ثمَّ أنت؟ قال: ما أنا إلَّا رجل من المسلمين.
          قال ابن قدامة: وقد اشتهر عن عليٍّ في أخبار تبلغ رتبة التَّواتر أنَّه قال: خير النَّاس بعد النَّبيِّ أبو بكر، ثمَّ عمر _زاد ابن منده، عن عليٍّ_ ثمَّ عثمان.
          وعن عليٍّ: لا أوتى برجل يفضِّلني(59) على أبي بكر وعمر إلَّا جلدته الحدَّ.
          وقال عمر: لأن أقدم فيضرب عنقي في غير ما يقرِّبني إلى إثم أحبُّ إليَّ من أن أتقدَّم على قوم فيهم أبو بكر، لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح إيمان أبي بكر.
          ولقي أبو عبيدة بن الجراح عمر، فقال: هلمَّ أبايعك. فقال عمر: يا أحمق، من يتقدَّم بين يدي أبي بكر؟ ورأى عمر رجلاً يتصدَّق عام الرَّمادة، فقال الرَّجل: إنَّ هذا لخير هذه الأمَّة بعد نبيِّها. _يعني عمر_ فضربه بالدُّرَّة، وقال(60) : / كذبت الخبر، أبو بكر هو خير منِّي، ومن أبي، ومنك، ومن أبيك.
          قال عليٌّ: ما مات رسول الله صلعم حتَّى عرفنا أنَّ أفضلنا بعده أبو بكر، ولمَّا قبض أبو بكر ارتجَّت المدينة بالبكاء، كيوم (مات) النَّبيُّ صلعم. وجاء عليٌّ باكياً، وقال(61) : اليوم انقطعت خلافة النُّبوَّة؛ حتَّى وقف على باب البيت الذي فيه أبو بكر مُسَجَّىً، فقال: رحمك الله يا أبا بكر، كنت صاحب رسول الله صلعم وأنيسه، وثقته، وموضع سره ومشورته، وأوَّلَ القوم إسلاماً، وأشدَّهم يقيناً، وأخوفَهم لله، وأعظمهم في دين الله، وأحزنهم(62) على رسول الله، وأيمنهم على أصحابه، وأحسنهم له صحبة، وأكثرهم مناقب، وأفضلهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأقربهم وسيلة، وأشبههم برسول الله صلعم هدياً وسمتاً، وأشرفهم منزلة، وأكثرهم غُنية، وأوثقهم عنده، فجزاك الله عن الإسلام ورسوله خيراً، كنت عنده بمنزلة السَّمع والبصر، صدَّقته حين كذَّبه النَّاس، فسمَّاك [الله] في تنزيله صدِّيقاً، فقال: { وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } [الزمر:33] وواسيته حين بخلوا، وقمت معه حين قعدوا، وصحبته في الشِّدَّة أكرمَ الصُّحبة، ثاني اثنين، وصاحبه في الغار، والمنزل عليه السَّكينة، ورفيقه في الهجرة، وخليفته في دين الله وأمته، أحسنت الخلافة حين ارتدَّ(63) النَّاس، وقمت بالأمر ما لم يقم به خليفة نبيٍّ، فنهضت حين وهن أصحابك، وبرزت حين استكانوا، وقمت حين ضعفوا، ولزمت منهاج سبيله إذ وهنوا، وكنت خليفته حقًّا، لم تنازع برغم المنافقين، وكُره الحاسدين، وغيظ الباغين، وقمت بالأمر حين فشلوا، ومضيت بنور الله إذ وقفوا، فاتَّبعوك فهدوا، كنت أكبرهم رأياً، وأشجعهم نفساً، وأعرفهم بالأمور، وأشرفهم عملاً، كنت والله للدِّين يعسوباً حين نفر عنه النَّاس، كنت للمؤمنين أباً رحيماً؛ إذ صاروا لك عيالاً، فحملت أثقال ما ضعفوا، ورعيت ما أهملوا، وحفظت ما ضيعوا(64) ، فشمَّرت إذ خشعوا، وعلوت إذ هلعوا، وصبرت إذ جزعوا، فأدركت آثار ما طلبوا، وراجعوا رشدهم برأيك، فظهروا، ونالوا بك ما لم يحتسبوا، كنت على الكافرين عذاباً صبّاً، وللمؤمنين رحمة، وظفرت والله بفضائلها، وأدركت سوابقها، لم يزغ قلبك، ولم تجبن نفسك، كنت كالجبل لا تحرِّكه العواصف، ولا تزيله القواصف، فكنت كما قال رسول الله صلعم: «ضعيفاً في بدنك، قويًّا في أمر الله، / متواضعاً في نفسك، عظيماً عند الله، جليلاً في أعين الناس». لم يكن لأحد فيك مطمع، الضَّعيف الذَّليل عندك قويٌّ عزيز حتَّى تأخذ له حقِّه، والقويُّ العزيز عندك ضعيف ذليل حتَّى تأخذ منه الحقَّ، القريب والبعيد في ذلك عندك(65) سواء، أقرب النَّاس إليك أطوعهم لله، قولك حكم، وأمرك حتم، ورأيك علم، وأقلعت(66) وقد نهج السَّبيل، وسهل العسير، وأطفئت النِّيران، واعتدل بك الدِّين، وقوي المسلمون، وظهر أمر الله ولو كره الكافرون(67) ، فجللت عن البكاء، وعظمت مصيبتك في السَّماء، وهدَّت مصيبتك الأنام، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، رضينا عن الله قضاءه، وسلَّمنا إليه أمره، فوالله لن يصاب المسلمون بعد رسول الله صلعم بمثلك أبداً، كنت للدِّين حصناً، وللمؤمنين خصباً، وعلى المنافقين غلظة وغيظاً(68) ، فألحقك الله بنبيِّه، ولا حرمنا أجرك، ولا أضلَّنا(69) بعدك. وسكت القوم حتَّى انقضى كلامه، وبكوا حتَّى علت أصواتهم، وقالوا: صدقت يا ختن رسول الله.
          ومن فضائل أبي بكر أنَّه قال لنبيِّه: { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى } [الضحى:5] وقال لأبي بكر: { وَلَسَوْفَ يَرْضَى } [الليل:21] (الثَّاني)، قال لنبيِّه: { وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى } [الأعلى:8] وقال لأبي بكر: { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى } [الليل:7] الثَّالث، أن جبريل نزل بالسَّلام على أبي بكر، كما نزل بالسَّلام على نبيِّه. الرَّابع، أنَّه كان يسمع الوحي. قال جُبير بنُ مُطْعِم: لم يسمع أحد الوحي (حين) يلقى على رسول الله صلعم إلَّا أبو بكر الصِّدِّيق، فإنَّه أتى النَّبيَّ صلعم فوجده يوحى إليه، فسمع { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاء } [القصص:56] سمعه من جبريل، فغشي عليه، ونزلت الآية في أبي طالب لمَّا أبى الإسلام، وخاف أن يعيِّره الكفَّار. الخامس أنَّه تنزَّه عن شرب الخمر في الجاهليَّة، قال أبو العالية: سئل أبو بكر في مجمع من الصَّحابة، هل شربت خمراً في الجاهليَّة؟ قال: أعوذ بالله! قالوا: ولم؟ قال: كنت أصون عرضي، وأحفظ مروءتي؛ لأنَّ من شرب الخمر كان لعرضه ومروءته مضيِّعاً، فبلغ ذلك رسول الله صلعم، فقال: «صدق أبو بكر».
