غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

عبد الوهاب بن عبد المجيد

          874 # عبد الوهَّاب بن عبد المجيد بن الصَّلْت، أبو محمَّد الثَّقفيُّ، البصريُّ.
          سمع: أيُّوب السَّخْتِيَانيَّ، وعبد الله بن عون، ويحيى بن سعيد الأنصاريَّ، وخالداً الحذَّاء، وعبيد الله بن عمرو.
          روى عنه: محمَّد بن سَلاَم، وعمرو بن عليٍّ، ومحمَّد بن عبد الله بن حوشب، وبندار، وأبو موسى الزَّمِن.
          نقل عنه البخاريُّ بالواسطة في مواضع، أوَّلها: في باب حلاوة الإيمان من كتاب الإيمان [خ¦16] .
          قال ابن حجر(1) : هو أحد الأثبات، قال عليُّ بن المدينيِّ: ليس في الدُّنيا كتاب عن يحيى بن سعيد الأنصاريِّ أصحَّ من كتاب عبد الوهَّاب. ووثَّقه يحيى، والعجليُّ وآخرون، وقال ابن سعد: ثقة، وفيه ضعف. قال ابن حجر: أراد بذلك ما فيه من الاختلاط، فإنَّه اختلط بآخر عمره، قبل موته بسنتين أو ثلاث. قال عمرو بن عليٍّ: اختلط حتَّى كان لا يعقل. قال ابن حجر: احتجَّ به الجماعة، ولم يكثر عنه(2) البخاريُّ، والظَّاهر أنَّه إنَّما أخرج عمَّن سمع منه قبل الاختلاط، كعمرو بن عليٍّ وغيره، بل قال العقيليُّ: إنَّه لمَّا اختلط حجبه أهله، فلم يرو شيئاً في الاختلاط. قال ابن السَّمعانيِّ(3) : كان من الثِّقات، وكان صحيح الكتاب، ثقة، صدوقاً، روى عنه الشَّافعيُّ، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعليُّ بن المدينيِّ، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم.
          قال الكرمانيِّ(4) : كانت غلَّته كلَّ سنة قريباً من خمسين ألفاً، ولا يحول الحول على شيء منها، كان ينفقها على أصحاب الحديث. قال إبراهيم النَّظَّام _وذكر عنده عبد الوهَّاب_: هو والله أحلى من أمن بعد خوف، وبرء بعد سقم، وخصب بعد جدب، وغنى بعد فقر، ومن طاعة المحبوب، وفرج المكروب، ومن الوصال الدَّائم مع الشَّباب النَّاعم.
          ولد سنة ثمان، أو عشر ومئة، توفِّي سنة أربع وتسعين ومئة.
          تنبيه:
          هذا ليس هو عبد الوهَّاب المالكيُّ القاضي، فإنَّ هذا متقدِّم عليه بمدَّة طويلة، وكان المالكيُّ قاطناً ببغداد، فضاقت به الأحوال، وكان من أعلم النَّاس وأفصحها، فنبتْ(5) به بغداد، كعادة البلاد بذوي فضلها، وعلى حكم الأيَّام في محسني أهلها، وودع ماءها وطيب ظلِّها. فقيل: إنَّه شيَّعه يوم الخروج عنها من أكابرها، وأصحاب محابرها جملة موفورة، فقال لهم: والله لو وجدت رغيفين بين ظهرانيكم كلَّ غداة وعشيَّة ما عدلت عن بلدكم بلوغ أمنية، وفي ذلك يقول _من البحر البسيط_(6) :
بغدادُ دارٌ لأهلِ المالِ طيِّبةٌ                     وللمفاليسِ دارُ الضَّنكِ والضِّيقِ
ظللتُ حَيْرَانَ أمشي في أَزقَّتِها                     كأنَّني مصحفٌ في بيت زنديقِ
          وكذلك أنشد _من البحر الطَّويل_:
سلام على بغدادَ في كلِّ موطن                     وحُقَّ لها منِّي سلامٌ مضاعَفُ
فوالله ما فارقتها عن قِلَىً لها                     وإنِّي بشطَّي جانبيها لَعَارِفُ
ولكنَّها ضاقت عليَّ بأسرِها                     ولم تكنِ الأرزاقُ فيها تُسَاعِفُ
وكانت كَخِلٍّ كنتُ أهوى دنوَّه                     وأخلاقُهُ تنأَى به وتُخَالِفُ
          ثمَّ توجَّه (إلى) مصر، فحلَّ(7) لواءها، وحلَّ في أرضها وسمائها، / واستتبع ساداتها وكبراءها، وتناهت إليه الغرائب، وانثالت في يديه الرَّغائب، فمات لأوَّل ما وصلها، من أكلة اشتهاها فأكلها، وزعموا أنَّه قال _وهو يتقلَّب، ونفسه تتصعَّد وتتصوَّب_: لا إله إلا الله، لمَّا عشنا متنا، ومن شعره _من البحر الطَّويل_:
ونائمةٍ قَبَّلْتُها فتنبَّهتْ                     فقالت تعالَوا فاطلبوا اللصَّ بالحَدِّ
[فقلتُ لها أَفديك إنِّي غاصبٌ                     وما حكَموا في غاصبٍ بسوى الرِّدِّ]
خذيها وكُفِّي عن أَثيمٍ ظُلاَمةً                     وإن أنتِ لم ترضَي فألفاً على العَدِّ
فقالتْ قِصَاصٌ يشهد العقلُ أنَّه                     على كبدِ الجاني ألذُّ من الشَّهْدِ
فباتتْ يميني وهي هميان خَصْرِهَا                     وباتَتْ يساري وهي واسطةُ(8) العِقْدِ
فقالتْ ألم أخبر بأنَّكَ زاهدٌ                     فقلتُ بلى ما زلتُ أَزْهَدُ في الزُّهْدِ


[1] مقدمة الفتح: ص422.
[2] في (ن): (منه).
[3] الأنساب:3/140.
[4] شرح البخاري:1/99، حديث رقم (15)، باب حلاوة الإيمان.
[5] في (ن): (فقست).
[6] هذه الأبيات وما بعدها من شعر عبد الوهاب المالكي في وفيات الأعيان:3/220- 221.
[7] في غير (ن): (فحمل).
[8] في (ن) تصحيفاً: (واسط).