          قال عُبيد بن مالك: رأيت رسول الله صلعم يقبِّل أبا بكر، وضع فاه على فيه سواء، فقلت: يا رسول الله، أتقبل أبا بكر؟ فقال: «لا تلمني، فوالله ما شبَّهت ثناياه إلَّا بلؤلؤ رأيته في الجنَّة». فقلت: إنَّه لعظيم المنزلة عندك. فقال: «إنَّ الله لأشدُّ حبًّا له(70) منِّي».
          روى حذيفة / بن اليمان قال: (صلَّى) رسول الله صلعم، فلمَّا انفتل من صلاته قال: «أين أبو بكر»؟ فلم يجبه أحد، فقام قائماً على قدميه، فقال: «أين أبو بكر»؟ فأجابه من آخر الصَّفِّ: لبَّيك يا رسول الله. فقال: «أفرجوا لأبي بكر، ادنُ يا أبا بكر» فدنا، فقال: «ألحقت معي الرَّكعة الأولى»؟ قال: كنت معك في الصَّفِّ الأوَّل، فكبَّرت، واستفتحت الفاتحة، فوسوس لي شيء في(71) الطَّهارة، فخرجت من باب المسجد، وإذا بهاتف: يا أبا بكر. فالتفتُّ، فإذا أنا بإناء من ذهب، وإذا فيه ماء أبيض من الثَّلج، وأعذب من الشَّهد، وعليه منديل مكتوب عليه: لا إله إلا الله، محمَّد رسول الله، أبو بكر الصِّدِّيق. فأخذت المنديل، فوضعته على منكبي، وتوضَّأت للصَّلاة، وأسبغت الوضوء، ورددت المنديل على الإناء، ولحقتك وأنت راكع الرَّكعة الأولى. فقال: «أبشر يا أبا بكر، فإنِّي لمَّا فرغت من القراءة أخذت ركبتي، فلم أقدر على الرُّكوع حتَّى جئت، وإنَّ الذي وضَّاك جبريل، والذي مَنْدَلَكَ ميكائيل، والذي أخذ بركبتي إسرافيل».
          ومن فضائله أنَّه أسلم على يده خمسة من العشرة (المبشَّرة)، عثمان، وطلحة، والزُّبير، وسعد، وعبد الرَّحمن بن عوف، وهو أوَّل من جمع القرآن، فأرسل إلى زيد بن ثابت مَقْتَلَ(72) أهل اليمامة، وقال: إنَّ القتل قد استحرَّ بالقرَّاء، وإنِّي أخشى ذهاب القرآن. فجمع ما بين اللَّوحين من الصُّحف(73) ، والعسب وصدور الرِّجال.
          ومن فضائله أنَّه مضيف لرسول الله صلعم إلى يوم القيامة، فإنَّه أنفق ماله عليه في حياته، ودفنه في حجرة عائشة.
          قال ضَبَّةُ بنُ مِحْصَن: كان علينا أبو موسى الأشعريُّ بالبصرة أميراً، فكان إذا خطبنا حمد الله، وأثنى عليه، وصلَّى على النَّبيِّ صلعم، ثمَّ يدعو لعمر، [قال:] فغاظني ذلك، فقلت: أين أنت من(74) صاحبه أبي بكر تفضِّله عليه؟ قال: فصنع ذلك جميعاً، ثمَّ كتب إلى عمر يشكوني، يقول: إنَّ ضَبَّةَ بنَ مِحْصَن تعرَّض لي في خطبتي. فكتب إليه عمر: أن أشخصه إليَّ. فأشخصني، فقدمت عليه، فضربت عليه الباب، فخرج إليَّ، فقال: من أنت؟ فقلت: ضبَّة بن محصن. قال: فلا مرحباً، ولا أهلاً. فقلت: أمَّا المرحب فمن الله، وأمَّا الأهل، فلا أهل، ولا مال، فيم استحللت إشخاصي من مصري بلا ذنب أذنبته، ولا شيء أتيت؟ قال: ما الذي شجر بينك وبين عاملي؟ قلت: الآن أخبرك يا أمير المؤمنين، إنَّه كان إذا خطب، فحمد [الله] ، / وصلَّى على النَّبيِّ صلعم ودعا لك، فغاظني ذلك، فقلت: أين أنت عن صاحبه تفضِّله عليه؟ فكتب إليك يشكوني. فاندفع عمر باكياً، وهو يقول(75) : أنت والله أوفق منه وأرشد، فهل أنت غافر لي ذنبي، يغفر الله لك؟ قلت: غفر الله لك. ثمَّ اندفع باكياً، وهو يقول: والله ليلة من أبي بكر ويوم خير من عمر وآل عمر، فهل لك أن أحدِّثك بليلته ويومه؟ قلت: نعم. قال: أمَّا ليلته، فإنَّ رسول الله صلعم لمَّا خرج مهاجراً خرج ليلاً، فجعل أبو بكر مرَّة يمشي أمامه، ومرَّة خلفه، ومرَّة عن يمينه، ومرَّة عن يساره، فقال صلعم: «ما هذا يا أبا بكر؟ (ما) أعرف هذا من فعالك». فقال: يا رسول الله، أذكر الرَّصَد فأكون أمامك، وأذكر الطَّلب فأكون خلفك، وعن يمينك، وعن شمالك، لا آمن عليك. فمشى صلعم ليلته على أطراف أصابعه حتَّى حفيت رجلاه، فلمَّا رأى أبو بكر ذلك حمله على عاتقه، حتَّى أتى فم الغار، فأنزله، ثمَّ قال: والذي بعثك بالحقِّ نبيًّا، لا تدخله أنت حتَّى أدخله، فإن كان فيه شيء بدأ بي قبلك. فلم ير شيئاً يستريبه، فحمله فأنزله، وكان في الغار خرق فيه حيَّات، فألقمه أبو بكر قدمه، فجعلن تلسعه وتضربه، ودموعه تنحدر على خده من ألم ما يجده، وهو صلعم يقول: «لا تحزن إنَّ الله معنا». فأنزل الله سكينته _أي الطُّمأنينة_ على رسوله لأبي بكر، فهذه ليلته، وأمَّا يومه؛ فلمَّا توفي رسول الله صلعم ارتد(76) العرب. فقال بعضهم: نصلِّي ولا نزكِّي، وقال بعضهم: نزكِّي(77) ولا نصلِّي. (قال) عمر: فأتيته(78) لا آلو نصحاً، فقلت: يا خليفة رسول الله، تألَّف(79) النَّاس، وارفق بهم. فقال لي: جبَّار في الجاهليَّة، خوَّار في الإسلام، قبض رسول الله صلعم وارتفع الوحي، والله لو منعوني عقالاً، كانوا يؤدُّونها إلى رسول الله صلعم لقاتلتهم [عليه] . فقاتلنا معه، وكان والله رشيد الأمر، فهذا يومه. ثمَّ كتب إلى أبي موسى يلومه.
          وروى أنس أنَّ أبا بكر دخل الغار يلتمس(80) بيديه، فكلمَّا رأى حجراً قال بثوبه، فشقَّه ثمَّ ألقمه؛ حتَّى فعل [ذلك] بثوبه أجمع، فبقي موضع، فوضع عقبه عليه، فلمَّا أصبح صلعم قال: «أين ثوبك يا أبا بكر»؟ فأخبره، فرفع يديه، وقال: «اللهم اجعل أبا بكر معي في درجتي يوم القيامة». فأوحى الله إليه: إنِّي قد استجبت لك.
          قال الثَّعلبيُّ في قوله تعالى: { لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا } [التوبة:40]: لم يكن حزن أبي بكر جبناً منه، / ولا سوء ظنٍّ، ولكن إشفاقاً منه على رسول الله صلعم، وذلك أنَّه قال: إن قتلتُ فأنا رجل واحد، وإن قُتلتَ هلكت الأمَّة. وأنشد أبو بكر _من البحر البسيط_:
قال النَّبيُّ ولم أجزعْ يوقِّرني                     ونحن في سَدَفٍ من ظُلمةِ الغارِ
لا تخشَ شيئاً فإنَّ الله ثالثُنا                     وقد تكفَّلَ لي منهُ بإظْهاري
وإنَّما كيدُ مَنْ تخشى بوادره                     كيدُ الشَّياطينِ قد كادتْ لكُفَّارِ(81)
والله مُهِلكُهمُ طُرَّاً بما صَنعوا                     وجاعلُ المنتهَى منهم إلى النَّارِ
          قال ابن فرحون: نهى النَّبيُّ صلعم عن القيام له، ثمَّ قام يوماً لأبي بكر، ثمَّ قال: «كنت نهيتكم عن القيام، فقمت لأبي بكر، ما قمت له، وإنَّما كان عندي جبريل، فقام لأبي بكر، فقمت لقيام جبريل».
          وقال أبو بكر لأبي عبيدة: تعال، فإنِّي سمعت رسول الله يقول: إنَّك أمين هذه الأمَّة. فقال أبو عبيدة: لا أفعل، أأصلِّي(82) بين يدي رجل أمَّره رسول الله صلعم ؟ فأمَّنا حتَّى قبض.
          عن أبي هريرة قال: بينما رسول الله صلعم جالس مع جبريل؛ إذ مرَّ أبو بكر، فقال جبريل: هذا أبو بكر، قال: «أو تعرفه يا جبريل»؟ قال: والله (إنَّه) لفي السَّماء أشهر منه في الأرض، وإنَّ الملائكة تسمِّيه حكيم قريش، إنَّه قرينك في حياتك، وخليفتك بعد موتك.
          وأجمعت الصَّحابة أنَّه خليفة رسول الله صلعم، حتَّى إنَّ عليًّا لمَّا رآه شاهراً سيفه، راكباً بعيره، خارجاً إلى قتال أهل الرِّدَّة، قال له: يا خليفة رسول [الله] ، أقول لك ما قيل لرسول الله صلعم يوم أحد: اغمد سيفك، ولا تفجعنا بنفسك، فوالله لئن أصبنا بك لا يكون للإسلام بعدك نظام أبداً، فرجع ومضى الجيش وانتصروا.
          قال جابر بن عبد الله: قال رسول الله صلعم: «أُري اللَّيلة رجل صالح أنَّ أبا بكر نيط برسول الله، ونيط عمر بأبي بكر، ونيط عثمان بعمر». قال جابر: فلمَّا قمنا قلنا: أمَّا الرَّجل الصَّالح فرسول الله، ونوط بعضهم، فهو الأمر الذي بعث الله به نبيَّه.
          قال سفينة(83) مولى رسول الله صلعم: لمَّا بنى رسول الله المسجد جاء أبو بكر بحجر فوضعه، ثمَّ جاء عمر بحجر فوضعه، ثمَّ جاء عثمان بحجر فوضعه، فقلت: يا رسول الله، ما أرى من أصحابك [معك] غير هؤلاء. فقال: «هؤلاء الخلفاء من بعدي». وعن يونس بن عُبيد، عن أنس أنَّ رسول الله صلعم دخل حائطاً، فجاء أبو بكر، فاستأذن، فقال: «ائذن له / وبشِّره بالجنَّة وبالخلافة(84) بعدي».
          ثمَّ جاء عمر يستأذن، فقال: «ائذن له وبشِّره بالجنَّة، وبالخلافة بعد أبي بكر(85) ». ثمَّ جاء عثمان يستأذن، فقال: «ائذن له وبشِّره بالجنَّة وبالخلافة بعد عمر». قال أبو نعيم الأصفهانيُّ(86) : هذا حديث غريب.
          وعن أنس قال: بعثني(87) بنو المصطلق إلى رسول الله صلعم فقالوا: إلى من ندفع زكاتنا إن حدث بك حدث؟ قال: «ادفعوها إلى أبي بكر». فقلت ذلك لهم، قالوا: فاسأله إن حدث بأبي بكر حادث الموت، فإلى من ندفع زكاتنا؟ فقلت ذلك له، فقال: «يدفعونها إلى عمر». فقالوا: إلى من ندفعها بعد عمر؟ فقلت له، فقال: «يدفعونها إلى عثمان». فقال صلعم: «فإذا مات عثمان فتبًّا لكم آخر الدَّهر».
          عن سليمان بن عبد الله القرشيِّ، عن كعب الأحبار، قال: خرجت وأنا أريد الإسلام، فلقيني حبر من اليهود، فقال: أين تريد؟ قلت: هذا النَّبيَّ أسلم على يديه. قال: إنَّه قد قبض اللَّيلة، وارتدَّت العرب. ففارقته كئيباً، فلقيني ركب قدموا من المدينة، فأخبروني بذلك، فرجعت إلى الحبر فأخبرته، فقال: أمَّا الوفاة فصدقوا، وأمَّا ارتداد العرب فأمر لا يتمُّ. قلت: فمن يلي بعده؟ قال: العدل أبو بكر. قلت: فمن يلي بعده؟ قال: قرن من حديد عمر. قلت: فمن يلي بعده؟ قال: الحيي السِّتِّير عثمان. قلت: فمن يلي بعده؟ قال: الهادي المهديِّ عليُّ بن أبي طالب.
          قال عمرو بن العاص: بعثني رسول الله صلعم والياً على عُمان، فسألني أساقفتهم ورهابينهم: هل لنبيِّكم من علامة؟ قلت: نعم، لحم متراكب بين كتفيه، يقال له: خاتم النُّبوَّة. فقالوا: هل يأكل الصَّدقة؟ قلت: لا. قالوا: فهل يقبل الهديَّة؟ قلت: نعم، ويثيب عليها. فقالوا: كيف الحرب بينه وبين القوم؟ قلت: سجال، مرَّة له، ومرَّة عليه. قال: فأسلموا، ثمَّ قالوا: والله لئن صدقت لقد أتى على أجله اللَّيلة. فمكثت أيَّاماً، فإذا راكب أقبل يسأل عنِّي، فقمت إليه مسرعاً، فناولني كتاباً، فإذا فيه: من أبي بكر (الصِّدِّيق) خليفة رسول الله صلعم، فبكيت طويلاً، ثمَّ خرجت إليهم، فأعلمتهم، فبكوا وعزَّوني، فقلت: هذا الذي ولي بعده تجدونه في كتابكم؟ قالوا: نعم، يعمل بعمل صاحبه اليسير، ثمَّ يموت. قال: قلت: ثمَّ ماذا؟ قالوا: يليكم القرن من الحديد، فيملأ مشارق الأرض ومغاربها قسطاً وعدلاً، لا تأخذه / في الله لومة لائم. (قالوا): ثمَّ يقتل. قلت: يقتل؟ قالوا: إي والله يقتل.
          عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صلعم: «أنا الأوَّل، وأبو بكر الثَّاني، وعمر الثَّالث».
          قال عليٌّ: والله إنَّ إمارة أبي بكر وعمر في كتاب الله: { وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا } [التحريم:3] . قال ابن عبَّاس: قال العبَّاس لعليٍّ حين نزلت { إِذَا جَاء نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ } [النصر: 1]: انطلق بنا إلى رسول الله صلعم نسأله، إن كان هذا الأمر لنا من بعده لم تُحاجَّنا فيه قريش، وإن كان لغيرنا سألناه الوصيَّة (فينا). فقال: يا عمُّ، لا تفعل. قال العبَّاس: فجئته، فذكرت ذلك له، فقال: يا عمُّ، إنَّ الله جعل أبا بكر خليفتي على دين الله ووحيه، وهو مستوص، فاسمعوا له وأطيعوا، تهتدوا.
          قال ابن عبَّاس: ما وافق أبا بكر ولا وازره على رأيه [في] ارتداد العرب إلَّا العبَّاس، وكان والله رأيهما يعدل رأي أهل الأرض.
          قال أنس: لمَّا ولي أبو بكر كان عليٌّ في جمع القرآن، فقال له النَّاس: إنَّ عليًّا أنكر ولايتك. فأخذ أبو بكر الدَّواة، وطاف السِّكك، ويقول: أيُّها النَّاس، أقيلوني، أقالكم(88) (الله). فخرج عليٌّ، فقال: يا أبا بكر، لا نقيلك، ولا نستقيلك، قدَّمك رسول الله، فمن يؤخِّرك؟ فوالله، لو عَهِدَ إليَّ أنَّ هذا الأمر بعدي لك ما تركتك على منبر رسول الله صلعم، ولو لم أجد لنفسي إلَّا يدي.
          قال ابن سيرين: فعلى هذا عليٌّ أوَّل من جمع القرآن. قال محمَّد بن عقيل: خطبنا عليٌّ، فقال: أيُّها النَّاس، أخبروني من أشجع النَّاس؟ قالوا: أنت يا أمير المؤمنين. قال: أَمَا إنِّي ما بارزت أحداً إلَّا انتصفت منه، ولكن أخبروني بأشجع النَّاس؟ قالوا: لا نعلم. قال: إنَّه أبو بكر، لمَّا كان يوم بدر جعلنا لرسول الله صلعم عَريشاً، فقلنا: من يكون معه؛ لئلَّا يهوي إليه أحد من المشركين؟ فوالله ما دنا منه إلَّا أبو بكر، شاهراً سيفه، فهذا أشجع النَّاس، ولقد رأيت رسول الله صلعم وأخذته قريش، فهذا يجاذبه، وهذا يتلتله، وهم يقولون: أنت الذي جعلت الآلهة إلهاً واحداً. فوالله ما دنا منه أحد إلَّا أبو بكر، يضرب هذا، ويجاهد هذا، ويقول: ويحكم، أتقتلون رجلاً أن يقول: ربِّي الله؟ ثمَّ رفع عليٌّ بردة كانت عليه، فبكى، ثمَّ قال: أنشدكم بالله، أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر؟ فسكت القوم، فقال: ألا تجيبوني؟ والله لساعة من أبي بكر خير من ملء الأرض مثل مؤمن آل فرعون؛ ذاك رجل كتم إيمانه، وهذا رجل أعلن إيمانه.
          قال وهب / بن منبه: رأيت أسقفَّ قيساريَّة في الطَّواف، فسألته عن إسلامه، فقال: ركبت سفينة في جماعة، فانكسرت، وتعلَّقت بخشبة، يضربني(89) الموج ثلاثة أيَّام؛ حتَّى قذفني الموج إلى غيضة ذات أشجار، لها ثمر مثل البندق، ونهر مطرد(90) ، فشربت من الماء، وأكلت من الثَّمر، فلمَّا جنَّ اللَّيل صعد من الماء شخص عظيم، وحوله جماعة لم أر على صورتهم أحداً، فقال بأعلى صوته: لا إله إلا الله الملك الجبَّار، محمَّد رسول الله النَّبيُّ المختار، أبو بكر الصِّدِّيق صاحب الغار، عمر بن الخطَّاب فتَّاح الأمصار، عثمان بن عفَّان حسن الجوار، عليُّ بن أبي طالب قاصم الكفَّار، على مبغضيهم(91) لعنة الله، ومأواه جهنَّم وبئس الدَّار. ثمَّ غاب، فلمَّا كان بعد مضي أكثر اللَّيل صعد ثانياً في أصحابه، فنادى: لا إله إلا الله القريب المجيب، محمَّد رسول الله صلعم النَّبيُّ الحبيب، أبو بكر الصِّدِّيق الرَّفيق الشَّفيق، عمر بن الخطَّاب ركن من حديد، عثمان بن عفَّان الحييُّ الحليم، عليُّ بن أبي طالب الكريم المستقيم. ثمَّ بَصُر بي أحدهم، فدنا منِّي، فقال: أجنِّيٌّ أنت أم إنسيٌّ؟ فقلت: إنسيٌّ. فقال: ما دينك؟ فقلت: نصرانيٌّ(92) . قال: أسلم تسلم، أما علمت أنَّ الدِّين عند الله الإسلام؟ فقلت: ما هذا(93) الشَّخص العظيم الذي نادى؟ (قال): هو التَّيَّار، ملك البحار، هذا دأبه كلَّ ليلة في بحر من البحور، ثمَّ يمرُّ بك غداً مركب، فَصِح بهم، وأشر إليهم، يحملوك إلى بلد الإسلام. فلمَّا مرَّ بي المركب أشرت إليهم، فإذا هم نصارى، فحملوني، وقصصت(94) عليهم القصَّة، فأسلموا.
          قال سهل بن سعد: قال رسول الله: «حبُّ أبي بكر وشكره واجب على كلِّ مسلم». وعن أبي هريرة ☺ قال: قال: رسول الله صلعم: «عرج بي إلى السَّماء، فما مررت بسماء إلَّا وجدت اسمي مكتوباً، محمَّد رسول الله، وأبو بكر من خلفي».
          وفي البخاريِّ(95) قال أبو الدَّرداء: كنت جالساً عند النَّبيِّ صلعم، إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه؛ حتَّى أبدى عن ركبتيه، فقال صلعم: «أمَّا صاحبكم فقد غامر». فسلَّم، وقال: إنِّي(96) كان بيني وبين ابن الخطَّاب شيء، فأسرعت إليه، ثمَّ ندمت، فسألته أن يغفر لي، فأبى، فأقبلت إليك، فقال: «يغفر الله لك يا أبا بكر». ثلاثاً، ثمَّ إنَّ عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر، (فسأل: أثمَّ أبو بكر؟ قالوا: لا. فأتى النَّبيَّ صلعم، فجعل وجه رسول الله صلعم يتمعَّر، حتَّى أشفق أبو بكر،) فجثا على ركبتيه، فقال: يا رسول الله، (والله) أنا كنت أظلم. مرَّتين، / [فقال صلعم: إنَّ الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت. وقال أبو بكر: صدقت. واساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركون لي صاحبي. مرَّتين،] فما أوذي بعدها.
          قال يعقوب الأنصاريُّ: إن كانت حلقة رسول الله صلعم لتستدير حتَّى تصير كالسِّوار، وإنَّ مجلس أبي بكر لفارغ، ما يطمع فيها أحد، فإذا جاء أبو بكر جلس في ذلك المجلس، فأقبل عليه بوجهه، وألقى عليه حديثه، فطلع العبَّاس، فتزحزح أبو بكر عن مجلسه، فعرف السُّرور في وجه رسول الله صلعم، بتعظيم أبي بكر للعبَّاس، وقال صلعم: «ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلَّا كانت عنده كبوة، إلَّا ابن أبي قحافة، فإنَّه لم يتلعثم». يعني لم يتوقَّف.
          قال عليٌّ: قال رسول الله صلعم: «لمَّا أسري بي نظرت إلى باب من أبواب الجنَّة، عرضه أربعون ميلاً، تزدحم عليه أمَّتي، فقلت لجبريل: ما هذا الباب؟ قال: يقال له: باب الأرواح، تزدحم أمَّتك عليه(97) يوم القيامة» . فقال [أبو بكر] : يا رسول الله، إنِّي لأشتهي أن أنظر إلى هذا الباب. فقال صلعم: «أنا وأنت أوَّل من يدخل من هذا الباب، فإذا دخلناه لم يبق في الجنَّة قصر ولا حجرة إلَّا أضاءت بنورك، فيقول أهل الجنَّة: ما هذا النُّور؟ فيقولون: هذا نور الصِّدِّيق».
          قال في توثيق عرى الإيمان: إنَّ أبا بكر أوَّل من دعا النَّاس إلى الإيمان، فأسلم على يده اليوم الأوَّل عثمان، وطلحة، وعبد الرَّحمن، والزُّبير، وسعد، وفي اليوم الثَّاني، عثمان بن مظعون، وأبو عبيدة بن الجرَّاح، وأبو سلمة ابن عبد الأسد، والأرقم بن [أبي] الأرقم، وهو أوَّل من عوقب في الله، فإنَّه لمَّا أسلم أخبرت قريش بإسلامه، فثار إليه المشركون، فضربوه، ووطئوه بأقدامهم، حتَّى إنَّ اللَّعين عتبة بن ربيعة جعل يضربه بنعلين مخصوفتين(98) ، ويحرفهما على وجهه؛ حتَّى لم يعرف أنفه من وجهه، فلمَّا أفاق آخر النَّهار، بعد أن حملوه إلى بيته، قال: ما فعل رسول الله صلعم ؟ وقد مرَّت هذه القصَّة، وهو أوَّل رجل صلَّى مع النَّبيِّ صلعم، وأوَّل من غيَّر اسمه من عبد الكعبة إلى عبد الله، ولعلَّه إنَّما كنِّي بأبي بكر لابتكاره بهذه الخصال، وله خصائص، [منها] : أنَّه صاحب الكرسيِّ، قال صلعم _كما رواه أبو سعيد_: «إذا كان يوم القيامة يؤتى بثلاثة كراسي من ذهب أحمر، يتلألأ منه الجمع، فتوضع أمام العرش، فيجلس على واحد منها إبراهيم الخليل، / وأجلس أنا على الآخر، ثمَّ يؤتى بأبي بكر، فيقعد بيني وبين إبراهيم، ثمَّ ينادي مناد: ألا طوبى لصدِّيق بين حبيب وخليل». ومنها أنَّه الحبيب، قال الله تعالى: { مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [المائدة:54] والرِّدَّة إنَّما كانت زمن أبي بكر، وهو الذي تولَّى قتالهم، وروى أبو موسى الأشعريُّ أنَّه تلا بين يدي رسول الله صلعم { فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [المائدة:54] قال: «أبو بكر». ومنها: [أنَّه] المعطي، والمتَّقي، والمصدِّق، قال الله تعالى: { فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى*وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى } [الليل:5-6] نظيره قوله صلعم: «أعطاني حين منعني النَّاس». ونظير الثَّاني قوله تعالى: { وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى*الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى } [الليل:17-18] وأراد أبا بكر، نظير الثَّالث: { وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } [الزمر:33] أبو بكر. ومنها أنَّه أولو الفضل، قال الله تعالى: { وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ } [النور:22] الآية. نزلت في حقِّ مِسْطَحِ بنِ أُثَاثَةَ ابن أخت أبي بكر لمَّا خاض في أمر الإفك، وكان نفقته على أبي بكر(99) ، فحلف أنَّه(100) لا ينفق عليه بعد ذلك، فسمَّاه الله أولي الفضل، فرفق الله بأبي بكر غاية الرِّفق، فقال: { أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ } [النور:22] فقال أبو بكر: بلى، والله نحبُّ أن يغفر لنا. وهو نظير لقوله ╕ حين دخل عليه عليُّ بن أبي طالب، وأبو بكر جالس عن يمينه صلعم، فتنحى عن مكانه، وأجلسه بينه وبينه ╕، فتهلَّل(101) وجهه بالفرح، وقال: «يا أبا بكر، لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلَّا أولو الفضل».
          ومنها أنَّه أولو بأس شديد، قال الله تعالى: { قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } [الفتح:16] ولا خلاف بين أهل العلم أنَّ هذه الدَّعوة لم تكن إلَّا لأبي بكر في قتال أهل الرِّدَّة، ومسيلمة الكذَّاب(102) . قال مقاتل في تفسير قوله تعالى: { وَإِن تَتَوَلَّوْا } عن قتال أهل اليمامة { كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ } [الفتح:16] عن قتال (أهل) الحديبية.
          ومنها أنَّه أولو الأمر، [روى عكرمة] في قوله تعالى: { أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } [النساء:59] أنَّه أبو بكر.
          ومنها أنَّه صالح(103) المؤمنين، قال الله تعالى: { فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } [التحريم:4] قال عمر، وابن عبَّاس: إنَّ صالح المؤمنين أبو بكر.
          ومنها أنَّه السَّابق، قال الله تعالى: { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ*أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ } [الواقعة:10-11] وكان أبو بكر سابقاً في كلِّ مكرمة.
          ومنها أنَّه المنفق، قال الله تعالى: { لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ } [الحديد:10] / فانظر كيف قطع المساواة بين أبي بكر وغيره، ثمَّ بيَّن(104) بأنَّه أعظم درجة.
          ومنها أنَّه لا حساب عليه في الآخرة؛ لما روى أنس عن رسول الله صلعم أنَّه التقى هو وجبريل في الملأ الأعلى، فقال: «هل على أمَّتي حساب»؟ قال: نعم، ما خلا أبا بكر الصِّدِّيق. قيل: يا أبا بكر، ادخل الجنَّة. قال: لن أدخلها حتَّى يدخل معي من أحبَّني في الدُّنيا. وهذا يدلُّ على أنَّ محبَّة أبي بكر تكسب لصاحبها دخول الجنَّة.
          ومنها أنَّه لا يدخل الجنَّة إلَّا من أحبَّه؛ لما روى عبد الله بن عمر، عن رسول الله صلعم: «أنَّه لمَّا ولد أبو بكر اطَّلع الله على جنَّة عدن، فقال: وعزَّتي وجلالي، لا يدخلك(105) إلَّا من أحبَّ هذا المولود».
          ومنها أنَّه لا يعادله أحد؛ لما روي أنَّه ◙ قال لحسَّان بن ثابت: «ما قلت في أبي بكر؟ قل، وأنا أسمع». فقال _من البحر البسيط_:
وثانيَ اثنينِ في الغارِ المنيفِ وقدْ                     طاف العدوُّ به إذ صَعَّد الجَبَلاَ
وكان حِبَّ رسولِ اللَّهِ قد عَلِمُوا                     من البريَّةِ لم يَعْدِلْ به رَجُلاَ
          فضحك رسول الله صلعم حتَّى بدت نواجذه، ثمَّ قال: «صدقت يا حسَّان». ويؤيِّد ذلك حديث أبي الدَّرداء أنَّه ◙ قال: «ما طلعت الشَّمس، ولا غربت على أحد بعد النَّبيِّين أفضل من أبي بكر».
          ومنها أنَّه نزل لخدمته الكرام من الملائكة، كما في قصَّة صلاة الصُّبح، وانتظاره ◙ في الرُّكوع، ووضوء أبي بكر.
          ومنها أنَّه أحبُّ النَّاس إلى النَّبيِّ ◙، كما روى عمرو بن العاص، قلت: يا رسول الله، من أحبُّ النَّاس إليك؟ قال: «عائشة» قلت: من الرِّجال؟ قال: «أبوها».
          ومنها أنَّ الله يتجلَّى له وحده؛ لما ورد في الحديث: «إنَّ الله يتجلَّى للنَّاس عامَّة، ويتجلَّى(106) لأبي بكر خاصَّة».
          ومنها أنَّ أبواب الدُّور كانت مشرعة إلى مسجد رسول الله صلعم، فقال: «سدُّوا هذه الأبواب إلَّا خوخة أبي بكر». وغير ذلك من الصِّفات الحسان.
          ذكر وفاة أبي بكر: كان رجلاً _كما قال ابن الأثير(107)_ أبيض، نحيفاً، خفيف العارضين، معروق(108) الوجه، غائر العينين، ناتئ الجبهة، يخضب بالحنَّاء والكتم، وأسلم أبواه، وولده وولد ولده، فهو [ووالده،] وأولاده، وأولاد أولاده صحابة، ولهذا جمعهم الله في قوله ╡ { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ } [الفتح:29] (يعني) أبا بكر، ومثله في التَّوراة والإنجيل / { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ }(109) [الفتح:29] يعني أبا بكر.
          قال ابن عمر، وزيادة بن حنظلة: سبب موته الكمد والحزن على رسول الله صلعم.
          قالت عائشة: أوَّل ما مرض أبو بكر أنَّه اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة، وكان يوماً بارداً، فَحُمَّ خمسة عشر يوماً، لا يخرج إلى الصَّلاة، وكان يأمر عمر يصلِّي بالنَّاس، ويدخل عليه النَّاس يعودونه، وهو يثقل كلَّ يوم، وكان عثمان ألزمهم له في مرضه.
          وعاش ثلاثاً وستِّين سنة، عُمُرَ رسول الله صلعم، وهو أوَّل خليفة في الإسلام، وأوَّل من حجَّ أميراً بالمسلمين؛ فإنَّ مكَّة افتتحت سنة ثمان، وأُمِّر أبو بكر على الحاجِّ سنة تسع، وأوَّل من جمع القرآن، وقيل: عليٌّ. وأوَّل خليفة ورثه أبوه(110) .
          قال ابن شهاب الزُّهريُّ: إنَّ أبا بكر والحارث بن كَلَدَة كانا يأكلان خَزَيْرة(111) أهديت لأبي بكر، فقال: ارفع يدك يا خليفة رسول الله، والله إن فيها لسمَّ سنة، وأنا وأنت نموت في يوم واحد. فرفع يده، فلم يزالا عليلين حتَّى ماتا في يوم واحد، عند انقضاء السَّنة.
          قال في روض الأفكار: لمَّا حضر الصِّدِّيق الموت دعا عمر، فقال له: اتَّق الله يا عمر، واعلم أنَّ لله عملاً بالنَّهار لا يقبله باللَّيل، وعملاً باللَّيل لا يقبله بالنَّهار، وأنَّه لا يقبل نافلة حتَّى تؤدَّى فريضته، وإنَّما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتِّباعهم الحقَّ في الدُّنيا، وحُقَّ لميزان يوضع فيه الحقُّ أن يكون ثقيلاً، وإنَّما خفَّت موازين من خفَّت موازينه يوم القيامة باتِّباعهم الباطل [في الدُّنيا، وخفَّته] ، وحُقَّ لميزان يوضع فيه الباطل أن يكون خفيفاً، إنَّ الله تعالى ذكر أهل الجنَّة، فذكرهم بأحسن أعمالهم، وتجاوز عن سيِّئاتهم، فإذا ذكرتهم قلت: إنِّي لأخاف أن لا ألحق بهم. وإنَّ الله تعالى ذكر أهل النَّار، فذكرهم بأسوأ أعمالهم، وردَّ عليهم أحسنها، فإذا ذكرتهم قلت: إنِّي لأرجو أن لا أكون مع هؤلاء؛ ليكون(112) العبد راغباً راهباً، لا يمنُّ على الله، ولا يقنط من رحمته، فإن أنت حفظت وصيَّتي، فلا غائب أحبُّ إليك من الموت، وهو آتيك، وإن أنت ضيَّعت وصيَّتي، فلا يك غائب أبغض إليك من الموت، ولست تعجزه.
          عن عائشة قالت: لمَّا مرض أبو بكر، قال: انظروا ما زاد من مالي منذ دخلت في الإمارة، فابعثوا به إلى الخليفة من بعدي. فنظرنا فإذا عبد نوبيٌّ كان يحمل صبيانه، وإذا / ناضح كان يسقي بستاناً له، فبعثنا بهما إلى عمر، فبكى، وقال: رحم الله أبا بكر، لقد أتعب من بعده تعباً شديداً. ولمَّا تولى الخلافة أقام بالسُّنْح من عوالي المدينة ستَّة أشهر، ثمَّ نزل إلى المدينة، فأقام بها، ونظر في أمره، وقال: لا والله، لا يصلح أمرُّ النَّاس التِّجارة، وما يصلحهم إلَّا التَّفرُّغ لهم، والنَّظر في شأنهم، ولا بد لعيالي ممَّا يصلحهم. فترك التِّجارة، وأنفق من بيت المال ما يصلحه وعياله يوماً بيوم، ويحجُّ ويعتمر، وكان الذي فرض له كلَّ سنة ألف درهم، فلمَّا حضره الوفاة، قال: ردُّوا ما عندنا من مال المسلمين، فإنِّي لا أصيب من هذا المال شيئاً، وإنَّ أرضي التي بمكان كذا وكذا للمسلمين؛ بما أصبت من أموالهم. فدفع ذلك إلى عمر: (لَقُوح،) وعبد، وقَطِيفة ما تساوي خمسة دراهم، فقال عمر: لقد أتعب من بعده.
          قال أبو السَّفر: مرض أبو بكر، فعاده النَّاس، فقالوا: ألا ندعو لك الطَّبيب؟ قال: قد رآني. قالوا: أي شيء قال؟ (قال): قال لي: إنِّي فعَّال لما أريد.
          قالت عائشة: لما ثقل بأبي بكر المرض قال: أيُّ يوم توفِّي فيه رسول الله؟ قالت: قلت: يوم الإثنين. قال: أيُّ يوم هذا؟ قلت: يوم الإثنين. قال: أرجو فيما بين اليوم واللَّيل. فتوفِّي ليلة الثُّلاثاء، ودفن ليلاً، وكان آخر ما(113) تكلَّم [به] : ربِّ توفَّني مسلماً، وألحقني بالصَّالحين
          قال سعيد بن المسيَّب: استكمل أبو بكر سِنَّ رسول الله صلعم. يعني ثلاثاً وستِّين [سنة] . قال أبو عمر بن عبد البرِّ: إنَّ النَّبيَّ صلعم رأى رؤيا، فقصَّها على أبي بكر، فقال: «يا أبا بكر رأيت كأنِّي أنا وأنت نرقى درجة، فسبقتك بمرقاتين». فقال: يا رسول الله، يقبضك الله إلى رحمته، وأعيش بعدك سنتين ونصفاً.
          عن عامر بن عبد الله بن الزُّبير قال: رأسُ أبي بكر عند كتفي رسول الله صلعم، ورأس عمر عند حقوي أبي بكر. قال مالك بن أنس: قال لي هارون الرَّشيد: كيف كان منزلة أبي بكر وعمر عند رسول الله حالة الحياة؟ قلت: كمنزلتهما عند(114) الممات. فقال الرَّشيد: يا مالك، شفيتني، وهكذا أجاب عليُّ بن الحسين(115) .


[1] في (ن) تصحيفاً: (الصحابين) وفي غيرها: (الصحابي) والمثبت من المصادر.
[2] مقدمة الفتح: ص475
[3] في (ن): (لاثني عشر) و(إحدى عشر) و(ثلاثة عشر).
[4] في (ن): (وممن).
[5] ما ذكر من خبر أبي بكر الصديق ☺ وما سيأتي في أسد الغابة لابن الأثر:3/315- 341.
[6] في غير (ن): (حذيفة) وهو تصحيف.
[7] الخبر مع الشعر في كنز العمال:12/352، برقم (35357) وقال: وهو منقطع، وأيضاً في تاريخ دمشق لابن عساكر:30/35.
[8] الخبر في تاريخ دمشق:30/31- 33.
[9] في (ن): (في أمره).
[10] في (ن) تصحيفاً: (قعدت).
[11] في (ن): (يديك).
[12] الشعر مع الخبر في تاريخ دمشق:30/39- 41. يرويه عن ابن الأنباري وزاد:
عاش حميداً لأمر الله متَّبعاً لهدي صاحبه الماضي وما انتقلا
وكذا في أسد الغابة:3/313.
[13] في غير (ن): (قلت).
[14] سقطت (التهامي) من (س).
[15] في غير (ن): (وإن أمت قبل بعثك).
[16] في (ن): (المدني) وكذلك الموضع بعده.
[17] في (ن): (اثني عشر) كذلك المواضع بعده.
[18] في (ن): (اثني).
[19] في (ن) تصحيفاً: (وودعته).
[20] في غير (ن): (يسبقنك).
[21] أخرجه الإمام أحمد في المسند برقم (7446) عن أبي هريرة ☺.
[22] في غير (ن): (قيل).
[23] في (ن) تصحيفاً: (وهو).
[24] في غير (ن) و(س) و(هـ): (العظيم).
[25] أسد الغابة:3/314.
[26] في (ن) تصحيفاً: (وليالين).
[27] في غير (ن): (طال).
[28] سقطت (في هذا الغار) من (هـ)، وجاء في هامش (هـ) ما نصه عند هذا الخبر: مطلب في قصة الطائر: أقول: لقد ثبت هذا الحديث الشريف عند أئمة الحديث وأصحاب السير، حتى قال بعض العلماء: يجب حفظ ثلاث (كذا) أحاديث لكل من أهل السنة، الحديث الأول: قوله ╕: إن الله خلقني من نوره، وخلق أبا بكر من نوري، وخلق عائشة وعمر من نور أبي بكر، وخلق جميع المؤمنات من نور عائشة، وجميع المؤمنين من نور عمر، فمن لم يحبني، ويحب أبا بكر وعمر وعائشة ما له من نور، فنزل جبريل بقوله ╡: ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور، الحديث الثاني: حديث الطائر، وهو حديث الطائر، وهو هذا الحديث، الثالث: ما رواه الديلمي في الفردوس، وغيره من الأئمة أنه ╧ قال. قلت: انتهى النص هنا دون إيراد الحديث الثالث.
[29] في (ن): (بالعظمة).
[30] في غير (ن): (لمحبك).
[31] في غير (ن): (ببغض).
[32] أسد الغابة:3/323- 326.
[33] في غير (ن): (المدينة).
[34] في غير (ن): (بينهما).
[35] في (ن): (العلاء) وقد اختلف في اسمه، فقيل: الجارود بن المعلَّى بن العلاء، وقيل: الجارود بن عمرو بن العلاء، يكنى أبا غياث، وقيل: أبا عتاب ذكره أبو أحمد الحاكم، وقال أبو عمر: أخشى أن يكون تصحيفاً، ولكنه ذكر له الكنيتين، وقيل: يكنى أبا المنذر، ويقال: الجارود بن المعلَّى بن حنش من بني جذيمة، وكان سيد عبد القيس، قدم على رسول الله سنة عشر في وفد عبد القيس وكان نصرانياً فأسلم، ويقال: إن اسم الجارود بشر بن عمرو، وإنما سمي الجارود لأنه أغار في الجاهلية على بكر بن وائل، فقال المفضل العبدي:
~ودُسْنَاهُمُ بالخيل من كل جانب كما جَرَدَ الجارودُ بَكْرَ بنَ وائلِ
ات مقتولاً سنة إحدى وعشرين. الاستيعاب في معرفة الأصحاب:1/262- 263، الثقات لابن حبان:3/59.
[36] في (ن) تصحيفاً: (اتق).
[37] سقطت (أبو بكر) من (س).
[38] في (ن): (أبا).
[39] في غير (ن): (قال).
[40] تفسير البغوي:8/449.
[41] في (ن) هنا زيادة: (على الإسلام) ولا معنى لها هنا.
[42] في غير (ن): (سبق).
[43] في (ن) تصحيفاً: (أرعي لك إذا سرح).
[44] أسد الغابة:3/335، وفي الأصل بعض الاضطراب استصلحته من الأُسد، وكتب اللغة، وأرغى اللبن إذا صارت له رُغْوة، وهو ما طفا على اللبن من الزَّبَد، واللبنُ الصُّرَاحُ: ما لِيس فيه رغوة، ومن أمثالهم: تحت الرغوة اللبن الصريح، وفي غريب الحديث لابن الأثير (لبد): أَأُلْبِدُ لكِ أم أُرْغي، فإن قالوا أَلْبِدْ ألزق العلبة بالضرع فحلب، ولا يكون لذلك الحلب رغوة، فإن أبان العلبة رغا _الشخب بشدة_ وقوعه في العُلبة، وجاء في هامش (هـ) ما نصه: السُّنْح _بضم المهملة، وبالنون الساكنة، وبإهمال الحاء_ موضع في عوالي المدينة، قاله الكرماني. قلت: في شرحه على البخاري:7/52، باب الدخول على الميت (1172).
[45] في غير (ن): (وقلت).
[46] في (ن): (لا أب).
[47] في غير (ن): (وهو).
[48] صحيح البخاري برقم (3659).
[49] أخرجه بهذا اللفظ، عن سالم بن عبيد النسائي في الكبرى، باب كيف صلِّي على رسول الله صلعم برقم (7081)، وروايته عند البغوي في معجم الصحابة برقم (1057) أتم وأكمل.
[50] في (ن): (يتوامرون).
[51] في (ن) تصحيفاً: (فقال).
[52] في غير (ن): (يعطي).
[53] في (ن): (وبنوا).
[54] أسد الغابة:3/337- 339، وفيه: إلا سعد بن عبادة، فإنه لم يبايع أحداً إلى أن مات. وسبق قول المصنف في ترجمة سعد بن عبادة أنه لم يبايع أبا بكر ولا عمر. وجاء في الأصل، وكذا في أسد الغابة: (ارتجت مكة) وفي كتب التاريخ والسير: (ارتجت المدينة)، وسيذكر ذلك المصنف بعد قليل.
[55] في (ن) تصحيفاً: (لا معصيب).
[56] الخر بمعناه مع الأبيات في كنز العمال:12/504 والأبيات فيها زيادة: يعرف في التوراة بالصدِّيق، وكذا في ذيل تاريخ بغداد لابن النجار البغدادي:3/68.
[57] ذكره القرطبي في تفسيره:12/286 ونسب القول للثعلبي، وجعله من أسباب نزول الآية المذكورة، ولم يذكر له إسناداً، وجاء في هامش (هـ) ما نصه: بهذا الحديث استدل صاحب الملل، وصاحب الأمالي على كون عائشة أفضل من فاطمة ♂ حتى قال صاحب الأمالي في قصيدته في العقائد:
~وللصدِّيقة الرجحانُ فاعلم على الزهراء في بعض الخصال
[58] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف:7/473.
[59] في غير (ن): (فضلني).
[60] في (ن): (ويقول).
[61] في (ن): (ويقول).
[62] في (ن) تصحيفاً: (وأحمد بهم).
[63] في غير (ن): (ارتدت).
[64] في (ن): (صنعوا).
[65] في غير (ن): (عندك في ذلك).
[66] في الأصول: (وافقت) و (وأقفلت): وكلاهما تصحيف، والمثبت من مصادر الترجمة، وكتب السير والتاريخ.
[67] في (س): (المشركون).
[68] في (ن): (وغيظة).
[69] في غير (ن) و(د): (ولا فتنا).
[70] في غير (ن): (له حباً).
[71] في غير (ن): (من).
[72] في (ن) تصحيفاً: (بقتل) و(استحر القتل بالقرآن).
[73] في غير (ن): (المصحف).
[74] في (ن): (من).
[75] سقط من (س) مقدار سطر من قوله: أنت والله أوفق إلى قوله باكياً.
[76] في غير (ن): (ارتدت).
[77] سقط من (س): (وقال بعضهم: نزكي).
[78] في (ن) هنا بياض موضع كلمة وإشارة لحق إلى الهامش ولكن لا هامش.
[79] في (ن): (تألفت).
[80] في غير (ن): (يلامس).
[81] سقط البيت الثالث من (س)، والأبيات في تاريخ دمشق لابن عساكر 30/86.
[82] في (ن): (أصلي).
[83] في (ن) تصحيفاً: (سبعية) ولم ينقط فيها غير الباء.
[84] في غير (ن): (والخلافة).
[85] في (ن): (بعدي).
[86] في حلية الأولياء:3/399.
[87] في (ن): (بعث).
[88] في (ن) تصحيفاً: (أقلكم) و(فرج علي).
[89] في غير (ن): (فضربني).
[90] في (ن): (مطر).
[91] في غير (ن): (ميغضهم).
[92] في غير (ن): (النصرانية).
[93] في (ن) تصحيفاً: (يا هذا).
[94] في (ن): (وقصيت).
[95] برقم (3661)، وهو برقم (4640) أجلى وأوفى.
[96] في (ن): (إن).
[97] في غير (ن): (عليه أمتك).
[98] في غير (ن): (مخصوفين).
[99] في غير (ن): (وكان في نفقة أبي بكر).
[100] في غير (ن): (أن).
[101] في (ن) تصحيفاً: (مهلل).
[102] جاء في هامش (ن) هنا: فيه خلافٌ على ما أخذه المتأخرون ترجيحاً قتالاً لمسيلمة، ولكن ابن جرير الطبري حقق في تفسير هذه الآية فليراجع، ولكن كيف كان يدل على شرف الصديق، فافهم.
[103] جاء في هامش (ه) عند قوله: صالح المؤمنين: (فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين) لعله سهو من الكاتب لم يذكر ذلك.
[104] في غير (ن): (صرح).
[105] في غير (ن): (أدخلك).
[106] في (ن): (تجلى) وكذا في كل المواضع قبلها.
[107] أسد الغابة:3/339، والشعر مع الخبر في تاريخ دمشق لابن عساكر:30/91، وفي كنز العمال:12/523، وقال: هذا الحديث موصله ومرسله منكر، والبلاء فيه من أبي العطوف الجزري.
[108] في (ن): (مقرون).
[109] في (ن): (كمثل زرع).
[110] في غير (ن): (أبو بكر) وهو خطأ.
[111] في (ه): (الحريرة)، والخزيرة: حساء من دقيق ودسم، وقيل: الحريرة من الدقيق، والخزيرة من النخالة، ولا تكون الخزيرة إلا من لحم، وإلا فهي عصيدة. (خزر) اللسان.
[112] في (ن): (ليكن).
[113] في (ن): (آخر من).
[114] في غير (ن): (بعد).
[115] فات المصنف هنا:
- عبد الله بن براد بن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعريُّ، أبو عامر الكوفيُّ.
قال: أحمد ليس به بأس.
روى عن أبي أسامة حمَّاد بن أسامة.
روى عنه البخاريُّ حديثاً واحداً وعلقه، في تفسير سورة الأعراف [خ¦4644] .
توفي سنة أربع وثلاثين ومئتين.
ترجمته في تهذيب الكمال:14/327.